surah_name
stringclasses 113
values | revelation_type
stringclasses 2
values | ayah
stringlengths 2
1.15k
| tafsir_book
stringclasses 84
values | tafsir_content
stringlengths 0
644k
|
---|---|---|---|---|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | مختلف فيها وهي ست آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ } أي مربيهم ومصلحهم { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } مالكهم ومدبر أمورهم { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } معبودهم. ولم يكتف بإظهار المضاف إليه مرة واحدة لأن قوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } عطف بيان لـ { رَبّ ٱلنَّاسِ } لأنه يقال لغيره رب الناس وملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه. وعطف البيان للبيان فكأنه مظنة للإظهار دون الإضمار. وإنما أضيف الرب إلى الناس خاصة وإن كان رب كل مخلوق تشريفاً لهم، ولأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهو إلههم ومعبودهم. وقيل: أراد بالأول الأطفال. ومعنى الربوبية يدل عليه، وبالثاني الشبان ولفظ الملك المنبىء عن السياسة يدل عليه، وبالثالث الشيوخ ولفظ الإله المنبىء عن العبادة يدل عليه، وبالرابع الصالحين إذ الشيطان مولع بإغوائهم، وبالخامس المفسدين لعطفه على المعوذ منه { مِن شَرّ ٱلْوَسْوَاسِ } هو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر كالزلزال والمراد به الشيطان سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه لأنها شغله الذي هو عاكف عليه، أو أريد ذو الوسواس والوسوسة الصوت الخفي { ٱلْخَنَّاسِ } الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والبتات لما روي عن سعيد بن جبير إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل رجع ووسوس إليه { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } في محل الجر على الصفة، أو الرفع، أو النصب على الشتم، وعلى هذين الوجهين يحسن الوقف على الخناس { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس على أن الشيطان ضربان: جني وإنسي كما قال**{ شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ }** [الأنعام: 112] وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال لرجل: هل تعوذت بالله من شيطان الإنس؟ روي أنه عليه السلام سحر فمرض فجاءه ملكان وهو نائم فقال أحدهما لصاحبه: ما باله. فقال: طُبّ. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذي أروان. فانتبه صلى الله عليه وسلم فبعث زبيراً وعلياً وعماراً رضي الله عنهم فنزحوا ماء البئر وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فنزلت هاتان السورتان، فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة حتى قام صلى الله عليه وسلم عند انحلال العقدة الأخيرة كأنما نشط من عقال وجعل جبريل يقول: باسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك. ولهذا جوز الاسترقاء بما كان من كتاب الله وكلام رسوله عليه السلام لا بما كان بالسريانية والعبرانية والهندية، فإنه لا يحل اعتقاده والاعتماد عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأقوالنا ومن شر ماعملنا وما لم نعمل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ونبيه وصفيه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله مصابيح الأنام وأصحابه مفاتيح دار السلام صلاة دائمة ما دامت الليالي والأيام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { قل أعوذ برب الناس } إنما خصص الناس بالذّكر، وإن كان رب جميع المحدثات لأنه لما أمر بالاستعاذة من شر الوسواس، فكأنه قال أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم فإنه هو الذي يعيذهم من شرهم، وقيل إن أشرف المخلوقات هم الناس، فلهذا خصهم بالذكر. { ملك الناس إله النّاس } إنما وصف نفسه أولاً: بأنه رب الناس، لأن الرب قد يكون ملكاً، وقد لا يكون ملكاً فنبه بذلك على أنه ربهم، وملكهم ثم إن الملك لا يكون إلهاً، فنبه بقوله { إله الناس } على أن الإلهية خاصة بالله سبحانه، وتعالى لا يشاركه فيها أحد، والسبب في تكرير لفظ الناس يقتضي مزيد شرفهم على غيرهم { من شر الوسواس } يعني الشّيطان ذا الوسواس، والوسوسة الهمز، والصوت الخفي. { الخناس } يعني الرجاع من الذي عادته أن يخنس أي يتأخر. قيل إن الشيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا غفل وسها وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس الشيطان عنه، وتأخر وقال قتادة الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب وقيل كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال رأسه كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه ويجذبه، فإذا ذكر الله تعالى خنس وإذا لم يذكر الله تعالى رجع، ووضع رأسه على القلب فذلك قوله تعالى: { الذي يوسوس في صدور الناس } يعني بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع، والمراد بالصدر القلب { من الجنة } يعني الجن { والناس } وفي معنى الآية وجهان: أحدهما: أن الناس لفظ مشترك بين الجن والإنس، ويدل عليه قول بعض العرب جاء قوم من الجن، فقيل من أنتم قالوا أناس من الجن، وقد سماهم الله تعالى رجالاً في قوله**{ يعوذون برجال من الجن }** [الجن: 6] فعلى هذا يكون معنى الآية أن الوسواس الخناس يوسوس للجن كما يوسوس للإنس. الوجه الثاني: أن الوسواس الخناس قد يكون من الجنة، وهم الجن وقد يكون من الإنس، فكما أن شيطان الجن قد يوسوس للإنسان تارة، ويخنس أخرى، فكذلك شيطان الإنس قد يوسوس للإنسان كالنّاصح له فإن قبل زاد في الوسوسة، وإن كره السامع ذلك انخنس وانقبض فكأنه تعالى أمر أن يستعاذ به من شر الجن والإنس جميعاً ق عن عائشة رضي الله تعالى عنها **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم ينفث فيهما، فيقرأ { قل هو الله أحد } ، و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
عن عائشة رضي الله عنها **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيديه رجاء بركتهما "** أخرجه مالك في الموطأ ولهما بمعناه ق عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار "** عن ابن عباس قال: **" قيل يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى، قال الحال المرتحل قيل، وما الحال المرتحل قال الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل "** أخرجه التّرمذي، والله سبحانه، وتعالى أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | أضيف الرب إلى الناس، لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم، استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم، كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر. والظاهر أن { ملك الناس إله الناس } صفتان. وقال الزمخشري: هما عطفا بيان، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق بين بملك الناس، ثم زيد بياناً بإله الناس لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله:**{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله }** [التوبة: 31] وقد يقال: ملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان، انتهى. وعطف البيان المشهور أنه يكون بالجوامد، وظاهر قوله أنهما عطفا بيان لواحد، ولا أنقل عن النحاة شيئاً في عطف البيان، هل يجوز أن يتكرر لمعطوف عليه واحد أم لا يجوز؟.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة؟ قلت: لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار، انتهى. والوسواس، قالوا: اسم من أسماء الشيطان؟ والوسواس أيضاً: ما يوسوس به شهوات النفس، وهو الهوى المنهي عنه. والخناس: الراجع على عقبه، المستتر أحياناً، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تعالى تأخر. وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس، ويكون معنى { من الجنة والناس }: من الشياطين ونفوس الناس، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان، والمغري: المزين من قرناء السوء، فيكون { من الجنة والناس } ، تبييناً لذلك الوسواس. قال تعالى:**{ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً }** [الأنعام: 112] وقال قتادة: إن من الإنس شياطين، ومن الجن شياطين، فنعوذ بالله منهم. وقال أبو ذر لرجل: هل تعوذت من شياطين الإنس؟
وقال الزمخشري: { الوسواس } اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة؛ وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه؛ أو أريد ذو الوسواس. وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في**{ إذا زلزلت }** [الزلزلة: 1] ويجوز في الذي الجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ومن في { من الجنة والناس } للتبعيض، أي كائناً من الجنة والناس، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون من متعلقاً بيوسوس، ومعناه ابتداء الغاية، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس، انتهى.
ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب والملك والإله، وإن اتحد المطلوب، وفي الاستعاذة من ثلاث: الغاسق والنفاثات والحاسد بصفة واحدة وهي الرب، وإن تكثر الذي يستعاذ منه. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثاً، صلى الله عليه وسلم وشرّف ومجد وكرّم، وعلى آله وصحبه ذوي الكرم وسلم تسليماً كثيراً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | القراءات: { الناس } وما بعدها ممالة: قتيبة ونصير. والباقون: بالتفخيم.
الوقوف: { الناس } ه لا { الناس } ه لا { الناس } ه لا { الخناس } ه لا بناء على أن الفصل بين الصفة وموصوفها لا يصلح إلا للضرورة. ولو قيل إن محله النصب أو الرفع على الذم حسن الوقف { الناس } ه لا { والناس } ه.
التفسير: إنه تعالى رب جميع المحدثات ولكنه خص الناس ههنا بالذكر للتشريف، ولأن الاستعاذة لأجلهم فكأنه قيل: أعوذ من شر الوسواس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهوالهم ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا دهمهم أمر بسيدهم ومخدومهم وولي أمرهم. وقوله { ملك الناس } { إله الناس } عطف ثانٍ لأن الرب قد لا يكون ملكاً كما يقال " رب الدار " والملك قد لا يكون إلهاً. وفي هذا الترتيب لطف آخر وذلك أنه قدم أوائل نعمه إلى أن تم ترتيبه وحصل فيه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو ملك تفتقر كل الأشياء إليه وهو غني عنهم، ثم علم بالدلائل العقلية والنقلية أن العبادة لازمة له وأن معبوده يستحق العبادة. ويمكن أن يقال: أوّل ما يعرف العبد من ربه هو كونه مربوباً له منعماً عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، ثم لا يزال ينتقل من معرفة هذه الصفة إلى صفات جلاله ونعوت كبريائه فيعرف كونه ملكاً قيوماً، ثم إذا خاض في بحر العرفان وغرق في تياره وله عقله وتاه لبه فيعرف أنه فوق وصف الواصفين فيسميه إلهاً من وله إذا تحير. وتكرير لفظ " الناس " في السورة للتشريف كأنه عرف ذاته في خاتمة كتابه الكريم بكونه رباً وملكاً وإلهاً لهم، أو لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الكشف والتوضيح ولو قيل: إن الثاني بدل الكل من الأوّل فالأحسن أيضاً وضع المظهر مقام المضمر كيلا يكون المقصود مفتقراً إلى ما ليس بمقصود في الظاهر مع رعاية فواصل الآي. وقيل: لا تكرار في السورة لأن المراد بالأوّل الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه لشدّة احتياجهم إلى التربية، وبالثاني الشبان ولفظ " الملك " المنبىء عن السياسة يدل عليه لمزيد افتقارهم إلى الزجر لقوّة دواعي الشهوة والغضب فيهم مع أن العقل الصادق لم يقو بعد ولم يستحكم، وبالثالث الشيوخ ولفظة " آله " المنبىء عن استحقاق العبادة له يدل عليه لفتور الدواعي المذكورة وقتئذ، فتتوجه النفس إلى تحصيل ما يزلفه إلى الله بتدارك ما فات. والمراد بالرابع الصالحون والأبرار فإن الشيطان مولع بإغوائهم. وبالخامس المفسدون والأشرار لأنه بيان الموسوس فإن الوسواس الخناس قد يكون من الجنة وقد يكون من الناس كما قال**{ شياطين الجن والإنس }** [الأنعام: 112] والخناس هو الذي من شأنه أن يخنس أي يتأخر وقد مر في قوله تعالى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس }** [التكوير: 15] عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل وسوس إليه فكما أن شيطان الجن يوسوس تارة ويخنس أخرى فكذلك شيطان الإنس يرى نفسه كالناصح المشفق، فإن زجره السامع انخنس وترك الوسوسة، وإن تلقى كلامه بالقبول بالغ فيه حتى نال منه. وقال قوم: الناس الرابع يراد به لاجنو الإنس جميعاً وهو اسم للقدر المشترك بين النوعين كما روي أنه جاء نفر من الجن فقيل لهم: من أنتم؟ فقالوا: ناس من الجن. وقد سماهم الله رجالاً في قوله**{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن }** [الجن: 6] والناس الخامس هو المخصوص بالبشر، ومعنى الآية على هذا التقدير أن هذا الوسواس الخناس لا يقتصر على إضلال البشر ولكنه يوسوس للنوعين فيكون قوله { من الجنة والناس } بياناً للناس. وفي هذا القول نوع ضعف لأنه يعد تسليم أن لفظ " الناس " يطلق على القدر المشترك يستلزم الاشتراك المخل بالفهم. وذكر صاحب الكشاف أنه إن جعل قوله { من الجنة والناس } بياناً للناس فالأولى أن يقال: الناس محذوف اللام كقولك الداع والقاض. قال الله تعالى**{ أجيب دعوة الداع }** [البقرة: 186] وحينئذ يكون تقسيمه إلى الجن والإنس صحيحاً لأنهما النوعان اللذان ينسيان حق الله تعالى. وقيل { من الجنة والناس } بدل من { الوسواس } كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد، ثم عمم فاستعاذ به من جميع الجنة والناس. وقوله { من شر الوسواس } المضاف محذوف أي من شر ذي الوسواس وهو اسم بمعنى الزلزلة. وأما المصدر فوسواس بالكسر ويحسن أن يقال سمي الشيطان به لأنه كأنه وسوسة في نفسه لأنها صنعته وعمله الذي هو عاكف عليه نظيره**{ إنه عمل غير صالح }** [هود: 46] وإنما قال { في صدور الناس } ولم يقل " في قلوبهم " لأن الشيطان لا تسلط له على قلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن واعلم أن المستعاذ به مذكور في السورة الأولى بصفة واحدة وهو أنه رب الفلق، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات: الغاسق والنفاثات والحاسد: وأما في السورة الثانية فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث وهي الرب والملك والإله، والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة. وفيه إشارة إلى أن حفظ النفس والدين أهم من حفظ البدن بل الثاني مطلوب بالعرض والأوّل مقصود بالذات.
التأويل: أعوذ بالرب الذي فلق ظلمات بحر العدم بنور التكوين والإبداع من شر عالم الخلق الممزوجة خيراتها بالآفات، ولا سيما علام الكون والفساد الذي هو جماد ونبات وحيوان والجمادات أبعدها عن الأنوار لخلوها عن جميع القوى الروحانية وهو المراد بقوله { ومن شر غاسق } وفوقها النباتات الناميات في الأقطار الثلاثة الطول والعرض والعمق وهن العقد الثلاث فلذلك سميت قواها بالنفاثات فيها، وفوقها القوى الحيوانية من الحواس الظاهرة والباطنة والشهوة والغضب المانعة للروح الإنسانية عن الانصباب إلى عالم الأمر كالحاسد يمنع المرء عن كماله ويغيره عن حاله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم أراد ذكر مراتب النفس الإنسانية التي هي أشرف درجات الحيوان فقال { برب الناس } إشارة إلى العقل الهيولاني المفتقر إلى مزيد تربية وترشيح حتى يخرج من معدنها ويظهر من حكمها. وقوله { ملك الناس } إشارة إلى العقل بالملكة لأنه ملك العلوم البديهية وحصلت له ملكة الانتقال منها إلى العلوم الكسبية لأن النفس في هذه الحالة أحوج إلى الزجر عن العقائد الباطلة والأخلاق الفاسدة والتأديب في الصغر كالنقش على الحجر. وقوله { إله الناس } إشارة إلى سائر مراتبها من العقل بالفعل والعقل المستفاد، فإن الإنسان إذ ذاك كأنه صار عالماً معقولاً مضاهياً لما عليه الوجود، فعرف المعبود فتوجه إلى عرفانه والعبادة له. وأيضاً اتصف بصفاته وتخلق بأخلاقه كما حكي عن أرسطو أنه قال: أفلاطون: إما إنسان تأله أو إله تأنس. ثم إن العقل والوهم قد يتساعدان على تسليم بعض المقدمّات، ثم إذا آل الأمر إلى النتيجة ساعد العقل عليها دون الوهم فكان الوهم خنس أي رجع عن تسليم المقدّمة فلهذا أمر الله سبحانه بالاستعاذة من شره، وقد ورد مثله في الحديث. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال **" يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته "** وهذا آخر درجات النفس الكاملة الإنسانية فلا جرم وقع ختم الكتاب الكريم والفرقان العظيم عليه. ونحن أيضاً نختم التفسير بهذا التحقيق والله وليّ التوفيق والهادي في العلم والعمل إلى سواء الحق والطريق. قال الضعيف مؤلف الكتاب، أحوج خلق الله إلى رحمته ورضاه، الحسن بن محمد بن الحسين المشتهر بنظام النيسابوري نظم الله أحواله في أولاده وأخراه: هذا أيها المعروف باعتلاء عرائك المجد، المشغوف باقتناء سبائك الحمد، الكامل شوقه إلى فهم غرائب القرآن والقرآن كله غرائب، الباذل طوقه في درك رغائب الفرقان والفرقان بأسره رغائب، عقائل مسائل جهزتها فطنة من مشايد الشدائد خامدة، وفرائد فوائد نظمتها قريحة من صنوف الصروف جامده، وقد نطفت بها عين خرساء بادٍ شحوبها وتحركت بها لأجلي ولاء طالما عقر حوبها، على أنها مع سواد ما سقط من سنها بيضاء الخلال ومع مرارة مذاق ما بين لحييها حلوة المباني مليحة المقال. والذي قد مج فوها عفوصة ما فيها عذبة على العذبات سلسة على الأسلات يبكي ويضحك، ويملك ويهلك، ويفقر ويثري، ويريش ويبري، ويمنع ويعطي، ولولا الله لذكرت أنه يميت ويحيى. وفي رقتها دقة، ومع طلاوتها حلاوة، فإن شئت فيراعة فيها براعة، وأنبوب فيه من الحكم أسلوب وأيّ أسلوب، وكيف لا وقد اشتملت على مطاوي ما رسمه على فحاوى كتاب الله الكريم، واحتوت مباني ما رقمه على معاني الفرقان العظيم، الذي أخرس شقاشق الفصحاء حين أرادوا معارضته لعجزهم لا للخلل في أدمغتهم، وأوقر مسامع أولي العناد من العباد في البلاد بجهلهم لا لصمم في أصمختهم، صحيفة يلوح عنها أثر الحق، ولطيمة يفوح منها عبق الصدق، بضاعة يحملها أهل النهي في سفر الروح إلى مكانها، وتجارة أرباحها جنات النعيم، وأجارة أعواضها الفوز بلقاء رب العرش العظيم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد تضمن كتابي هذا حاصل التفسير الكبير الجامع لأكثر التفاسير جل كتاب الكشاف الذي رزقه له القبول من أساتذة الأطراف والأكناف، واحتوى مع ذلك على النكت المستحسنة الغريبة، والتأويلات المحكمة العجيبة مما لم يوجد في سائر تفاسير الأصحاب، أو وجدت متفرقة الأسباب أو مجموعة طويلة الذيول والأذناب. أما الأحاديث فإما من الكتب المشهورة كجامع الأصول والمصابيح وغيرهما، وإما من كتاب الكشاف والتفسير الكبير ونحوهما إلا الأحاديث الموردة في الكشاف في فضائل السورة فإنا قد أسقطناها لأن النقاد زيفها إلا ما شذ منها. وأما الوقوف فللإمام السجاوندي مع اختصار لبعض تعليلاتها وإثبات للآيات لتوقفها على التوقيف. وأما أسباب النزول فمن كتاب " جامع الأصول والتفسيرين " أو من " تفسير الواحدي ". وأما اللغة فمن " صحاح الجوهري " ومن " التفسيرين " كما نقلا. وأما المعاني والبيان وسائر المسائل الأدبية فمن التفسيرين والمفتاح وسائر الكتب العربية، وأما الأحكام الشرعية فمنهما ومن الكتب المعتبرة في الفقه ولا سيما " شرح الوجيز " للإمام الرافعي. وأما التآويل فأكثرها للشيخ المحقق المتقى المتقن نجم الملة والدين المعروف بداية قدس نفسه وروّح رمسه. وطرف منها مما دار في خلدي وسمحت به ذات يدي غير جازم بأنه المراد من الآية بل خائف من أن يكون ذلك جرأة مني وخوضاً فيما لا يعنيني. وإنما شجعني على ذلك سائر الأمة الذين اشتهروا بالذوق والوجدان وجمعوا بين العرفان والإيمان والإتقان في معنى القرآن الذي هو باب واسع يطمع في تصنيفه كل طامع، فإن أصبت فبها وإن أخطأت فعلى الإمام ماسها والعذر مقبول عند أهل الكرم والنهي والله المستعان لنا ولهم في مظان الخلل والزلل، وعلى رحمته التكلان في محال الخطأ والخطل، فعلى المرء أن يبذل وسعه لإدراك الحق ثم الله معين لإراءة الصواب ومعين لإلهام الصدق. وكذا الكلام في بيان الرباطات والمناسبات بين السور والآيات، وفي أنواع التكريرات وأصناف المشتبهات فإن للخواطر والظنون فيها مجالاً، وللناس الأكياس في استنباط الوجوه والنسب هنالك مقالاً، فعليك أيها المتأمل الفطن والمنصف المتدين أن لا تبادر في أمثال هذه المقامات إلى الاعتراض والإنكار، وتقرّ بأن للمؤلف في إعمال القريحة هنالك أجر الافتكار والابتكار، وتعمل فكرتك الصائبة وفطنتك الثاقبة في إبداء وجه جميل لما قرع سمعك، وتتعب خاطرك اليقظان وذهنك العجيب الشان في إبرار محمل لطيف لما ينافي الحال طبعك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم إن استبان لك حسن ذلك الوجه فأنصف تفلح، وإن غلب على ظنك قبحه فأصلح أو أسجع فإن لكل جواد كبوة ولكل حسام نبوة، وضيق البصر وطغيان القلم موضوعان، والخطأ والنسيان عن هذه الأمة مرفوعان، وإني لم أمل في هذا الإملاء إلاّ إلى مذهب أهل السنة والجماعة فبينت أصولهم ووجوه استدلالاتهم بها وما ورد عليها من الاعتراضات والأجوبة عنها. وأما في الفروع فذكرت استدلال كل طائفة بالآية على مذهبه من غير تعصب ومراء وجدال وهراء، فاختلاف هذه الأمة رحمة، ونظر كل مجتهد على لطيفة وحكمة، جعل الله سعيهم وسعينا مشكوراً، وعملهم وعملنا مبروراً. ولقد وقفت لإتمام هذا الكتاب في مدة خلافة علي رضي الله عنه وكنا نقدر إتمامه في مدة خلافه الخلفاء الراشدين وهي ثلاثون سنة، ولو لم يكن ما اتفق في أثناء التفسير من وجود الأسفار الشاسعة وعدم الأسفار النافعة، ومن غموم لا يعدّ عديدها وهموم لا ينادي وليدها، لكان يمكن إتمامه في مدّة خلافة أبي بكر كما وقع لجار الله العلامة، وكما أنه رأى ذلك ببركة جوار بيت الله الحرام فهذا الضعيف أيضاً يرجو أن يرزقني الله تعالى ببركة إتمام هذا الكتاب زيارة هذا المقام ويشرفني بوضع الخد على عتبة مزار نبيه المصطفى محمد النبي الأمي العربي عليه وآله الصلاة والسلام فاسمع واستجب يا قدير ويا علام.
واعلموا إخواني رحمنا الله وإياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، أن لكل مجتهد نصيباً قل أو أكثر، ولكل نفس عاملة قسطاً نقص أو كمل، وأن الأعمال بالنيات وبها تجلب البركات وترفع الدرجات، وأن المرء بأصغريه وكل عمل ابن آدم سوى الخير كلّ عليه, والذي نفسي بيده وناصيتي بحكمه ومشيئته، عالم بسري ومحيط بنيتي أني لم أقصد في تأليف هذا التفسير مجرد جلب نفع عاجل لأن هذا الغرض عرض زائل ولا يفتخر عاقل بما ليس تحته طائل.
| **سحابة صيف ليس يرجي دوامها** | | |
| --- | --- | --- |
وهل يشرئب إلى الأمور الفانية أو يستلذ بها من وهو من أعضائه عظامها، وكاد يفتر من قواه أكثرها بل تمامها؟ وإنما كان المقصود جمع المتفرق، وضبط المنتشر، وتبيين بعض وجوه الإعجاز الحاصل في كلام رب العالمين، وحل الألفاظ في كتب بعض المفسرين بقدر وسعي وحد علمي، وعلى حسب ما وصل إليه استعدادي وفهمي، والقرآن أجل ما وقف عليه الذهن والخاطر، وأشرف ما صرف إليه الفكر والناظر، وأعمق ما يغاض على درّه ومرجانه، وأعرق ما يكد في تحصيل لحينه، ولو لم تكن العلوم الأدبية بأنواعها، والأصولية بفروعها، والحكمية بجملها وتفاصيلها وسيلة إلى فهم معاني كتاب الله العزيز واستنباط نكتها من معادنها واستخراج خباياها من مكامنها لكنت متأسفاً على ما أزجيت من العمر في بحث تلك القواليب، وأملت من الفكر في تأليف ما ألفت في كل أسلوب من أولئك الأساليب، ولكن لكل حالة آلة، ولك أرب سبب، وطالما أغليت المهور للعقائل وجنبت الوسائل للأصائل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال الشاعر:
| **أمر على الديار ديار ليلى** | | **أقبل ذا الجدار وذا الجدارا** |
| --- | --- | --- |
| **وما حب الديار شغفن قلبي** | | **ولكن حب من سكن الديارا** |
وكان من معاصم المقاصد من إنشاء هذا التفسير أن يكون جليسي مدّة حياتي، وأنيسي في وقت مماتي حين لا أنيس للمرء إلا ما أسلف من بره، ولا ينفع الإنسان إلا ما قدّم من خيره. ولعمري إنه للمبتل المنيب الأوّاه نعم العون على تلاوة كتاب الله العزيز ومحضرة مع القراءة ووجهها إن اشتبه عليه شيء منها، ومع الآي والوقوف إن ذهل عن أماكنها ومظانها، وكذا التفسير بتمامه إن أراد البحث عن الحقائق أوعزب عنه شيء من تلك الدقائق، وكذا التأويل إن كان مائلاً إلى بطون الفرقان وسالكاً سبيل الذوق والعرفان. وإني أرجو من فضل الله العظيم وأتوسل إليه بوجهه الكريم، ثم بنبيه القرشيّ الأبطحيّ، ووليه المعظم العليّ وسائر أهل الغر الكرام وأصحابه الزهر العظام، وبكل من له عنده مكان ولديه قبول وشان، أن يمتعني بتلاوة كتابه في كل حين وأوان من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان على الوجه الذي ذكرت، ولأجل هذا لقيت في تأليفه من عرق الجبين وكد اليمين ما لقيت. وأن يعم النفع به لسائر إخواني في الدين ورفقائي في طلب اليقين، ثم أن يجعله عدّة في ليلة يرجع من قبري العشائر والأهلون، وذخيرة يوم لا ينفع مال ولا بنون والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين خصوصاً على رسوله المصطفى الأمين محمد وأله وصحبه أجمعين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | قوله عز وجل: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }: { ٱلْوَسْوَاسِ }: اسم مِنْ أسماء الشيطانِ، وقولُه: { ٱلْخَنَّاسِ } معناه: الرَّاجِعُ علَىٰ عَقِبِهِ المُسْتَتِرُ أحياناً، فإذَا ذكر العَبْدُ اللَّه تعالى وتعوَّذ، تذكَّر فأبْصَرَ؛ كما قال تعالى:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـٰئِفٌ... }** [الأعراف:201] قال النَّوَوِيُّ: قال بعضُ العلماءِ: يُسْتَحَبُّ قَول: لا إلٰه إلا اللَّهِ لِمَنِ ٱبْتُلِيَ بالوَسْوَسَةِ في الوضوءِ والصلاةِ وشِبْهِهِمَا؛ فإن الشيطان إذا سمع الذِّكرَ، خَنَسَ، أي: تأخَّر وبَعُدَ، و«لا إله إلا اللَّهُ»: رَأْسُ الذِّكْرِ؛ ولذلك ٱختارَ السَّادَةُ الجِلَّةُ مِنْ صَفْوة هذه الأمة أهْلُ تربيةِ السَّالكين وتأدِيبِ المُرِيدِينَ ـــ قَوْلَ «لا إلٰه إلا اللَّه» لأَهْلِ الخَلْوَةِ ـــ، وأمَرُوهم بالمداومة علَيْهَا، وقالوا: أنْفَعُ علاجٍ في دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ علَىٰ ذِكْرِ اللَّه تَعالَىٰ والإكْثَارُ منْه، وقال السَّيِّدُ الجليلُ أحْمَدُ بْنُ أبي الحوارِيِّ: شَكَوْتُ إلَىٰ أبي سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيِّ الوَسْوَاسَ، فقال: إذا أَرَدت أَنْ ينقطعَ عَنْكَ، فَأَيَّ وَقْتٍ أحْسَسْتَ به، فٱفْرَحْ، فإنك إذا فَرِحْتَ به، ٱنقطَعَ عنك؛ لأنه ليْسَ شيءٌ أبْغَضُ إلى الشيطانِ مِنْ سرورِ المؤمن، وإن ٱغْتَمَمْتَ بِه، زَادَكَ، \* ت \*: وهذا مما يؤيِّد ما قاله بَعْضُ الأئمة؛ أنَّ الوسواس إنما يُبْتَلَىٰ به مَنْ كَمُلَ إيمانه؛ فإن اللِّصَّ لا يقصدُ بيتاً خَرباً. انتهى، \* ت \*: ورأيتُ في «مختصر الطبريِّ» نَحْوَ هٰذا.
وقوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } يعني: الشياطينَ، ويظهر أنْ يَكُونَ قولُهُ: { وَٱلنَّاسِ } يراد به: مَنْ يُوَسْوِسُ بخدعة مِنَ الشَّرِّ، ويدعو إلى الباطل، فهو في ذلك كَالشَّيْطان، قال أحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الداوديُّ: وعن ابن جُرَيْجٍ: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } قَالَ: «إنهما وَسْوَاسَانِ، فَوَسْوَاسٌ من الجِنَّة، ووَسْوَاسٌ مِنْ نَفْسِ الإنسان» انتهى، وفي الحديث الصحيحِ، **" أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا آوَىٰ إلَىٰ فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرأَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، و«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ»، و«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا ٱسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأ بِهِما مِنْ رَأْسه وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً ".** يَقُولُ العبدُ الفقيرُ إِلى اللَّه تعالىٰ: عَبْدُ الرحمٰنِ بْنُ مُحَمِّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ لَطَفَ اللَّهُ به في الدارَيْنِ: قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في إِتمام تَِلْخِيصِ هذا المختَصَر؛ وقَدْ أودَعتُهُ بحَوْلِ اللَّهِ جزيلاً من الدُّرَر، قد ٱسْتَوعَبْتُ فيه - بِحَمْدِ اللَّهِ- مُهِمَّاتِ ابْنِ عِطَيَّةَ، وأسقطْتُ كَثيراً من التَّكْرار، وما كان من الشَّواذِّ في غاية الوهي، وزدْتُ من غيره جَوَاهِرَ ونَفَائِسَ لا يُسْتَغْنَىٰ عنها مميزةً معزوَّة لِمَحَالِّها مَنْقُولةً بألفاظِهَا، وتوخَّيْتُ في جميع ذلك الصِّدْقَ والصَّواب، وإلى اللَّه أَرْغَبُ في جَزِيلِ الثواب، وقد نَبَّهْتُ بَعْضَ تَنْبِيهٍ، وعرَّفْتُ بأيام رِحْلَتِي في طَلَبِ العِلْمِ بعْضَ تعريفٍ عِنْدَ خَتْمِي لتفسير سورة الشُّورَىٰ؛ فَلْيَنْظُرْ هُنَاكَ، واللَّهُ المَسْؤُولُ أنْ يجعَلَ هذا السعْيَ منا خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إِلَىٰ مرضاته، ومَنْ وَجَدَ في هذا الكتاب تَصْحِيفاً أو خَلَلاً فَأَرْغَبُ إِلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَهُ مِنَ الأُمِّهاتِ المَنْقُولِ منها متثبِّتاً في ذلك لا برَأْيه وبديهةِ عَقْلِهِ: [من الوافر]
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **فَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحــاً** | | **وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيـــمِ** |
| --- | --- | --- |
وكان الفراغُ من تألِيفه في الخامسَ عَشَرَ مِنْ رَبِيع الأَوَّلِ مِنْ عَامِ ثَلاَثَةٍ وثَلاَثِينَ وَثَمَانِمائَةٍ وَأَنَا أَرْغَبُ إِلى كُلِّ أَخ نَظَرَ فيه أنْ يُخْلِصَ لي وَلَهُ بِدَعْوَةٍ صالحةٍ، وهذا الكتابُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَخْلُوَ عنه مُتَدَيِّنٌ، ومُحِبٌّ لكلامِ رَبِّه، فإِنه يَطَّلِعُ فيه عَلَىٰ فَهْمِ القرآن أجْمَعَ في أَقْرَبِ مُدَّةٍ، وليس الخَبَرُ كَالعِيَانِ، هذا مَعَ مَا خُصَّ بِهِ تَحْقِيقِ كَلامَ الأَئِمَّةِ المحقِّقينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - نَقَلْتُهُ عَنْهُمْ بألفاظِهِمْ متحرِّياً لِلصَّوَابِ، ومِنَ اللَّهِ أَرْتَجِي حُسْنَ المَآب، وصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا محمَّد خاتَمِ النبيِّينَ، وَعَلى آله وصَحْبِهِ أجمعين، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }. قرئ: " قُلَ عُوذُ " بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى اللام، ونظيره: { فَخُذَ أَرْبَعَةً } [البقرة: 260].
وأجمع القراء على تلك الإمالة في " النَّاس " إذا كان في موضع الخفضِ.
ومعنى " رَبّ الناس " مالكهم، ومصلح أمورهم، وإنما ذكر أنه " رَبّ الناس " ، وإن كان رباً لجميع الخلق لأمرين:
أحدهما: لأن الناس معظمون، فأعلم بذكرهم أنه ربٌّ لهم وإن عظموا.
والثاني: لأنه أمر بالاستعاذة من شرِّهم، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم، وإنما قال: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } لأن في الناس ملوكاً فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره، فذكر أنه إلههم، ومعبودهم، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به، ويلجأ إليه دون الملوك، والعظماء.
قوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }. يجوز أن يكونا وصفين لـ " ربّ الناس " وأن يكونا بدلين، وأن يكونا عطف بيان.
قال الزمخشري: فإن قلت: " ملك الناس، إله الناس "؟ ما هما من " رب الناس "؟ قلت: هما عطف بيان، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق، بين بـ { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ثم زيد بياناً بـ { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }؛ لأنه قد يقال لغيره: " رب النَّاس " ، كقوله:**{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ }** [التوبة: 31]، وقد يقال: " ملك النَّاس " ، وأما " إله النَّاس " فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.
واعترض أبو حيَّان: بأن البيان يكون بالجوامد، ويجاب عنه بأن هذا جارٍ مجرى الجوامد وقد تقدم تقريره في " الرحمن الرحيم " أول الفاتحة.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل: " بربِّ النَّاس " مضافاً إليهم خاصة؟.
قلت: لأن الاستعاذة وقعت من شر الوسواس في صدور الناس، فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم.
قال الزمخشري: " فإن قلت: فهلاَّ اكتفي بإظهار المضاف إليه الذي هو النَّاس مرة واحدة؟ لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنةً للإظهار دون الإضمار ".
وكرر لفظ " النَّاس "؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأن التكرار يقتضي مزيد شرف الناس، وأنهم أشرف مخلوقاته.
قال ابن الخطيب: وإنما بدأ بذكر الرب تعالى، وهم اسم لمن قام بتدبيره، وإصلاحه من أوائل نعمه إلى أن رباه، وأعطاه العقل، فحينئذ عرف بالدليل أنه مملوك وأنه ملك، فثنى بذكر الملك، ثم لما علم أن العبادة لازمة له، وعرف أنه معبود مستحق للعبادة وعرفه أنه إله فلهذا ختم به.
قال ابن الخطيب: ولم يقرأ في المشهورة هنا " مالك " بالألف، كما قرئ به في الفاتحة، لأن معنى المالك هو الربُّ، فيلزم التكرار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقرئ به في الفاتحة، لاختلاف المضافين، فلا تكرار.
قوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ }.
قال الزمخشري: " اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر: فوِسْواس - بالكسر " كزِلْزَال " ، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته، وشغله الذي هو عاكف عليه، وأريد ذو الوسواس ". انتهى، وقد مر الكلام معه أن المكسور مصدر، والمفتوح اسم في " الزلزلة "؛ فليراجع.
والوَسْوَسَةُ: حديث النفس، يقال: وسوست إليه نفسه وَسْوَسة ووِسْوَسة - بكسر الواو - قاله القرطبي.
ويقال لهمس الصائد، والكلاب، وأصوات الحليّ: وسواس.
قال ذو الرمة: [البسيط]
| **5372- فَبَـاتَ يُشئِـزُهُ ثَـأَدٌ ويُسهِـرهُ** | | **تَذؤُّبُ الرِّيحِ والوَسْـوَاسُ والهِضَبُ** |
| --- | --- | --- |
وقال الأعشى: [البسيط]
| **5373- تَسْمَعُ للحَلْي وسْوَاساً إذا انصَرفَتْ** | | **كمَا اسْتَعَانَ بِرِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ** |
| --- | --- | --- |
قوله: " الخنَّاس " أي: الرجَّاع؛ لأنه إذا ذكر الله - تعالى - خنس، وهو مثال مبالغة من الخنوس.
يقال: خنس أي تأخر، يقال: خنستة فخنس، أي أخرته فتأخر، وأخنسته أيضاً. وتقدم الكلام على هذه المادة في سورة:**{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ }** [التكوير: 1].
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِس }: يجوز جره نعتاً وبدلاً [وبياناً لجريانه مجرى] الجوامد، ونصبه ورفعه على القطع.
قال القرطبي: " ووصف بالخناس؛ لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى:**{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ }** [التكوير: 15] يعني النجوم لاختفائها بعد ظهورها ".
فصل في الكلام على الشيطان
قال مقاتل: إن الشيطان في سورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه، سلَّطه الله على ذلك، فذلك قوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ، وقال صلى الله عليه وسلم: **" إنَّ الشَّيطَانَ يَجْرِي من ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ "** رواه البخاري ومسلم.
قال القرطبي: " ووسوسته: هو الدعاء إلى طاعته، حتى يصل به إلى القلب، من غير صوت ".
قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ }. فيه أوجه:
أحدها: أنه بدل من " شرّ " بإعادة العامل، أي: من شر الجنة.
الثاني: أنه بدل من ذي الوسواس؛ لأن الموسوس من الجن والإنس.
الثالث: أنه حال من الضمير في " يُوسْوِسُ " حال كونه من هذين الجنسين.
الرابع: أنه بدل من " النَّاس " وجعل " مِنْ " تبييناً، وأطلق على الجن اسم النَّاس؛ لأنهم يتحركون في مراداتهم. قاله أبو البقاء: إلا أنَّ الزمخشري أبطله، فقال بعد أن حكاه: " واستدلوا بنفر ورجال في سورة " الجنِّ " ، وما أحقه لأن الجنَّ سموا حنًّا لاجتنانهم، والناس ناساً لظهورهم من الإيناس، وهو الإبصار، كما سموا بشراً، ولو كلن يقع الناس على القبيلين، وصح ذلك، وثبت لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن، وبعده عن التصنُّع، وأجود منه أن يراد بالنَّاس: الناسي، كقوله:**{ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** [القمر: 6]، ثم يبين بالجنة والناس؛ لأن الثقلين هما النوعان الموصفان بنسيان حق الله عز وجل ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
الخامس: أنه بيان لـ { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } على أنَّ الشيطان ضربان: جني، وإنسي، كما قال:**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112]، وعن أبي ذر، أنه قال لرجل: هلاَّ استعذت من شياطين الإنس.
السادس: أن يتعلق بـ " وسوس " ، و " مِنْ " لابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الإنس، ومن جهة الجن.
السابع: أن " الناس " عطف على " الوسواس " ، أي: من شر الوسواس والناس، ولا يجوز عطفه على " الجنَّة "؛ لأن النَّاس لا يوسوسون في صدور النَّاس، إنما يوسوس الجن، فلما استحال المعنى حمل على العطف على الوسواس، قاله مكي.
الثامن: أن " مِنْ الجنَّةِ "؛ حال من " النَّاس " أي: كائنين من القبيلين، قاله أبو البقاء، ولم يبين أي الناس المتقدم أنه صاحب الحال، وعلى كل تقدير فلا يصح معنى الحالية في شيء منها، لا الأول، ولا ما بعده، ثم قال: " وقيل: هو معطوف على الجنة " ، يريد: " والنَّاس " الأخير معطوف على الجنة، وهذا الكلام يستدعي تقدير شيء قبله وهو أن يكون الناس عطفاً على غير الجنة؛ وفي الجملة فهو كلام يتسامح فيه.
فصل في شياطين الإنس والجن
قال الحسن: هما شيطانان لنا: أما شيطان الجن، فيوسوسُ في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية.
وقال قتادةُ: إن من الجن شياطين، وإنَّ من الإنس شياطين فتعوذ بالله من شياطين الجن والإنس.
وعن أبي ذر: أنه قال لرجل: هل تعوَّذتَ بالله من شياطين الإنس؟.
قال: أو من الإنس شياطين؟ قال: نعم، لقوله تعالى:**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112].
وذهب قوم: أنَّ المراد بالناس هنا الجن، سموا بذلك ناساً كما سموا رجالاً في قوله تعالى:**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]، وكما سموا نفراً في قوله تعالى:**{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الأحقاف: 29].
فعلى هذا يكون " والنَّاس " عطفاً على " الجنَّةِ " ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين.
وقيل: معنى: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } ، أي: الوسوسة التي تكون من الجنة والناس، وهو حديث النفس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" إنَّ اللهَ - عزَّ وجلَّ - تجَاوَزَ لأمَّتِي مَا حدَّثتْ بِهِ أنفُسهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أو تَتَكلَّمْ بِهِ "** والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | لما جاءت سورة الفلق للاستعاذة من شر ما خلق من جميع المضار البدنية وغيرها العامة للإنسان وغيره، وذلك هو جملة الشر الموجود في جميع الأكوان والأزمان، ثم وقع فيها التخصيص بشرور بأعيانها من الفاسق والساحر والحاسد، فكانت الاستعاذة فيها عامة للمصائب الخارجة التي ترجع إلى ظلم الغير، والمعايب الداخلة التي ترجع إلى ظلم النفس ولكنها في المصائب أظهر، وختمت بالحسد فعلم أنه أضر المصائب، وكان أصل ما بين الجن والإنس من العداوة الحسد، جاءت سورة الناس متضمنة للاستعاذة من شر خاص، وهو الوسواس، وهو أخص من مطلق الحاسد، ويرجع إلى المعايب الداخلة اللاحقة للنفوس البشرية التي أصلها كلها الوسوسة، وهي سبب الذنوب والمعاصي كلها، وهي من الجن أمكن وأضر، والشر كله يرجع إلى المصائب والمعايب، فقد تضمنت السورة كالفلق استعاذة ومستعاذاً به ومستعاذاً منه وأمراً بإيجاد ذلك، فالأمر: { قل } والاسعتاذة { أعوذ } والمستعاذ به هو الله سبحانه وتعالى، لكن لما كانت صفة الربوبية من صفات كماله سبحان أليق بالحماية والإعانة والرعاية والخلق والتدبير والتربية والإصلاح، المتضمن للقدرة التامة والرحمة الواسعة، والإحسان الشامل والعلم الكامل، قال تعالى: { برب الناس \* } أي أعتصم به أي أسأله أن يكون عاصماً لي من العدو أن يوقعني في المهالك، قال الملوي: والرب من له ملك الرق وجلب الخيرات من السماء والأرض وإبقاؤها، ودفع الشرور ورفعها، والنقل من النقص إلى الكمال، والتدبير العام العائد بالحفظ والتتميم على المربوب، وخص الإضافة بالمزلزلين المضطربين في الأبدان والأديان من الإنس والجان لخصوص المستعاذ منه، وهو الأضرار التي تعرض للنفوس العاقلة وتخصها، بخلاف ما في الفلق فإنه المضار البدنية التي تعم الإنسان وغيره.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: وجه تأخرها عن شقيقتها عموم الأولى وخصوص الثانية، ألا ترى عموم قوله { من شر ما خلق } وإبهام { ما } وتنكير { غاسق } و { حاسد } والعهد فيها استعيذ من شره في سورة الناس وتعريفه ونعته، فبدأ بالعموم ثم أتبع بالخصوص ليكون أبلغ في تحصيل ما قصدت الاستعاذة منه، وأوفى بالمقصود، ونظير هذا في تقديم المعنى الأعم ثم إتباعه بالأخص بتناول الدقائق والجلائل قوله سبحانه وتعالى { بسم الله الرحمن الرحيم } في معنى الرحمن ومعنى الرحيم واحد لا في عموم الصفة الأولى وكونها للمبالغة، وقد تعرض لبيان ذلك المفسرون ولذلك نظائر - انتهى.
ولما كان الرب الملك متقاربين في المفهوم، وكان الرب أقرب في المفهوم إلى اللطف والتربية، وكان الملك للقهر والاستيلاء وإظهار العدل ألزم، وكان الرب قد لا يكون ملكاً فلا يكون كامل التصرف، اقتضت البلاغة تقديم الأول وإتباعه الثاني، فقال تعالى: { ملك الناس \* } إشارة إلى أن له كمال التصرف ونفوذ القدرة وتمام السلطان، وإليه المفزع وهو المستعان، والمستغاث والملجأ والمعاد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان الملك قد لا يكون إلهاً، وكانت الإلهية خاصة لا تقبل شركاً أصلاً بخلاف غيرها، أنهي الأمر إليها وجعلت غاية البيان فقال: { إله الناس \* } إشارة إلى أنه كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد، فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في إلهيته أحد، وهذه دائماً طريقة القرآن يحتج عليهم بإقرارهم بتوحيدهم له في الربوبية والملك على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة، فمن كان ربهم وملكهم فهم جديرون بأن لا يتألهوا سواه ولا يستعيذوا بغيره كما أن أحدهم إذا دهمه أمر استعاذ بوليه من أبناء جنسه واستغاث به، والإله من ظهر بلطيف صنائعه التي أفادها مفهوم الرب والملك في قلوب العباد فأحبوه واستأنسوا به ولجؤوا إليه في جميع أمورهم، وبطن احتجاباً بكبريائه عن أن يحاط به أو بصفة من صفاته أو شيء من أمره، فهابته العباد ودعاهم الحب إلى الوله شوقاً إلى لقائه، وزجرتهم الهيبة فجزعوا خوفاً من طرده لهم عن فنائه، وكرر الاسم الظاهر دون أن يضمر فيقول مثلاً: { ملكهم } { إلههم } تحقيقاً لهذا المعنى وتقوية له بإعادة اسمهم الدال على شدة الاضطراب المقتضي للحاجة عند كل اسم من أسمائه الدال على الكمال المقتضي للغنى المطلق، ودلالة على أنه حقيق بالإعادة قادر عليها لبيان أنه المتصرف فيهم من جميع الجهات وبياناً لشرف الإنسان ومزيد الاعتماد بمزيد البيان، ولئلا يظن أن شيئاً من هذه الأسماء يتقيد بما أضيف إليه الذي قبله من ذلك الوجه، لأن الضمير إذا أعيد كان المراد به عين ما عاد إليه، فأشير بالإظهار إلى أن كل صفة منها عامة غير مقيدة بشيء أصلاً، واندرج في هذه الاستعاذة جميع وجوه الاستعاذات من جميع وجوه التربية وجميع الوجوه المنسوبة إلى المستعيذ من جهة أنه في قهر الملك بالضم، وجميع الوجوه المنسوبة إلى الإلهية لئلا يقع خلل في وجه من تلك الوجوه تنزيلاً لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعاراً بعظم الآفة المستعاذ منها، ولم يعطف بالواو لما فيها من الإيذان بالمغايرة، والمقصود الاستعاذة بمجموع هذه الصفات الواقعة على ذات واحدة حتى كأنها صفة واحدة، وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب على حد سواء، فلا فعل لأحد إلا وهو خلقه سبحانه وتعالى وهو الباعث عليه، وأخر الإلهية لخصوصها لأن من لم يتقيد بأوامره ونواهيه فقد أخرج نفسه من أن يجعله إلهه وإن كان في الحقيقة لا إله سواه، ووسط صفة الملك لأن الملك هو المتصرف بالأمر والنهي، وملكه لهم تابع لخلقه إياهم فملكه من كمال ربوبيته، وكونه إلههم الحق من كمال ملكه، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته وتقتضيها، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى، فإن الرب هو القادر الخالق إلى غير ذلك مما يتوقف الإصلاح والرحمة والقدرة التي هي معنى الربوبية عليه من أوصاف الجمال، والملك هو الآمر الناهي المعز المذل - إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى العظمة والجلال، وأما الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل فيه جميع الأسماء الحسنى، فلتضمنها جميع معاني الأسماء كان المستعيذ جديراً بأن يعوذ، وقد وقع ترتيبها على الوجه الأكمل الدال على الوحدانية، لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة، علم أن له مربياً، فإذا تغلغل في العروج في درج معارفه سبحانه وتعالى علم أنه غني عن الكل، والكل إليه محتاج، وعن أمره تجري أمورهم، فيعلم أنه ملكهم، ثم يعلم بانفراد بتدبيرهم بعد إبداعهم أنه المستحق للإلهية بلا مشارك له فيها، فقد أجمع القراء في هذه السورة على إسقاط الألف من { ملك } بخلاف الفاتحة كما مضى لأن الملك إذا أضيف إلى { اليوم } أفهم اختصاصه بجميع ما فيه من جوهر وعرض، وأنه لا أمر لأحد معه ولا مشاركة في شيء من ذلك، وهو معنى الملك - بالضم، وأما إضافة المالك إلى الناس فإنها تستلزم أن يكون ملكهم، فلو قرىء به هنا لنقص المعنى، وأطبقوا في آل عمران على إثبات الألف في المضاف وحذفها من المضاف إليه لأن المقصود بالسياق أنه سبحانه وتعالى يعطي الملك من يشاء ويمنعه من يشاء، والملك - بكسر الميم - أليق بهذا المعنى، وأسرار كلام الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تحيط بها العقول، وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه، وأن باديه إلى الخافي يشير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما أكمل الاستعاذة من جميع وجوهها التي مدارها الإحسان أو العظمة أو القهر أو الإذعان والتذلل، ذكر المستعاذ منه فقال: { من شر الوسواس \* } هو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، والمراد بالموسوس، سمي بفعله مبالغة لأنه صفته التي هو غاية الضراوة عليها كما بولغ في العادل بتسميته بالعدل، والوسوسة الكلام الخفي: إلقاء المعاني إلى القلب في خفاء وتكرير، كما أن الكلمة الدالة عليها " وس " مكررة، وأصلها صوت الحلي، وحديث النفس، وهمس الكلاب، ضوعف لفظه مناسبة لمعناه لأن الموسوس يكرر ما ينفثه في القلب ويؤكده في خفاء ليقبل، ومصدره بالكسر كالزلزال كما قال تعالى:**{ وزلزلوا زلزالاً شديداً }** [الأحزاب: 11] وكل مضاعف من الزلزلة والرضرضة معناه متكرر، والموسوس من الجن يجري من ابن آدم مجرى الدم - كما في الصحيح، فهو يوسوس بالذنب سراً ليكون أجلى، ولا يزال يزينه ويثير الشهوة الداعية إليه حتى يواقعه الإنسان، فإذا واقعه وسوس لغيره أن فلاناً فعل كذا حتى يفضحه بذلك، فإذا افتضح ازداد جرأة على أمثال ذلك لأنه يقول: قد وقع ما كنت أحذره من القالة، فلا يكون شيء غير الذي كان، وشره التحبيب إلى الإنسان بما يميل إليه طبعه حتى يشاكله في رذيلة الطبع وظلمة النفس، فينشأ من ذلك شرور لازمة ومتعدية أضرها الكبر والإعجاب اللذان أهلكا الشيطان، فيوقع الإنسان بها فيما أوقع نفسه فيه، وينشأ من الكبر الحقد والحسد يترشح منه بطر الحق - وهو عدم قبوله، ومنه الكفر والفسوق والعصيان، وغمص الناس - وهو احتقارهم المعلوم من قول الشيطان
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ أنا خير منه }** [الأعراف: 12] ومنه تنشأ الاستهانة بأولياء الله تعالى بترك احترامهم ومنع حقوقهم والاعتداء عليهم والظلم لهم، ويترشح من الحقد الذي هو العداوة العظيمة إمساك الخير والإحسان وبسط اللسان واليد بكل سوء وإيذاء، ويترشح من الحسد إفساد ذات البين كما يشير إليه**{ ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة }** [الأعراف: 20] الآية والكذب والمخادعة كما عرف به**{ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور }** [الأعراف: 21] ويترشح عن الإعجاب التسخط للقضاء والقدر كما آذن به**{ قال أأسجد لمن خلقت طيناً }** [الإسراء: 61] ومقابلة الأمر بالعلم بما أشعر به**{ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال }** [الحجر: 33]، واستعمال القياس في مقابلة النص بما هدى إليه**{ أنا خير منه }** [الأعراف: 12] الآية، واستعمال التحسين والتقبيح بما أفهمه { لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون } والإذلال وهو الجرأة على المخالفات فينشأ عن ذلك شرور متعدية، وهي السعي في إفساد العقائد والأخلاق والأعمال والأبدان والأرزاق، ثم لا يزال يتحبب إلى الإنسان بما يميل إليه طبعه من هذه الخبائث وهو يوافقه فيها حتى يصير له أخلاقاً راسخة، فيصير رديء الطبع فلا ينفع فيه العلاج، بل لا يزيده إلا خبثاً كإبليس، ومن كان أصله طيباً واكتسب ما يخالفه بسبب عارض كان ممكن الإزالة كالعلاج كما وقع لآدم عليه الصلاة والسلام.
ولما كان الملك الأعظم سبحانه لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، وكان قد جعل دواء الوسوسة ذكره سبحانه وتعالى، فإنه يطرد الشيطان وينير القلب ويصفيه، وصف سبحانه وتعالى فعل الموسوس عند استعمال الدواء إعلاماً بأنه شديد العداوة للإنسان ليشتد حذره منه وبعده عنه فقال: { الخناس \* } أي الذي عادته أن يخنس أي يتوارى ويتأخر ويختفي بعد ظهوره مرة بعد مرة، كلما كان الذكر خنس، وكلما بطل عاد إلى وسواسه، فالذكر له كالمقامع التي تقمع المفسد، فهو شديد النفور منه، ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلاً كما ورد عن بعض السلف أن المؤمن ينفي شيطانه كما ينفي الرجل بعيره في السقر، قال البغوي: له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، ويقال: رأسه كرأس الحية واضع رأسه على يمين القلب يحدثه، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكر الله رجع ووضع رأسه - خزاه الله تعالى.
ولما ذكر صفة المستعاذ منه، ذكر إبرازه لصفته بالفعل فقال: { الذي يوسوس } أي يلقي المعاني الضارة على وجه الخفاء والتكرير بحيث تصل مفاهيمها من غير سماع، وأشار إلى كثرة وسوسته بذكر الصدر الذي هو ساحة القلب ومسكنه فقال: { في صدور الناس \* } أي المضطربين إذا غفلوا عن ذكر ربهم، فإنها دهاليز القلوب منها تدخل الواردات إليها، وذلك كالقوة الوهمية فإن العقل يساعد في المقدمات الحقة المنتجة للأمر المقطوع به، فإذا وصل الأمر إلى ذلك خنست الواهمة ريثما يفتر العقل عن النتيجة فترة ما، فتأخذ الواهمة في الوسوسة وتقبل منها الطبيعة بما لها بها من مجانسة الظلمة الوهمية، والناس - قال في القاموس: يكون من الإنس ومن الجن، جمع إنس أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل - انتهى، ولعل إطلاقه على هذين المتقابلين بالنظر إلى النوس الذي أصله الاضطراب والتذبذب فيكون منحوتاً من الأصلين: الانس والنوس، ومن ثالث وهو النسيان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان الذي يعلّم الإنسان الشر تارة من الجن وأخرى من الإنس، قال مبيناً للوسواس تحذيراً من شياطين الإنس كالتحذير من شياطين الجن، مقدماً الأهم الأضر، ويجوز أن يكون بياناً لـ " الناس " ولا تعسف فيه لما علم من نقل القاموس: { من الجنة } أي الجن الذين في غاية الشر والتمرد والخفاء { والناس \* } أي أهل الاضطراب والذبذبة سواء كانوا من الإنس أو الجن، فيكون المعنى أن الجن مسلط بعضهم على بعض كما هم مسلطون على الإنس أو الجن، فيكون المعنى أن الجن مسلط بعضهم على بعض كما هم مسلطون على الإنس، فيدخل شيطان الجن في الجني كما يدخل في الإنسي ويوسوس له - قاله البغوي عن الكلبي، وقال: ذكر عن بعض العرب أنه قال: جاء قوم من الجن فوقفوا فقيل: من أنتم؟ قالوا: أناس من الجن، قال: وهذا معنى قول الفراء.
وقد ختمت السورة بما بدئت به، والمعنى الثاني أوفق برد آخرها على أولها فإنه يكون شرحاً للناس الذين أضيفت لهم الصفات العلى، والخواطر الواردة على الإنسان قد تكون وسوسة، وقد تكون إلهاماً، والإلهام تارة يكون من الله بلا واسطة، وتارة يكون بواسطة الملك، ويكون كل منهما في القلب، والوسوسة تارة من الشيطان، وأخرى من النفس، وكلاهما يكون في الصدر، فإن كان الإنسان مراقباً دفع عن نفسه الضار، وإلا هجمت الواردات عليه وتمكنت منه ويتميز خير الخواطر من شرها بقانون الشرع على أن الأمر مشكل، فإن الشيطان يجتهد في التلبيس، فإن وافق الشرع فلينظر، فإن كان فعله ذلك الحين أولى من غير تفويت لفضيلة أخرى هي أولى منه بادر إليه وإن كان الخاطر دنيوياً وأدى الفكر إلى أنه نافع من غير مخالفة للشرع زاد على شدة تأمله الاستشارة لمن يثق بدينه وعقله، ثم الاستخارة لاحتمال أن تتوافق عليه العقول، ويكون فيه خلل لتقصير وقع في النظر، وقد جعل بعضهم قانون الخاطر الرحماني أن ينشرح له الصدر ويطمئن إليه النفس، والشيطاني والنفسي أن ينقبض عنده الصدر وتقلق النفس بشهادة الحديث النبوي في البر والإثم، ويعرف الشيطاني بالحمل على مطلق المخالفة، فإن الشيطان لا غرض له في مخالفة بعينها، فإن حصل الذكر زال ذلك، والنفساني ملزوم شيء بعينه سواء كان نفعاً أو ضراً، ولا ينصرف عنه بالذكر، وقد يكون الشيطان إنسياً من أزواج وأولاد ومعارف، وربما كان أضر من شيطان الجن، فدواؤه المقاطعة والمجانبة بحسب القدرة، ومن أراد قانوناً عظيماً لمن يصاحب ومن يجانب فعليه بآية الكهف
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً }** [الكهف: 28] وكما رجع مقطعها على مطلعها كذلك كان من المناسبات العظيمة مناسبة معناها للفاتحة ليرجع مقطع القرآن على مطلعه، ويلتحم مبدؤه بمرجعه على أحسن وجه، كما تقدم بيان ذلك من سورة قريش إلى هنا سورة سورة، فنظر هذه السورة إلى الفاتحة والتحامها بها من جهة أن الفاتحة اشتملت على ثلاثة أسماء: الله والرب والملك، وزادت بكونها أم القرآن بالرحمن الرحيم، لاشتمالهما على جميع النعم الظاهرة والباطنة التي تضمنتها صفة الربوبية، وسورة الناس على الرب والملك والإله الذي هو الأصل في اسم الجلالة، واختصت الفاتحة بالاسم الذي لم يقع فيه شركة أصلاً، فلما تقرر في جميع القرآن أنه الإله الحق، وأنه لا شركة لغيره في الإلهية يحق بوجه من الوجوه كما أنه لا شركة في الاسم الأعظم الذي افتتح به القرآن أصلاً بحق ولا بباطل، ختم القرآن الكريم به معبراً عنه بالإله لوضوح الأمر وانتفاء اللبس بالكلية، وصار الاختتام مما كان به الافتتاح على الوجه الأجلى والترتيب الأولي، وبقي الاسمان الآخران على نظمهما، فيصير النظم إذا ألصقت آخر الناس بأول الفاتحة " إله ملك رب الله رب - رحمن رحيم ملك " إعلاماً بأن مسمى الأسم الأعظم هو الإله الحق، وهو الملك الأعظم لأنه له الإبداع وحسن التربية والرحمة والعامة والخاصة، وحاصل سورة الناس الاستعاذة بهذا الرب الموصوف من وسوسة الصدر المثمرة للمراقبة كما أن حاصل سورة الفاتحة فراغ السر من الشواغل المقتضي لقصر الهمم عليه سبحانه وتعالى والبقاء في حضرته الشماء بقصر البقاء عليه والحكم بالفناء على ما سواه، وذلك هو أعلى درجات المراقبة، فإذا أراد الحق إعانة عبد حمله على الاستعانة بالاستعاذة فيسر عليه صدق التوكل، فحينئذ يصير عابداً صادقاً في العبودية فيكون إلهه سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وينبغي أنه كلما زاده سبحانه وتعالى تقريباً ازداد له عبادة حتى ينفك من مكر الشيطان بالموت كما قال تعالى لأقرب خلقه إليه محمد صلى الله عليه وسلم
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }** [الحجر: 99] ومن نقص من الأعمال شيئاً اعتماداً على أنه وصل فقد تزندق، وكان مثله مثل شخص في بيت مظلم أسرج فيه سراجاً فأضاء، فقال: ما أوقدت السراج إلا ليضيء البيت فقد أضاء، فلا حاجة لي الآن إلى السراج، فأطفأه فعاد الظلام كما كان، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى افتتاح القرآن بعد ختمه كما أشار إليه اتصال المعنى بما بينته، وسمي ذلك الحال المرتحل، وكأن القارىء ذكر بالأمر بالاستعاذة إرادة افتتاح قراءته، فكأنه قيل: استعذ يا من ختم القرآن العظيم لتفتتحه، وكأنه لما استعاذ بما أمر به في هذه السورة قيل له: ثم ماذا تفعل؟ فقال: أفتتح، أو أنه لما أمر بالاستعاذة قال: ماذا أفعل؟ فقيل: افتتح بسم الله الرحمن الرحيم الذي تجب مراقبته عند خواتم الأمور وفواتحها، لأنه لا يكون أمر إلا به، أو أن البسملة مقول القول في { قل } على سبيل من { أعوذ } أو بدل من { برب الناس } وكأنه أمر بالتعوذ، والتسمية أمر بالدفع والجلب، وذلك لأنه لما أمر بهذا التعوذ - وكان قد قال سبحانه**{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }** [النحل: 98] علم أن المراد ابتداؤه بالقرآن فنسبتها إلى الفاتحة نسبة المعلول إلى علته، فكأنه قيل: استعذ بهذا الرب الأعظم الذي لا ملك ولا إله غيره لأن له الحمد، وهو الإحاطة بكل شيء، فهو القادر على كل شيء، فهو القاهر لكل شيء في المعاد وهو الملجأ والمفزع لا إله إلا هو، فإن الاسم هو الوصف والمراد به الجنس، فمعنى بسم الله أي بوصفه أو بأوصافه الحسنى، والحمد هو الثناء بالوصف الجميل، فكأنه قيل: أعوذ برب الناس بأوصافه الحسنى لأن له الحمد وهو جميع الأوصاف الحسنى فإن البدء فيه يحتاج إلى قدرة، فله القدرة التامة، أو إلى علم فالعلم صفته، أو كرم فكذلك، والحاصل أنه كأنه قيل: تعوذ به من الشيطان بما له من الاسم الذي لم يسامه فيه أحد لكونه جامعاً لجميع الأسماء الحسنى أي الصفات التي لا يشوبها نقص خصوصاً صفة الرحمة العامة التي شملتني أكنافها، وأقامني إسعافها، ثم الرحمة الخاصة التي أنا أجدر الناس باستمطارها لما عندي من النقص المانع لي منها والمبعد لمن اتبع الحظوظ عنها، فأسأله أن يجعلني من أهلها، ويحملني في الدارين بوصلها، لأكون من أهل رضاه، فلا أعبد إلا إياه، ولك أن تقرر الاتصال والالتحام بوجه آخر ظاهر الكمال بديع النظام فتقول: لما قرب التقاء نهاية الدائرة السورية آخرها بأولها ومفصلها بموصلها اشتد تشاكل الرأسين، فكانت هذه السور الثلاثة الأخيرة مشاكلة للثلاث الأول في المقاصد، وكثرة الفضائل والفوائد: الإخلاص بسورة التوحيد آل عمران، وهو واحد، والفلق للبقرة طباقاً ووفاقاً، فإن الكتاب الذي هو مقصود سورة البقرة خير الأمر، فهي للعون بخير الأمر، والفلق للعوذ من شر الخلق المحصي لكل خير، وفي البقرة
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين }** [البقرة: 67]**{ يعلمون الناس السحر }** [البقرة: 102] - الآيات،**{ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم }** [البقرة: 109] الآية، والناس للفاتحة، فإنه إذا فرغ الصدر الذي هو مسكن القلب الذي هو مركب الروح الذي هو معدن العقل كانت المراقبة، فكان ذلك بمنزلة تقديس النفس بالتوحيد والإخلاص، ثم الاستعاذة من كل شر ظاهر ومن كل سوء باطن للتأهل لتلاوة سورة المراقبة بما دعا إليه الحال المرتحل وما بعدها من الكتاب، على غاية من السداد والصواب، وكأنه اكتفى أولاً بالاستعاذة المعروفة كما يكتفي في أوائل الأمور بأيسر مأمور، فلما ختم الختمة جوزي بتعوذ من القرآن، ترقية إلى مقام الإحسان، فاتصل الآخر بالأول أيّ اتصال بلا ارتياب، واتحد به كل اتحاد - إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، هذا ما يسره الله من مدلولات نظومها وجملها، بالنسبة إلى مفهوماتها وعللها، وبقي النظر إلى ما يشير إليه أعداد كلماتها، بلطائف رموزها وإشاراتها، فهي عشرون كلمة توازيها إذا حسبت من أول النبوة سنة عمرة القضاء وهي السابعة من الهجرة، بها تبين الأمن مما وسوس به الشيطان سنة عمرة الحديبية من أجل رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لدخول البيت والطواف به، فإذا ضممت إليها الضمائر الثلاث كانت ثلاثاً وعشرين فوازت السنة العاشرة من الهجرة وهي سنة حجة الوداع وهي القاطعة لتأثير وسواس الشيطان الذي كان في أول السنة الحادية عشرة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب بأمر الردة، فأعاذ الله من شره بهمة الصديق رضي الله تعالى عنه حتى رد الناس إلى الدين وأنزل به وسواس الشياطين المفسدين، فانتظمت كلمة المسلمين تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع **" إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب بعد اليوم "** فإذا ضممت إليها كلمات البسملة صارت سبعاً وعشرين توازي سنة استحكام أمر عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه الذي ما سلك فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غيره، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة، هذا بالنظر إلى كلماتها، فإن نظرت إليها من جهة الحروف كانت لها أسرار كبرى من جهة أخرى، منها أن كلماتها مع كلمات الفاتحة انتظمت من ستة وعشرين حرفاً وهي ما عدا الثاء المثلثة والزاء الظاء المعجة من حروف المعجم التسعة والعشرين كل واحدة منهما من اثنين وعشرين حرفاً اشتركتا في ثمانية عشر منها، واختصت كل واحدة منهما بأربعة: الفاتحة بالحاء والطاء المهملتين، والضاد والغين المعجمتين، والناس بالجيم والخاء والشين المعجمتين والفاء، وقال ابن ميلق: سقط من الفاتحة سبعة أحرف " ثج خز شظف " ، انتهى، فلعل في ذلك - والله أعلم - إشارة إلى أن - تكامل نزول القرآن من أوله إلى آخره في عدد الحروف التي اشتمل عليها كل من سورتي أوله وآخره من السنين وذلك اثنان وعشرون، والثالثة والعشرون سنة القدوم على منزله الحي القيوم سبحانه وتعالى ما أعظم شأنه، وأعز سلطانه، وأقوم برهانه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال مؤلفه رحمه الله تعالى: وهذا تمام ما أردته من نظم الدرر من تناسب الآي والسور، ترجمان القرآن مبدي مناسبات الفرقان، التفسير الذي لم تسمع الأعصار بمثله، ولا فاض عليها من التفاسير على كثرة أعدادها كصيب وبله، فرغته في المسودة يوم الثلاثاء سابع شعبان سنة خمس وسبعين وثمانمائة، بمسجدي من رحبة باب العيد بالقاهرة المغرية، وكان ابتدائي فيه في شعبان سنة إحدى وستين، فتلك أربع عشرة سنة كاملة، وفرغته في هذه المبيضة عصر يوم الأحد عاشر شعبان سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة، بمنزلي الملاصق للمدرسة البادرائية من دمشق، فتلك اثنتان وعشرون سنة بعدد سني النبوة الزاهرة الأنيسة العلية الطاهرة المباركة الزكية، ولولا معونة الله أضحى معدوماً، أو ناقصاً مخروماً، فإني بعد ما توغلت فيه واستقامت لي مبانيه، فوصلت إلى قريب من نصفه، فبالغ الفضلاء في وصفه بحسن سبكه وغزارة معانيه وإحكام رصفه، دب داء الحسد في جماعة أولي النكد، والمكر واللدد، يريدون الرئاسة بالباطل، وكل منهم من جوهر العلم عاطل، مدّ ليل الجهل فيهم ظلامه، وأثار نقع السفه على رؤوسهم سواده وقتامه، صوبوا سهام الشرور، والأباطيل وأنواع الزور، فأكثروا التشييع بالتشنيع، والتقبيح والتبشيع، والتخطئة والتضليل، بالنقل من التوراة والإنجيل، فصنفت في ذلك الأقوال القويمة، في حكم النقل من الكتب القديمة، بينت فيه أن ذلك سنة مستقيمة، لتأييد الملة الحنيفية العظيمة، وأخرجت بذلك نص الشافعي، وكلام النووي والرافعي، واستكتبت على الكتاب: العلماء الأنجاب، فكتبوا ما أودعته " مصاعد النظر للاشراف على مقاصد السور " فأطفأ الله نارهم، وأظهر عوارهم، وشهر خزيهم وعارهم، ثم قاموا في بدعة دائم المعروف، فصنفت فيها القول المعروف، وبينت مخالفتهم للكتاب والسنة، ووقوعهم في عين الفتنة، وخرقهم لأعظم الجنة، وصريح نص الشافعي ونقول العلماء، فكانوا كمن ألقم الحجر أو ملىء فمه بالماء، ثم قاموا في فتنة ابن الفارض، وكلهم معاند معارض، وألبوا عليّ رعاع الناس، فاشتد شعاع البأس، فكادوا أن يطبقوا على الانعكاس، وصوبّوا طريق الإلحاد، وبالغوا في الرفع من أهل الاتحاد، ولجوا بالخصام في العناد، وأفتوا بمحض الباطل، وبثوا السم القاتل، إلا ناساً قليلاً كان الله بنصرهم على ضعفهم كفيلاً، فسألتهم سؤالاً، جعلهم ضلالاً جهالاً، فتداولوه فيما بينهم وتناقلوه وعجزوا عن جوابه بعد أن راموه أشد الروم، وحاولوه فظهر لأكثر الناس حالهم، واشتهر بينهم ضلالهم، وغيهم الواضح ومحالهم، وصنفت في ذلك عدة مصنفات، بانت فيها مخازيهم وظهرت المخبآت، منها " صواب الجواب للسائل المرتاب " ومنها " القارض لتكفير ابن الفارض " ومنها " تدمير المعارض في تكفير ابن الفارض " ومنها " تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي " ومنها " تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد " أنفقت فيها عمراً مديداً، وبددوا فيها أوقاتي - بددهم الله تبديداً، وهدد أركانهم وأعضادهم تهديداً، وقرعتهم بالعجز عن الجواب، الكاشف للارتياب، صباحاً ومساءً، وإعادة وإبداء، فحملهم التقريع، والتوبيخ والتبخيع، على كتابة جواب، لم يخل من ارتجاج واضطراب، وشك وارتياب، بينت أن جامعه أخطأ في جميعه الصواب، وكفر في أربعة مواضع كفراً صريحاً، وكذب في ثمانية فصار بذلك جريحاً، بل هالكاً طريحاً، فأطلت بذلك التقريع، والتوبيخ والتبشيع، فذلت أعناقهم، وضعف شقاقهم، وخفي نفاقهم، غير أنه حصل في كل واحدة من هذه الوقائع، من الشرور وعجائب المقدور، ما غطى ظلامه الشموس الطوالع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وطال الأمر في ذلك سنين، وعم الكرب حتى كثر الأنين، والتضرع في الدعاء والحنين، وثبّت الله ورزق الصبر والأناة حتى أكمل هذا الكتاب، على ما تراه من الحسن والصواب.
وقد قلت مادحاً للكتاب المذكور، بما أبان عنه من عجائب المقدور، وغرائب الأمور، شارحاً لحالي، وحالهم وظفر آمالي، وخيبة آمالهم من مجزوء الرجز، وضربه مقطوع، والقافية متواتر مطلق مجرد، مسمياً له بـ " كتاب لمّا " لأن جل مقصوده بيان ارتباط الجمل بعضها ببعض حتى أن كل جملة تكون آخذة بحجزة ما أمامها متصلة بها، وذلك هو المظهر المقصود من الكلام وسره ولبابه، الذي هو للكلام بمنزلة الروح وبيان معاني المفردات، وكل جملة على حيالها بمنزلة الجسد، فالوح هو المقصود الأعظم يدرك ذلك من يذوق ويفهم، ويسري ذهنه في ميادين التراكيب ويعلم، و " لما " طرف يراد بها ثبوت الثاني مما دخل عليه بثبوت الأول على غاية المكنة بمعنى أنها كالشروط تطلب جملتين يلزم لذلك الملزوم، فتم الكتاب في هذا النظم بـ " لما " لأني أكثرت من استعمالها فيه لهذا الغرض:
| **هذا كتاب لما** | | **لم المعاني لما** |
| --- | --- | --- |
| **غدت بحور علمه** | | **تمد مداً جما** |
| **بشرت من يحسده** | | **بأن يموت غما** |
| **فإن قصدي صالح** | | **جاهدت فيه الهما** |
| **فربنا يقبله** | | **كيفية وكما** |
| **فبالذي أردته** | | **لقد أحاط علما** |
| **كابدت فيه زمناً** | | **من حاسدي ما غما** |
| **عدوا سنين عددا** | | **يسقون قلبي السما** |
| **وكم دهوني مرة** | | **وكم رموني سهما** |
| **وأوسقوا قلبي أذى** | | **وأوسعوني ذما** |
| **وكم بغوني عثرة** | | **فما رأوا لي جرما** |
| **وفتروا من قاصدي** | | **همهمة وعزما** |
| **وأوعدوهم بالأذى** | | **وأوهنوهم رجما** |
| **ألقى إذا اشتد لظى** | | **أذى إذا هم رجما** |
| **ألقى إذا الليل دجا** | | **وبالبلا ادلهما** |
| **أذاهم وظلمهم** | | **بدعوة في الظلما** |
| **أستصرخ الله بهم** | | **أقول يا اللهما** |
| **يا رب إني جاهد** | | **فافرج إلهي الغما** |
| **لا ذنب لي عندهم** | | **إلا الكتاب لما** |
| **جرت ينابيع الهدى** | | **منه فصارت يما** |
| **صنعته وفي بحو** | | **رعلمه ما طما** |
| **وقد علا تركيبه** | | **وعاد يحلو نظما** |
| **عملته نصيحة** | | **لمن يحب العلما** |
| **أودعته فرائداً** | | **يرقص منه الفهما** |
| **تجلو العمى من لطفها** | | **وتسمع الأصما** |
| **خص نفيس علمها** | | **وللأناسي عما** |
| **تنطق من تغنى بها** | | **وإن يكونوا بكما** |
| **أفعالها جليلة** | | **أعيذها بالأسما** |
| **سهل ربي أمره** | | **عليّ حتى تما** |
| **في أربع وعشرة** | | **من السنين صما** |
| **قال لسان عدها** | | **دونك بدراً تما** |
| **وليس يلغي ناقصاً** | | **يا صاحبي يوما** |
| **أعيذه بالمصطفى** | | **من شر وغد ذما** |
| **ومن حسود قد غدا** | | **من أجله مهتما** |
| **فليس يبغي ذمه** | | **إلا بغيضاً أعما** |
| **كفاه ربي شرهم** | | **وزان منه الأسما** |
| **وردّ في تدبيرهم** | | **تدميرهم والغرما** |
| **وردّهم بغيظهم** | | **لما ينالوا غلما** |
| **وزاده سعادة** | | **ولازمته النعما** |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال ذلك منشبه أحوج الخلائق إلى عفو الخالق أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي الشافعي رحمه الله تعالى قائلاً: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان الفراغ من هذا الجزء على يد أقل عبيد الله وأحوجهم إلى لطف الله وعفوه عبد الكريم بن علي بن محمد المحولي الشافعي نزيل بلد الله الحرام - غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين -... بمكة المشرفة في يوم السبت المبارك السادس والعشرين من شهر صفر الخير سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وقد تجاوز سني الآن خمسة وسبعين عاماً - أسأل الله حسن الخاتمة والثبات على دين الإسلام والوفاة بأحد حرميه بمنه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقال بعض تلامذة المصنف وهو العرس خليل بن موسى المقرىء مادحاً للكتاب المذكور المسمى بـ " لما ":
| **برهان دين الله أضحى موضحاً** | | **أسرار قول الله في القرآن** |
| --- | --- | --- |
| **وأتى بما ترك الورى من بعده** | | **تمشي الورا أبداً مدى الأزمان** |
| **فمن ادعى نسجاً على منواله** | | **فقد ادعى ما ليس في الإمكان** |
| **وإذا المفسر رام يوماً أنه** | | **بمثاله يأتي بلا إذعان** |
| **قلنا له فسر وقايس بعد ذا** | | **ولنا الدليل عليك بالبرهان** |
وكان الفراغ من نسخ هذا النصف الأخير من الكتاب المسمى بـ " لما " مناسبات القرآن العظيم على من أنزل عليه أفضل الصلاة والسلام في الليلة الثالثة عشرة من شهر جمادى الأولى من شهور سنة سبع وتسعين وألف على يد أحقر العباد، وأحوجهم إلى مغفرة ربه الجواد، محمد بن أحمد البدرشيني بلداً، الشافعي مذهباً، مصلياً ومسلماً على أفضل وأكمل وأجمل خلق الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته الطيبين الطاهرين صلاة وسلاماً دائمين متلازمين بدوام ملك الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل آمين آمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **إن تلق عيباً فلا تعجل بسبك لي** | | **إني امرؤ لست معصوماً من الزلل** |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: أنزل بالمدينة { قل أعوذ برب الناس }.
وأخرج ابن مردويه عن الحكم بن عمير الثمالي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" الحذر أيها الناس، وإياكم والوسواس الخناس، فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملاً ".** وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال: أول ما يبدأ الوسواس من الوضوء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مغفل قال: البول في المغتسل يأخذ منه الوسواس.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مرة رضي الله عنه قال: ما وسوسة بأولع ممن يراها تعمل فيه.
وأخرج أبو بكر بن أبي داود في كتاب ذم الوسوسة عن معاوية بن أبي طلحة قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم **": " اللهماعمر قلبي من وسواس ذكرك واطرد عني وسواس الشيطان " ".** وأخرج ابن أبي داود في كتاب ذم الوسوسة عن معاوية في قوله: { الوسواس الخناس } قال: مثل الشيطان كمثل ابن عرس واضع فمه على فم القلب فيوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس، وإن سكت عاد إليه فهو { الوسواس الخناس }.
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى وابن شاهين في الترغيب في الذكر والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه فذلك { الوسواس الخناس } ".** وأخرج ابن شاهين عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: **" إن للوسواس خطماً كخطم الطائر فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أذن القلب يوسوس، فإن ابن آدم ذكر الله نكص وخنس فلذلك سمي { الوسواس الخناس } ".** وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { الوسواس الخناس } قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: ما من مولود يولد إلا على قلبه الوسواس فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس، فلذلك قوله: { الوسواس الخناس }.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: الخناس الذي يوسوس مرة ويخنس مرة من الجن والإِنس، وكان يقال شيطان الإِنس أشد على الناس من شيطان الجن، شيطان الجن يوسوس ولا تراه وهذا يعاينك معاينة.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي كثير قال: إن الوسواس له باب في صدر ابن آدم يوسوس منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابن المنذر عن عروة بن رويم أن عيسى ابن مريم عليهما السلام دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم فجلى له فإذا رأسه مثل رأس الحية واضعاً رأسه على ثمرة القلب، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكره وضع رأسه على ثمرة قلبه فحدثه.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: الوسواس محله على فؤاد الإِنسان وفي عينه وفي ذكره ومحله من المرأة في عينها وفي فرجها إذا أقبلت، وفي دبرها إذا أدبرت هذه مجالسه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: { من الجنة والناس } قال: هما وسواسان فوسواس من الجنة وهو الجن، ووسواس نفس الإِنسان فهو قوله { والناس }.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله: { من الجنة والناس } قال: إن من الناس شياطين فنعوذ بالله من شياطين الإِنس والجن.
ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد
قال ابن الضريس في فضائله: أخبرنا موسى بن اسمعيل، أنبأنا حماد قال: قرأنا في مصحف أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك قال حماد: هذه الآن سورة، وأحسبه قال: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج ابن الضريس عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه قال: صليت خلف عمر بن الخطاب فلما فرغ من السورة الثانية قال: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. وفي مصحف ابن عباس قراءة أبيّ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. وفي مصحف حجر: اللهم إنا نستعينك، وفي مصحف ابن عباس قراءة أبيّ وأبي موسى: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج أبو الحسن القطان في المطوّلات عن أبان بن أبي عياش قال: سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجدّ إن عذابك بالكفار ملحق. قال أنس: والله إن أنزلتا إلا من السماء.
وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس إن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين: اللهم إياك نعبد، واللهم إنا نستعينك.
وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبزى قال: قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر قنت بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد.
وأخرج البيهقي عن خالد بن أبي عمران قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت، فقال يا محمد: إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً، وإنما بعثك رحمة للعالمين، ولم يبعثك عذاباً، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون، ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، إليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. وزعم عبيد أنه بلغه أنهما سورتان من القرآن في مصحف ابن مسعود.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن علياً قنت في الفجر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال: في قراءة أبيّ بن كعب: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج محمد بن نصر عن ابن إسحق قال: قرأت في مصحف أبيّ بن كعب بالكتاب الأول العتيق: بسم الله الرحمن الرحيم { قل هو الله أحد } إلى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم { قل أعوذ برب الفلق } إلى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم { قل أعوذ برب الناس } إلى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم لا تنزع ما تعطي ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وغفرانك وحنانيك إله الحق.
وأخرج محمد بن نصر عن يزيد بن حبيب قال: بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن رزين الغافقي فقال له: والله إني لأراك جافياً، ما أراك تقرأ القرآن؟ قال: بلى، والله إني لأقرأ القرآن، وأقرأ منه ما لا تقرأ به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقال له عبد العزيز: وما الذي لا أقرأ به من القرآن؟ قال: القنوت. حدثني علي بن أبي طالب أنه من القرآن.
وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال: كان أبو عبد الرحمن يقرئنا: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكفار ملحق. وزعم أبو عبد الرحمن أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم إياها.
وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال: قرأت، أو حدثني من قرأ في بعض مصاحف أبيّ بن كعب هاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك. والأخرى بينهما بسم الله الرحمن الرحيم قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من المفصل.
وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال: كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد.
وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال: يقرأ في الوتر السورتين اللهم إياك نعبد، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك.
وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال: سألت عطاء بن أبي رباح أي شيء أقول في القنوت قال: هاتين السورتين اللتين في قراءة أبيّ: اللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد.
وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال: نبدأ في القنوت بالسورتين، ثم ندعو على الكفار، ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات.
وأخرج البخاري في تاريخه عن الحارث بن معاقب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في صلاة من الصلوات: **" بسم الله الرحمن الرحيم غفار غفر الله لها، واسلم سالمها الله، وشيء من جهينة وشيء من مزينة وعصية عصت الله ورسوله، ورعل وذكوان ما أنا قلته الله قاله "** قال الحارث فاختصم ناس من أسلم وغفار فقال الأسلميون بدأ باسلم، وقال غفار بدأ بغفار قال الحارث: فسألت أبا هريرة فقال بدأ بغفار.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن خفاف بن ايماء بن رحضة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فلما رفع رأسه من الركعة الآخرة قال: **" لعن الله لحياناً ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله أسلم سالمها الله، غفار غفر الله لها، ثم خر ساجداً. فلما قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه فقال: أيها الناس إني لست قلت هذا، ولكن الله قاله ".** ذكر دعاء ختم القرآن
أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ختم القرآن دعا قائماً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير مكانه ".** وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أبي جعفر قال: كان علي بن حسين يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ختم القرآن حمد الله بمحامده وهو قائم، ثم يقول: **" الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، لا إله إلا الله، وكذب العادلون بالله، وضلوا ضلالاً بعيداً، لا إله إلا الله، وكذب المشركون بالله من العرب والمجوس واليهود والنصارى والصابئين ومن دعا لله ولداً أو صاحبة أو نداً أو شبيهاً أو مثلاً أو سمياً أو عدلاً، فأنت ربنا أعظم من أن تتخذ شريكاً فيما خلقت، والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً الله الله الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب إلى قوله إلا كذباً. الحمد الله الذي له ما في السموات وما في الأرض الآيتين: الحمد لله فاطر السموات والأرض الآيتين، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، آلله خير أما يشركون بل الله خير وأبقى وأحكم وأكرم وأعظم مما يشركون، فالحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون، صدق الله وبلغت رسله، وأنا على ذلك من الشاهدين، اللهم صلّ على جميع الملائكة والمرسلين وارحم عبادك المؤمنين من أهل السموات والأرضين، واختم لنا بخير، وافتح لنا بخير، وبارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بالآيات والذكر الحكيم. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ".** وأخرج ابن الضريس عن عبد الله بن مسعود قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة.
وأخرج ابن مردويه عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: جميع سور القرآن مائة وثلاث عشرة سورة المكية خمس وثمانون سورة، والمدنية ثمانية وعشرون سورة، وجميع آي القرآن ستة آلاف آية وست عشرة آية، وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وأحد وسبعون حرفاً.
وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابراً محتسباً فله بكل حرف زوجة من الحور العين "** قال بعض العلماء هذا العدد باعتبار ما كان قرآناً ونسخ رسمه، وإلا فالموجود الآن لا يبلغ هذه العدة. قال الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في أول كتابه أسباب النزول وسماه العجاب في بيان الأسباب: الذين اعتنوا بجمع التفسير المسند من طبقة الأئمة الستة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ويليه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي، ومن طبقة شيوخهم عبد بن حميد بن نصر الكشي، فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين، وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها كاستيعاب القراءات والإِعراب والكلام في أكثر الآيات على المعاني والتصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض، وكل من صنف بعده لم يجتمع له ما اجتمع فيه لأنه في هذه الأمور في مرتبة متقاربة وغيره يغلب عليه فن من الفنون فيمتاز فيه ويقصر فى غيره، والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما وفيهم ثقات وضعفاء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فمن الثقات مجاهد وابن جبير، ويروى التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية، ومنهم عكرمة ويروي التفسير عنه من طريق الحسن بن واقد عن يزيد النحوي عنه، ومن طريق محمد بن إسحق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، هكذا بالشك، ولا يضر لكونه عن ثقة، ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس لكنه إنما جمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة، ومن طريق ابن جريج رضي الله عنه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء رضي الله عنه هو الخراساني، وهو لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما فيكون منقطعاً إلا أن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح ومن روايات الضعفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما التفسير المنسوب لأبي النصر محمد بن السائب الكلبي فإنه يرويه عن أبي صالح، وهو مولى أم هانىء عن ابن عباس، والكلبي اتهموه بالكذب، وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه: كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب، ومع ضعف الكلبي قد روي عنه تفسير مثله أو أشد ضعفاً وهو محمد بن مروان السدي الصغير، ورواه عن محمد بن مروان مثله، أو أشد ضعفاً وهو صالح بن محمد الترمذي، وممن روى التفسير عن الكلبي من الثقات سفيان الثوري ومحمد بن فضيل بن غزوان. ومن الضعفاء من قبل الحفظ جبان بكسر المهملة وتثقيل الموحدة وهو ابن علي العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي منقوطة، ومنهم جويبر بن سعيد وهو واه روى التفسير عن الضحاك بن مزاحم وهو صدوق عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يسمع منه شيئاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وممن روى التفسير عن الضحاك علي بن الحكم وهو ثقة، وعلي بن سليمان وهو صدوق، وأبو روق عطية بن الحرث وهو لا بأس به. ومنهم عثمان بن عطاء الخراساني رضي الله عنه يروي التفسير عن أبيه عن ابن عباس. ولم يسمع أبوه من ابن عباس. ومنهم إسمعيل بن عبد الرحمن السدي بضم المهملة وتشديد الدال، وهو كوفي صدوق، ولكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم وخلط روايات الجميع فلم تتميز روايات الثقة من الضعيف. ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك وربما التبس بالسدي الصغير الذي تقدم ذكره. ومنهم إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني وهو ضعيف يروي التفسير عن أبيه عن عكرمة، وإنما ضعفوه لأنه وصل كثيراً من الأحاديث بذكر ابن عباس، وقد روى عنه تفسيره عبد بن حميد. ومنهم إسمعيل بن أبي زياد الشامي وهو ضعيف جمع تفسيراً كثيراً فيه الصحيح والسقيم، وهو في عصر أتباع التابعين. ومنهم عطاء بن دينار رضي الله عنه وفيه لين يروي التفسير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير رواه عنه ابن لهيعة وهو ضعيف. ومن تفاسير التابعين ما يروى عن قتادة رضي الله عنه وهو من طرق منها رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ورواية آدم بن أبي إياس وغيره عن شيبان عنه، ورواية يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة، ومن تفاسيرهم تفسير الربيع بن أنس عن أبي العالية واسمه رفيع بالتصغير الرياحي بالمثناة التحتية والحاء المهملة وبعضه لا يسمى الربيع فوقه أحداً وهو يروي من طرق منها رواية أبي عبيد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عنه، ومنها تفاسير مقاتل بن حيان من طريق محمد بن مزاحم بن بكير بن معروف عنه، ومقاتل هذا صدوق، وهو غير مقاتل بن سليمان الآتي ذكره، ومن تفاسير ضعفاء التابعين فمن بعدهم تفسير زيد بن أسلم من رواية ابنه عبد الرحمن عنه، وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب وغيره عن عبد الرحمن عن أبيه وعن غير أبيه، وفيه أشياء كثيرة لا يسندها لأحد وعبد الرحمن من الضعفاء وأبوه من الثقات، ومنها تفسير مقاتل بن سليمان وقد نسبوه إلى الكذب. وقال الشافعي رضي الله عنه: مقاتل قاتله الله تعالى. وإنما قال الشافعي رضي الله عنه فيه ذلك لأنه اشتهر عنه القول بالتجسيم، وروى تفسير مقاتل هذا عنه أبو عصمة نوح بن أبي مريم الجامع وقد نسبوه إلى الكذب، ورواه أيضاً عن مقاتل الحكم بن هذيل وهو ضعيف، لكنه أصلح حالاً من أبي عصمة ومنها تفسير يحيى بن سلام المغربي وهو كبير في نحو ستة أسفار أكثر فيه النقل عن التابعين وغيرهم، وهو لين الحديث، وفيما يرويه مناكير كثيرة، وشيوخه مثل سعيد بن أبي عروبة ومالك والثوري، ويقرب منه تفسير سنيد بمهملة ونون مصغر واسمه الحسين بن داود، وهو من طبقة شيوخ الأئمة الستة، يروي عن حجاج بن محمد المصيصي كثيراً وعن انظاره، وفيه لين، وتفسيره نحو تفسير يحيى بن سلام، وقد أكثر ابن جريج التخريج منه ومن التفاسير الواهية لوهاء رواتها التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني، وهو قدر مجلدين يسنده إلى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد نسب ابن حبان موسى هذا إلى وضع الحديث ورواه عن موسى عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف، وقد يوجد كثير من أسباب النزول في كتب المغازي، فما كان منها من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه أو من رواية اسمعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة، فهو أصلح مما فيها من كتاب محمد بن إسحق، وما كان من رواية ابن إسحق أمثل مما فيها من رواية الواقدي انتهى. قال مؤلفه رضي الله عنه وتقبل الله منه صنيعه: فرغت من تبييضه يوم عيد الفطر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بعونه تعالى تم المجلد السادس وبتمامه تم كتاب الدر المنثور في التفسير المأثور
للإِمام السيوطي رحمه الله
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } إذا غفلوا عن ذكره تعالى ومحل الموصول إما الجر على الوصف وإما الرفع أو النصب على الذم { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس على أنه ضربان جنيَّ وإنسيَّ كما قال عز وجل**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [سورة الأنعام، الآية 112] أو متعلق بيوسوس أى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن ومن جهة الإنس وقد جوز أن يكون بياناً للناس على أنه يطلق على الجن أيضاً حسب إطلاق النفر والرجال عليهم ولا تعويل عليه، وأقرب منه أن يراد بالناس الناسى ويجعل سقوط الياء كسقوطها في قوله تعالى**{ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** [سورة القمر، الآية 6] ثم يبين بالجنة والناس فإن كل فرد من أفراد الفريقين مبتلى بنسيان حق الله تعالى إلا من تداركه شوافع عصمته وتناوله واسع رحمته عصمنا الله تعالى من الغفلة عن ذكره ووفقنا لأداء حقوق شكره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | كما قال: { يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [5-6] يعني في صدور الجن والإنس جميعاً، ووسوسة النفس في القلب. قال الله تعالى:**{ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }** [ق:16] وإن معرفة النفس أخفى من معرفة العدو، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا، وأسر العدو معرفته، فإذا عرفته فقد أسرته، وإن لم تعرف أنه العدو وأسرك فإنما مثل العبد والعدو والدنيا كمثل الصياد والطير والحبوب، فالصياد إبليس، والطير العبد، والحبوب الدنيا، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع، فإن كنت صائماً فأردت أن تفطر قال لك: ما يقول الناس، أنت قد عُرفت بالصوم تركت الصيام. فإن قلت: ما لي وللناس. قال لك: صدقت أفطر، فإنهم سيضعون أمرك على الحسبة والإخلاص في فطرك، وإن كنت عرفت بالعزلة فخرجت. قال: ما يقول الناس، تركت العزلة. فإن قلت: ما لي وللناس. قال: صدقت اخرج فإنهم سيضعون أمرك على الإخلاص والحسبة. وكذلك في كل شيء من أمرك، يردك إلى الناس حتى كأنه ليأمرك بالتواضع للشهرة عند الناس. ولقد حكي أن رجلاً من العباد كان لا يغضب، فأتاه الشيطان وقال: إنك إن تغضب وتصبر كان أعظم لأجرك. ففطن به العابد فقال: وكيف يجيء الغضب؟ قال: آتيك بشيء فأقول: لمن هو؟ فقل: هو لي، فأقول: بل هو لي. فأتاه بشيء وقال العابد: هو لي، فقال الشيطان: لا بل هو لي. فقال العابد: إن كان لك فاذهب به، ولم يغضب، فرجع الشيطان خائباً حزيناً، أراد أن يشغل قلبه حتى يصيب منه حاجته، فعرفه واتقى غرورة.
ثم قال سهل: عليك بالإخلاص تسلم من الوسوسة، وإياك والتدبير فإنه داء النفس، وعليك بالاقتداء فإنه أساس العمل، وإياك والعجب فإن أدنى باب منه لم تستتمه حتى تدخل النار، وعليك بالقنوع والرضا، فإن العيش فيهما، وإياك والائتمار على غيرك، فإنه لينسيك نفسك، وعليك بالصمت، فأنت تعرف الأحوال فيه، وعليك بترك الشهوات تنقطع به عن الدنيا، وعليك بسهر الليل تموت نفسك من ميلة طبعك وتحيي قلبك، وإذا صليت فاجعلها وداعاً، وخف الله يؤمنك وارجهُ يؤملك، واتكل عليه يَكفِك، وعليك بالخلوة تنقطع الآفات عنك. ولقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: لولا مخافة الوسواس لرحلت إلى بلاد لا أنيس بها، وهل يفسد الناس إلا الناس.
ثم قال سهل: مخالطة الولي بالناس ذل، وتفرده عزّ، وما رأيت أولياء الله تعالى إلا منفردين، إن عبد الله بن صالح رحمه الله كان رجلاً له سابقة جليلة وموهبة جزيلة، وكان يفرّ من بلد إلى بلد، حتى يأتي مكة، فطال بها مقامه، فقلت له: لقد طال مقامك بها. فقال: ولم لا أقيم بها، ولم أر بقعة ينزل فيها من الرحمة والبركة مثلها يطوف الملائكة حول البيت غدواً وعشية على صور شتى، لا يقطعون ذلك، وإن فيها عجائب كثيرة، ولو قلت كلما رأيت لصغرت عنه قلوب أقوام ليسوا بمؤمنين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
فقلت: أسألك بحق الحق أن تخبرني بشيء من ذلك. فقال: ما من ولي لله تعالى صحّت ولايته إلا وهو يحضر في هذه البلد في كل ليلة جمعة، ولقد رأيت رجلاً يقال له مالك بن القاسم الجبلي رحمه الله تعالى ليلة هاهنا ورايت على يده غمراً فقلت: إنك لقريب العهد بالأكل. فقال: أستغفر الله فإني منذ أسبوع لم أطعم شيئاً، ولكني أطعمت والدتي وأسرعت لأدرك صلاة الفجر هاهنا جماعة، وبين مكة وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ، فهل أنت مؤمن بذلك؟ فقلت: بلى. فقال: الحمد لله الذي أراني مؤمناً مؤمناً.
وقال ابن سالم: كنت عند سهل رحمه الله تعالى، فأتاه رجلان بعد صلاة العصر، وجعلا يحدثانه، فقلت في نفسي: لقد أبطأا عنده، وما أراهما يرجعان في هذا الوقت، وذهبت إلى منزلي لأهيئ لهما عشاء، فلما رجعت إليه لم أر عنده أحداً، فسألت عن حالهما، فقال: إن أحدهما يصلي المغرب بالمشرق، والآخر بالمغرب، وإنما أتياني زائرين.
ولقد دخل سهل على رجل من عباد البصرة، فرأى عنده بلبلة في قفص، فقال: لمن هذه البلبلة؟ فقال: لهذا الصبي، كان ابناً له، قال: فأخرج سهل من كمه دينار فقال: بني أيما أحب إليك الدينار أم البلبلة؟ فقال: الدينار. فدفع إليه الدينار وأطلق البلبلة. قال: فقعد البلبل على حائط الدار حتى خرج سهل، فجعل يرفرف فوق رأسه، حتى دخل سهل داره، وكان في داره سدرة فسكنت البلبلة السدرة، فلم تزل فيها حتى مات، فلما رفعوا جنازته جعلت ترفرف فوق جنازته والناس يبكون، حتى جاؤوا بها إلى قبره، فوقفت في ناحية حتى دفن وتفرق الناس عن قبره، فلم تزل تضطرب على قبره حتى ماتت، فدفنت بجنبه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ | * تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) | قال عمرو المكى: { ٱلْوَسْوَاسِ } من وجهين: من النفس والعدو. فوسواس النفس بالمعاصى، التى توسوس بها العدوَّ كلها غير شيئين فإن النفس لا توسوس بهما أحدهما التشكيك والأمر.
القول على الله بغير علم قال الله فى وصف الشياطين:**{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }** [البقرة: 169].
وقال أبو بكر الوراق: الوسواس من شر العوارض وأخبثها وأبعدها من الصواب. وأشدها غرورًا وأشهاها إلى النفس وأجلاها إلى القلب، وأزينها فى العين لأنها على موافقة النفس، والنفس أرضية وهي ليست سماوية كالحقوق النازلة منه و { ٱلْوَسْوَاسِ } يقع فى أصول الدين وهو الآراء والمقاييس فإن الإنسان يقبل من إبليس مقاييسه، ووسواسه وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس، وقاس إبليس لما قال: فى مقابلة الأمر من الله إليه عن مواجهته حين أمره بالسجود لآدم عليه السلام أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين، وهو الذى أخبر الله عنه أنه الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس بدأ فى وسوسته وشؤم قياسه بآدم فقال:**{ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ }** [الأعراف: 20] وسوس إليهما فى ذلك بالملك وقاس مقال إنما خوطبت فى الشجرة ولم يخاطب فى غيرها فاترك ما خوطبت فيها وتناول من جنسها فوقع ذلك من آدم موقعًا لحرصه على مجاوزة ربه.
وقال يحيى بن معاذ: الوسوسة بذر الشيطان فإن لم تعطه أرضًا وماءً ضاع بذره، وإن أعطيته الأرض والماء بذر فيه الشيطان، فسئ ما الأرض والماء؟ فقال: الشبع أرضه والنوم ماؤه.
وقال يحيى بن معاذ: إنما هو جسم، وروح، وقلب، وصدر، وشغاف، وفؤاد.
فالجسم بحر الشهوات، قال الله تعالى:**{ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ }** [يوسف: 53].
والروح بحر المناجاة.
والصدر بحر الوسواس، قال الله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الآية: 5].
والشغاف بحر المحبة، قال الله تعالى:**{ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً }** [يوسف: 30].
والفؤاد بحر الرؤية.
وقال سهل: من أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة. ومقام الوسوسة من العبد مقام النفس الأمارة بالسوء. وقال: الوسوسة ذكر الطبع.
وقال أبو عمر النجارى: أصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة أشياء: أولها: الحرص فقابله بالتوكل والقناعة. والثانية: الأمل. فاكسره بمفاجأة الأجل. والثالثة: التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعم وطول الحساب. والرابعة: الحسد فاكسره برؤية العدل. والخامسة البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافى. والسادسة: الكبر فاكسره بالتواضع. والسابعة: الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيم حرمتهم. والثامنة: حب الدنيا، والمحمدة من الناس فاكسره بالإخلاص، والتاسعة: طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع، والعاشرة: البخل والمنع فاكسره بالجود والسخاء.
تمت بحمد الله وحسن توفيقه، ولطفه وصلواته على نبيه محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }.
أعتصِمْ بربِّ الناسِ خالقِهِم وسيَّدِهم.
{ مَلِكِ ٱلنَّاسِ }.
أي مالكهم جميعهم.
{ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }.
القادِر على إيجادهم.
{ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }.
من حديثِ النَّفْسِ بما هو كالصوتِ الخفيِّ.
ويقال: مِنْ شرِّ الوسواس.
ويقال: من شرِّ الوسوسة التي تكون بين الجِنَّةِ والناس.
" والخنَّاس " الذي يغيب ويخنس عن ذِكْرِ الله. وهو من أوصاف الشيطان.
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }.
قيل: " الناس " يقع لفظها على الجنِّ والإنْسِ جميعاً - كما قال تعالى:**{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الأحقاف: 29] فسمَّاهم نفراً، وكما قال:**{ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6] فسمَّاهم رجالاً.. فعلى هذا استعاذ من الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس، والشيطانُ الذي له تسلُّطٌ على الناسِ كالوسواس؛ فللنَّفْس من قِبَلِ العبد هواجسُ، وهواجِسُ النَّفْسِ ووساوسُ الشيطانِ يتقاربان؛ إذ إن يدعو إلى متابعة الشهوة أو الضلالة في الدين أو إلى ارتكاب المعصية، أو إلى الخصال الذميمة - فهو نتيجة الوساوس والهواجس.
وبالعلم يُمَيَّزُ بين الإلهام وبين الخواطِر الصحيحة وبين الوساوس.
(ومما تجب معرفته) أن الشيطان إذا دعا إلى محظورٍ فإن خالَفْتَه يَدَعْ ذلك (ثم) يدعوك إلى معصيةٍ أخرى؛ إذ لا غََرَضَ له إلا الإقامة على دعائك (...) غير مختلفة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ | * تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) | { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } الوسوسة مراتب الاولى هواجس النفس الامارة والثانية وسوسة الشيطان والثالثة وسوسة جنود القهريات وموضع هذه الوساوس الصدر لان القلب موضع العقل والروح اللطيفة والتجلى والخطاب والمشاهدة وهو مصون برعاية الحق فاما وسوسة النفس فيكون فى طلب الشهوات والحظوظ وأما وسوسة الشيطان فيكون فى الكفر والطغيان والبدع وأما وسوسة القهر فبذر وسوسة النفس والشيطان ألقاه الحق فى أرض الصدور لامتحان عباده وغيره الأزل منعهم بهذه الوساوس عن مشاهدة الكل فإذا أراد بلطفه وصولهم إليه عظمّه فيهبّ في صحارى قلوبهم شمال جماله فيكشف عن قلوبهم وصدورهم عن الوساوس وظلمة النفس ذلك قوله { ٱلْخَنَّاسِ \* ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } ثم بين أن الوسوسة تاتى من الشيطان تارة بارزة واسعة، وهو ان يوسوس فى صدره من غلبة نور التوفيق والمشاهدة وظهارة الكفر وصفاء الذكر وعار عليه فى مقامه غراه بعض شياطين الانس ويدعوه بلسانه الى بعض الشهوات او البدع والاهواء فيوقعه الى الحجاب فامر الله حيبيه ان يستعيذ به من وسوسة شياطين الانس والجن الذى وصفهم الله بقوله شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا واحذر يا صاحبى من هذه الوساوس واعرف شانها واصلها وفرعها فان الوساوس تاتيك فى جميع المقامات وفى بعض المواجيد والاحوال فينبغى ان تعرف مكائده واسلحته ومواقعه ووساوسه واستعن بالله فى جوابه وعلاجه حتى تبلغ إلى مقام مشاهدة الخلق بالحق ويفنى عنك بشريتك واوصافها ويكون نورا بنوره مقدسا بقدسه عن كل خاطر وعارض فان عرفت حقيقة ما ذكرتك فصرت اماما للمتقدين وسراجا للمتقبسين قال عمر المكي الوساوس من وجهين من النفس والعدو فوساوس النفس المعاصى الذى يوسوس فيها العدو كلها غير طبعي فان النفس لا يوسوس بهما احدهما التشكيك والآخر بقول على الله بغير علم قال الله فى وصف الشيطان إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال يحيى بن معاذ الوسوسة بذر الشيطان فان لم يقصد ارضا وماء ضاع بذره وان اعطيته الارض والماء بذر فيها فسئل ما الارض والماء اشبع ارضه والنوم مائه وقال يحيى انما هو جسم وروح وقلب وصدر وشغاف وفواد فالجسم بحر الشهوات قال الله ان النفس لأمارة بالسوء والروح بحر المناجاة والصدر بحر الوساوس قال الله تعالى الذى يوسوس فى صدور الناس والشغاف بحر المحبة قال الله تعالى قد شغفها حباً والفواد بحر الرؤية قال الله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى وتقلب بحر العمل وقال سهل الوسوسة ذكر الطبع وقال اذا كان القلب مشغولاً بالله لم يصل اليه الوسواس بحال وقال عبد العزيز المكى يوسوس فى فواد العامة وقلوب الخواص لو دنا منها إبليس لاحترق صدق الشيخ فيما قال ولكن فى سر السر وغيب الغيب ونور النور وسنا السنا ولطف اللطف وشهود الشهود ودنو الدنو ووصال الوصال وبقاء البقاء وعيان العيان يكون قلوب العارفين والموحدين والمحبين والمريدين والمؤمنين فى قبض العزة منقلبة بين اصابع الصفة التى هى انوار ازال الازال واباد الاباد طالبة يوصل الوصل وعرفان العرفان وحقيقة الحقيقة كالفراش حول الشمع كمال شوقها الاحتراق بنيرانه كذلك قلوبهم محترقة هناك بنيران الكبرياء فانية فى سطوات الجلال باقية بسبحات الجمال مصونة عن ذل الحجاب محروسة عن طريان العذاب كيف يخللها قتام الوسواس فهواجس النفس وحديث الناس سبحان من صفاهم بصفاته عن كل كدور وبراهم بقدسه عن كل علة الوسواس فى الصدور والقلوب وفى الحضور والنور والسرور كيف يصل حركات الانسانية الى من استغرق فى بحار الوحدانية لا باس بان طوى على الصدور وسواس وهواجس من محل الامتحان فان الارواح فى يمين الرحمن والقلوب بين أصبعين من اصابع الرحمن والحمد لله الذى رد امره الى الوسوسة الا ترى كيف شكا عنه خواص الصحابة الى حبيب الله وصفيه صلوات الله وسلامه عليه فقالوا انا نجد فى انفسنا ما يتعاظم احدنا ان نتكلم به فقال " او قد وجدتموه " قالوا نعم قال " ذلك صريح الايمان " وقال ابو عمرو والبخارى اصل الوسوسة نتيجتها من عشرة اشياء اولها الحرص فقاتله بالتوكل والقناعة والثانية الامل فاكسره بمناجاة الاجل والثالثة التمتع بشهوات الدنيا فقاتله بزوال النعمة وطول الحساب والرابعة الحسد فاكسره برؤية العدل والخامسة البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافى والسادسة الكبر فاكسره بالتواضع والسابعة الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيم حرمتهم والثامنة حب الدنيا والمحمدة من الناس فاكسره بالاخلاص والتاسعة طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع والعاشرة المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء والحمد لله حمداً لا انقطاع له ولا انتهاء والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم الانبياء وعلى آله وصحبه وسائر الاولياء ما دامت الارض والسماء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { قل أعوذ بربّ الناس } ربّ الناس هو الذات مع جميع الصفات لأن الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود ربّه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع الأسماء بحسب البداية المعبر عنها بالله، ولهذا قال تعالى:**{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }** [ص، الآية:75] بالمتقابلين من الصفات كاللطف والقهر والجمال والجلال الشاملين لجميعها تعوّذ بوجهه بعدما تعوّذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه السورة عن المعوّذة الأولى إذ فيها تعوّذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته. ثم بيّن ربّ الناس بملك الناس على أنه عطف بيان لأن الملك هو الذي يملك رقابهم وأمورهم باعتبار حال فنائهم فيه من قوله:**{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }** [غافر، الآية:16] فالملك بالحقيقة هو الواحد القهار الذي قهر كل شيء بظهوره ثم عطف عليه { إله الناس } لبيان حال بقائهم بعد الفناء لأن الإله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات باعتبار النهاية. استعاذ بجنابه المطلق ففني فيه فظهر كونه ملكاً ثم ردّه إلى الوجود لمقام العبودية فكان معبوداً دائماً فتم استعاذته به. { من شرّ الوسواس } لأن الوسوسة تقتضي محلاً وجودياً كما قال: { الذي يوسوس في صدور الناس } ولا وجود في حال الفناء فلا صدور ولا وسواس ولا موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجود الأنائية فقل: أعوذ بك منك، فلما صار معبوداً بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان أولاً موجوداً بوجوده. والوسواس اسم للوسوسة سمي به الموسوس لدوام وسوسته كأن نفسه وسواس، وإنما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما في السورة الأولى لأن الشيطان هو الذي يقابل الرحمن ويستولي على الصورة الجمعية الإنسانية ويظهر في صور جميع الأسماء ويتمثل بها إلا بالله، فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوّذ من الاحتجاب والضلالة تعوّذ بربّ الفلق وها هنا تعوّذ بربّ الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام: **" من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثّل بي "** الخناس، أي: الرجّاع لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة وكلما تنبه العبد وذكر الله خنس فالخنوس عادة له كالوسواس. عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربّه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل وسوس إليه. قوله: { من الجنة والناس } بيان للذي يوسوس، فإن الموسوس من الشيطان جنسان: جني غير محسوس كالوهم، وإنسي محسوس كالمضلين من أفراد الإنسان أما في صورة الهادي كقوله تعالى:**{ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ }** [الصافات، الآية:28] وأما في صورة غيره من صور الأسماء فلا يتم أيضاً الاستعاذة منه إلا بالله، والله العاصم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { الذى يوسوس فى صدور الناس } اذا غفلوا عن ذكره تعالى ولذا قال فى التأويلات النجمية اى الناسى ذكر الله بالقلب والسر والروح كما قال تعالى يوم يدعو الداع بحذف الياء انتهى ومحل الموصول الجر على الوصف فلا وقف على الخناس او النصب او الرفع على الذم فيحسن الوقف عليه ذكر سبحانه وتعالى وسوسته اولا ثم ذكر محلها وهو صدور الناس تامل السر فى قوله يوسوس فى صدور الناس ولم يقل فى قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع فى الصدر ثم تلج فى القلب فهو بمنزلة الدهليز وهو بالكسر ما بين الباب والدار ومن القلب تخرج الارادات والاوامر الى الصدر ثم تتفرق على الجنود فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته فيلقى ما يريد القاءه الى القلب فهو يوسوس فى الصدور ووسوسته واصله الى القلوب قال بعض ارباب الحقائق للقلب امرآء خمسة ملكية يسمون الحواس كحاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذق وحاسة اللمس وامرآء خمسة ملكوتية يسمون ارواحا كالروح الحيوانى والروح الخيالى والروح الفكرى والروح العقلى والروح القدسى فاذا نفذ الامر الالهى الى احد هؤلا الامرآء من القلب بادر لامتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وقس عليه الخواطر والوساوس فان عزم الانسان يخرج كلا منها الى الخارج ويجريها من طرق الحواس والقوى وقوله فى صدور الناس يدل على انه لا يوسوس فى صدور الجن قال فى آكام المرجان لم يرد دليل على ان الجنى يوسوس فى صدور الجنى ويدخل فيه كما يدخل فى الانسى ويجرى منه مجراه من الانسى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | يقول الحق جلّ جلاله: { قل أعوذُ بربِّ الناس } مربّيهم ومُصلحهم، { مَلِكِ الناس } مالكهم ومدبر أمورهم. وهو عطف بيان جيء به لبيان أنَّ تربيته تعالى ليست بطريق تربية سائر المُلاك لِما تحت أيديهم من ممالكهم، بل بطريق المُلك الكامل، والتصرُّف التام، والسلطان القاهر. وكذا قوله تعالى: { إِلهِ الناس } فإنه لبيان أنَّ مُلكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم، والقيام بتدبير أمور سياستهم، والمتولِّي لترتيب مبادىء حِفظهم وحمايتهم، كما هو قصارى أمر الملوك، بل هو بطريق العبودية، المؤسَّسة على الألوهية، المقتضية للقدرة التامة على التصرُّف الكلي فيهم، إحياءً وإماتةً، وإيجاداً وإعداماً. وتخصيص الإضافة إلى الناس مع انتظام جميع العالَمين في سلك ربوبيته تعالى وملكوته وألوهيته للإرشاد إلى مناهج الاستعاذة المرضية عنده تعالى، الحقيقة بالإعاذة، فإنَّ توسل العبد بربه، وانتسابه إليه تعالى بالمربوبية والملكية والمعبودية، في ضمن جنس هو فرد من أفراده، من دواعي الرحمة والرأفة. أمره تعالى بذلك من دلائل الوعد الكريم بالإعاذة لا محالة، ولأنَّ المستعاذ منه شر الشيطان، المعروف بعداوتهم، مع التنصيص على انتظامه في سلك عبوديته تعالى وملكوته، رمز إلى إنجائهم من ملكة الشيطان وتسلُّطه عليهم، حسبما ينطق به قوله تعالى:**{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }** [الإسراء:65] فمَن جعل مدارَ تخصيص الإضافة مجرد كون الاستعاذة من المضار المختصة بالنفوس البشرية فقد قصر في توفية المقام حقه. وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير والتشريف. قاله أبو السعود. والآية من باب الترقِّي، وذلك أنَّ الرب قد يُطلق على كثير من الناس، فتقول: فلان رب الدار، وشبه ذلك، فبدأ به لاشتراك معناه وأمَّا المَلك فلا يُوصف به إلاَّ آحاد من الناس، وهم الملوك، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جيء به بعد الرب، وأمَّا الإله فهوأعلى من المَلك، ولذلك لا يَدَّعي الملوكُ أنهم آلهة، وإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير قاله ابن جزي. { من شَرَّ الوسواس } أي: الموسوس، فالوسواس مصدر، كالزلزال، بمعنى اسم الفاعل، أو سمي به الشيطان مبالغةً، كأنه نفس الوسوسة، و { الخناس } الذي عادته أن يخنس، أي: يتأخر عند ذكر الإنسان ربَّه، { الذي يُوَسْوِسُ في صدور الناس } إذا غفلوا عن ذكر الله، ولم يقل: في قلوب الناس لأنَّ الشيطان محله الصدور، ويمدّ منقاره إلى القلب، وأمّا القلب فهو بيت الرب، وهو محل الإيمان، فلا يتمكن منه كل التمكُّن، وإنما يحوم في الصدر حول القلب، فلو تمكّن منه لأفسد على الناس كلهم إيمانهم. قال ابن جزي: وسوسة الشيطان بأنواع كثيرة، منها: فساد الإيمان والتشكيك في العقائد، فإن لم يقدر على ذلك ثبّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل الرياء في الطاعات ليُحبطها، فإن سَلِمَ من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه، واستكثار عمله، ومن ذلك: أنه يُوقد في القلب نار الحسد والحقد والغضب، حتى يقود الإنسان إلى سوء الأعمال وأقبح الأحوال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء، وهي: الإكثار من ذكر الله والإكثار من الاستعاذة منه، ومن أنفع شيءٍ في ذلك: قراءة سورة الناس. هـ. قلت: لا يقلع الوسوسة من القلب بالكلية إلاّ صُحبة العارفين، أهل التربية، حتى يُدخلوه مقامَ الفناء، وإلاَّ فالخواطر لا تنقطع عن العبد. ثم بَيّن الموسوِس بقوله: { مِن الجِنة } أي: الجن { والناس } ووسواس النار أعظم لأنَّ وسواس الجن يذهب بالتعوُّذ، بخلاف وسوسة الناس، والمراد بوسوسة الناس: ما يُدخلون عليك من الشُبه في الدين وخوض في الباطن، أو سوء اعتقاد في الناس، أو غير ذلك. قال ابن جزي: فإن قلت: لِمَ ختم القرآن بالمعوذتين، وما الحكمة في ذلك؟ فالجواب من ثلاثة أوجه، الأول: قال شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لمَّا كان القرأنُ من أعظم نِعم الله على عباده، والنعمة مظنة الحسد، ختم بما يُطفىء الحسد، من الاستعاذة بالله. الثاني: يَظهر لي أنَّ المعوذتين ختم بهما لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما: **" أنزلت علي آيات لم يُر مثلهن قط "** كما قال في فاتحة الكتاب: **" لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها "** فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها، واختتم بسورتين لم يرَ مثلهما للجمع بين حسن الافتتاح والاختتام. ألا ترى أن الخُطب والرسائل والقصائد، وغير ذلك من أنواع الكلام، يُنظر فيها إلى حسن افتتاحها واختتامها. والوجه الثالث: أنه لمّا أمر القارىء أن يفتح قراءته بالتعوُّذ من الشيطان الرجيم، ختم القرآن بالمعوذتين ليحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة وعند آخر ما يقرأ من القرآن، فتكون الاستعاذة قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء، فيكون القارىء محفوظاً بحفظ الله، الذي استعاذ به مِن أول أمره إلى آخره. هـ. الإشارة: لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتيه، حتى يمتلىء القلب بالله فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر:
| **إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي** | | |
| --- | --- | --- |
وبالله التوفيق. وهو الهادي إلى سواء الطريق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلّم تسليماً. كَمِل " البحر المديد في تفسير القرآن المجيد " بحول الله وقوته. نسأل الله سبحانه أن يكسوه جلباب القبول ويُبلغ به كل مَن طالعه أو حصّله القصدَ والمأمول، بجاه سيد الأولين والآخرين، سيدنا ومولانا محمد، خاتم النبيين وإمام المرسلين. وعُمْدَتنا فيه: تفسير البيضاوي وأبي السعود، وحاشية شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي، وشيء من تفسير ابن جزي والثعلبي والقشيري. وكان الفراغ من تبييضه زوال يوم الأحد، سادس ربيع النبوي، عام واحد وعشرين ومائتين وألف، على يد جامعه العبد الضعيف، الفقير إلى مولاه أحمد بن محمد بن عجيبة الحَسَنِي، لطف الله به في الدارين. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) | قال الله: { الذي يوسوس في صدور الناس }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | كان الكسائي فى رواية أبي عمير يميل { الناس } لكسرة السين، وهو حسن الباقون يتركون الامالة، وهو الأصل.
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ويدخل فيه المكلفون، يأمرهم أن يستعيذوا { برب الناس } وخالقهم الذي هو { ملك الناس } ومدبرهم وإلههم { من شر الوسواس } وأن يقولوا هذا القول الذي هو { أعوذ برب الناس... } إلى آخرها و { رب الناس } هو الذي خلقهم ودبرهم على حسب ما اقتضته الحكمة وقوله { ملك الناس } إنما خص بأنه ملك الناس مع أنه ملك الخلق أجمعين لبيان أن مدبر جميع الناس قادر أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتعظيم من ملوك الناس.
والفرق بين { ملك } و { مالك } حتى جازا جميعا فى فاتحة الكتاب ولم يجز - ها هنا - إلا ملك، لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير، وليس كذلك مالك، لأنه يجوز أن يقال: مالك الثوب، ولا يجوز ملك الثوب، ويجوز أن يقال: ملك الروم، ولا يجوز مالك الروم، فجرت - في فاتحة الكتاب - على معنى الملك فى يوم الجزاء، ومالك الجزاء، وجرت فى سورة الناس على { ملك } تدبير من يعقل التدبير، فكأن هذا أحسن وأولى.
وقوله { إله الناس } معناه أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه، لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره { من شر الوسواس } حديث النفس بما هو كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الاعشى:
| **تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت** | | **كما استعان بريح عشرق زجل** |
| --- | --- | --- |
وقال روبة:
| **وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق** | | **سراً وقد أوّن تأوين العقق** |
| --- | --- | --- |
والوسوسة كالهمهمة ومنه قولهم: فلان موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة لما يعتريه من المرة. وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة وتوسوس توسوساً. وفى معنى قوله { من شر الوسواس } ثلاثة أقوال:
احدها - من شر الوسوسة التي تكون من الجنة والناس، فأمر بالتعوذ من شر الجن والانس.
الثاني - من شر ذي الوسواس وهو الشيطان، كما قال في الاثر: انه يوسوس فاذا ذكر العبد ربه خنس، فيكون قوله { من الجنة والناس } بيان انه منهم، كما قال**{ إلا ابليس كان من الجن }** فأما { والناس } فعطف عليه كأنه قيل من الشيطان الذي هذه صفته والناس الذين هذه صفتهم. الثالث - من شر ذي الوسواس الخناس على العموم، ثم يفسر بقوله - عز وجل - من { الجنة والناس } كما يقال: نعوذ بالله من كل مارد: من الجن والانس وقوله { الخناس } معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور، خنس يخنس خنوساً، ومنه قوله**{ فلا أقسم بالخنس }** أي بالنجوم التي تخفى بعدما تظهر بتصريف الحكيم الذي أجراها على حق حسن التدبير، ومنه الخنس في الانف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتوئه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قال مجاهد: إذا ذكر العبد ربه خنس، فاذا غفل وسوس اليه وقوله { الذي يوسوس في صدور الناس } قيل: ان الشيطان يعتري الانسان بكلام خفي بفعله يصل مفهومه إلى قلبه من غير سماع صوته، كانسان يتكلم من وراء حجاب بكلام يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع الصوت، وهذه حالة معقولة تقع عليها الوسوسة وأما الانسان فانما يوسوس غيره بأن يدعوه إلى الفساد ويحسن ذلك ويغويه به ويسوفه التوبة ويمنيه العفو. وقوله { من الجنة والناس } بيان لمن يكون منه الوسوسة وقد بين الله تعالى أنه يكون من قبيل الجن ومن قبيل الانس. والناس أصله من الاناس، فحذفت الهمزة التي هي فاء ويدل على ذلك الانس والاناس. واما في تحقيره نويس، فان الالف لما كانت ثانية زائدة اشبهت الف فاعل فلما قلبت واواً شبهة بألف فاعل كذلك جازت الامالة في المواضع التي اميل الاسم فيها لذلك، ومن سأل عن قوله { قل أعوذ برب. وقل يا أيها الكافرون. وسبح اسم ربك } وما اشبه ذلك من الاوامر المتوجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: كيف جاز من النبي صلى الله عليه وآله أن يقول: قل للأمة؟ ولو جاز ذلك لجاز أن يقول الانسان لغلامه قل لزيد كذا فيقول غلامه لزيد: قل كذا. وهذا خلاف الغرض.
قلنا عنه جوابان:
احدهما - ان الامر وإن كان متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد به أمته معه، فكانه خاطب الجميع بان يقولوا ذلك وأن يسبحوا وغير ذلك، فلا سؤال على هذا.
والثاني - ان الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وآله بأن يفعل الذي أمره وامره أيضاً بتلاوة كلامه، فلما كان قوله { قل، وسبح } من كلام الله وجب عليه أن يتلوه على وجهه ولو كان مأموراً بالفعل دون التلاوة لما وجب أن يأتي بلفظة { قل } في هذه المواضع كلها وجميع أي القرآن في البصري ست آلاف ومئتان وأربع آيات.
وفي المدني الاول ست آلاف ومئتان وسبع عشرة آية.
وفي الكوفي ست آلاف ومئتان وست وثلاثون آية.
وفي المدني الاخير ست آلاف ومئتان واربع عشرة آية.
وجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة لا خلاف في ذلك.
وبالمدينة تسع وعشرون سورة لا خلاف في ذلك.
فذلك مئة وأربع عشرة سورة.
وعلى ما رويناه على أصحابنا وعن جماعة متقدمين مئة واثنتا عشرة سورة.
وعدد جميع كلمات القرآن تسع وسبعون ألفاً ومئتان وسبع وسبعون كلمة. ويقال سبع وثمانون كلمة. ويقال تسع وثلاثون كلمة.
وجميع حروفه ثلثمائة الف حرف وثلاثة وعشرون الفاً وخمسة عشر الفاً.
وعدد نقطه مئة الف وست وخمسون الفاً وإحدي وثمانون نقطة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }.
{ (2) مَلِكِ النَّاسِ }.
{ (3) إِلَهِ النَّاسِ }.
{ (4) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ } يعني الموسوس عبّر عنه بالوسواس مبالغة { الْخَنَّاسِ } الذي عادته ان يخنس اي يتأخّر اذا ذكر الانسان ربّه القمّي الخنّاس اسم الشيطان.
{ (5) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } اذا غفلوا عن ذكر ربّهم.
{ (6) مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ } بيان للوسواس.
في الكافي والعيّاشي عن الصادق عليه السلام قال ما من مؤمن الاّ ولقلبه اذنان في جوفه اذن ينفث الوسواس الخنّاس واذن ينفث فيها الملك فيؤيّد الله المؤمن بالملك فذلك قوله وايّدهم بروح منه والقمّي عنه عليه السلام ما من قلب الاّ وله اذنان على احدهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن هذا يأمره وذلك يزجره كذلك من النّاس شيطان يحمل النّاس على المعاصي كما حمل الشيطان من الجنّ وقد مضى تفسير شياطين الانس في سورة الانعام وسبق سبب نزول السورة وثواب تلاوتها في تفسير اختها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } والوسوسة حديث النّفس وحديث الشّيطان بما لا خير فيه ولا نفع، ووسوس له واليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) | قال: حدثنا أبو الخير المقداد بن علي الحجازي المدني قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان العلوي الحسني قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني [ب: ثنا] جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي قال: حدثنا محمد بن مروان! عن الكلبي عن أبي صالح:
عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى { قل أعوذ برب الناس } يقول: يا محمد قل أعوذ برب الناس (يعني بخالق) [ر، أ: فخالق] الناس { ملك الناس إله الناس } لا شريك له ومعه { من شر الوسواس } يعني الشيطان { الخناس } يقول: يوسوس على قلب ابن آدم فإذا ذكر [أ: ركن] ابن آدم الله [أ: لله] خنس من [أ: في] قلبه فذهب ثم قال { الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس } يدخلون في صور الجن فيوسوسون [أ، ر: فيوسوس] على قلبه كما يوسوس على قلب ابن آدم ويدخل من الجني كما يدخل من الإنسي وهاتان السورتان نزلتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سحر وأمر أن يتعوذ بهما. صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله النبي الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين ولآلاء ربنا حامدين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خير خلقه وآله وآهل بيته وعترته وذريته أجمعين
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | { قل } يا محمد امتنع واعتصم { برب الناس } خالقهم ومدبرهم { ملك الناس اله الناس } ، قيل: الذي تحق له العبادة، وقيل المدبر للخلق على وجه الحكمة { من شر الوسواس } وهو الشيطان كما جاء في الخبر أنه يوسوس فإذا ذكر العبد ربه خنس، وقيل: الوسواس بكثرة الوسوسة عن أبي علي وهو من الجنة، والناس الذي يوسوس فاذا ذكر الله خنس أي هرب واختفى، وقيل: الشيطان صياد حاذق والدنيا له والمكلف صيد عاقل، فمن اجتهد نجا من الهلكة والاسقام والا وقع في الشبكة فهذا وصفه بالخناس مبالغة في الزجر والتحذير، وقوله: { الذي يوسوس في صدور الناس } أي يدعوهم الى المعاصي { من الجنّة والناس } يعني الوسواس يكون من الجنة والناس قال جار الله: في قوله تعالى: { من الجنة والناس } بيان الذي يوسوس على أن الشيطان ضربان جني وانسي كما قال تعالى:**{ الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا }** [الأنعام: 112] وتدل الآية على ان التحذير من شياطين الجن والانس واجب لكن من الجن يجب أن يكون أشد لأنه لا يرى، وكذلك اليهود في أمر الدين والدنيا، ومن الفريقين الجن والانس، قيل: حد فيه رؤساء الضلال وعلماء السوء وأهل البدع إذ لا ضرر أعظم من ضررهم، ومتى قيل: كيف يوسوس الجن في الصدر؟ قلنا: يكلمه بكلام خفي حتى يصل الى قلبه، وقيل: له إلَهٌ وطريق الى توصل الكلام الى قلبه، فأما من يقول يدخل القلب إذ له خرطوم فبعيد، وروي من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من سورة الحشر وكّل الله به سبعون ألف ملك يصلّون عليه حتى يمسي، فإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي فذلك، وفيه من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتى يرتحل منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة الناس، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } ذكر بعضهم قال: إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس.
قال تعالى: { الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ }. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به رجل ومعه امرأة من نسائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يا فلان، هذه فلانة. فقال الرجل: يا رسول الله، أفأظن بك هذا؟ أو كما قال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".** قوله عز وجل: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } أي: من شر شياطين الجن والإِنس. ذكروا أن أبا ذر قام إلى الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يا أبا ذر، تعوّذ من شياطين الجن والإِنس. فقال أبو ذر: يا رسول الله، أو للإِنس شياطين كشياطين الجن؟ قال: نعم "** قال بعضهم: بلغنا أن الشياطين توسوس إلى الجن من غير الشياطين كما توسوس إلى الناس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { الَّذِي } نعت أو مقطوع للنصب أو الرفع شتما ويحسن الوقف على الخناس. \* { يُوَسْوِسُ } يكلم الكلام الخفي الذي يصل القلب مفهومه سماع \* { فِي صُدُورِ } قلوب \* { النَّاسِ } قالوا **" إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس ومر برسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ومعه صلى الله عليه وسلم امرأة من نساءه فقال صلى الله عليه وسلم يا فلان هذه فلانه فقال الرجل يا رسول الله أو أظن بك هذا فقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش "** وإذا غفل الإنسان وسوس قال قتادة له خرطوم كخرطوم الكلب وقيل كخرطوم الخنزير ويقال أيضا رأسه كرأس الحية يضعه على ثمرة القلب يمسه ويخدشه، قال النووي قال بعض العلماء يستحب قول لا إله ألا الله لمن ابتلى بالوساس في الوضوء والصلاة وشبههما فإنه إذا سمع الذكر بعد ولا إله إلا الله رس الذكر وأنفع دواء الوسواس والمريدون يأمرون بالمداومة عليه في الخلوة وشكى بعض إلى أبي سليمان الداراني الوسواس فقال إذا أردت أن ينقطع فأي وقت أحسست به فافرح فإنك إذا فرحت به انقطع عنك لأنه ليس شيء ابغض إلى الشيطان من سرور المؤمن وإن غتممت به زادك. وعن بعض الأئمة إنما يبتلي بالوسواس من كمل إيمانه فإن اللص لا يقصد بيتا خربا، وعن بعض جعل الله قلب ابن آدم كالزجاجة فلا يعمل شيئا من الشر إلا رمى إليه ملك موكل عليه نهيا من الله وزجرا ينكر عليه ذلك ويلقي اليه الأمر بالطاعة فذلك منه نور يتلألأ فيسدل ابليس إنه الأمر من الله بالخير فيلقي الوسوسة. قال بعض الصحابة يا رسول الله إنا نحدث بشيء يعترض لقلوبنا لأن يقع أحدنا من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق أحب اليه من أن يتكلم به فقال صلى الله عليه وسلم أوجدتموه قالوا نعم قال ذلك صريح الإيمان، وفي رواية تلك برازيخ الإيمان قال الغزالي هذا يحمل على الكراهة الصارفة للوسوسة لأنها صريح الإيمان وقد يدعو الشيطان الى الخير المفصول ليصرف عن الفاضل وقد يدعو إلى خير ليجر إلى ذنب لا يفئ به ذلك الخير وهو كلب الله عز وجل فادعه ليصرفه عنك واستعذ به منه فلو اشتغلت به لأتعبك وقد يظفر بك فإنه كلب سلطه الله عليك تسليط تخلبه لا قهر وهو كالكلب النابح إن أقبلت عليه أولع بك ونبح وإن أعرضت سكت وسكن وأدخل الطاعة مجردا عن التعرض له مخلصا لله وإن عارضك فانفه باختصار واشتغل عنه هذا ظهر مالي من التحقق وهو أولى ما تراه مسطورا في كتب الفقه أن شاء الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | أى فى قلوبهم سمى الحال باسم المحل فإن القلب فى الجانب الأيسر من الصدر، ويجوز أن يراد ظاهر معنى الصدر بأن يدخل فى الصدر ويوسوس منه إلى القلب فقد فعل الوسوسة فيه إلى القلب، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - **" إنَّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم "** " وذلك كما لا يردهم حائط وحمل بعضهم الحديث على التمثيل المراد بالناس الإنس خاصة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | قيل أريد قلوبهم مجازاً وقال بعضهم إن الشيطان يدخل الصدر الذي هو بمنزلة الدهليز فيلقى منه ما يريد إلقاءه إلى القلب ويوصله إليه ولا مانع عقلاً من دخوله في جوف الإنسان وقد ورد السمع به كما سمعت فوجب قبوله والإيمان به ومن ذلك «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم» ومن الناس من حمله على التمثيل وقال في الآية إنها لا تقتضي الدخول كما ينادي عليه البيان الآتي. وقال ابن سينا الوسواس القوة التي توقع الوسوسة وهي القوة المتخيلة بحسب صيرورتها مستعملة للنفس الحيوانية ثم إن حركتها تكون بالعكس فإن النفس وجهتها إلى المبادي المفارقة فالقوة المتخيلة إذا أخذتها إلى الاشتغال بالمادة وعلائقها فتلك القوة تخنس أي تتحرك بالعكس وتجذب النفس الإنسانية إلى العكس فلذلك تسمى خناساً، ونحوه ما قيل إنه القوة الوهمية فهي تساعد العقل في المقدمات فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه ولا يخفى أن تفسير كلام الله تعالى بأمثال ذلك من شر الوسواس الخناس، والقاضي ذكر الأخير عن سبيل التنظير لا على وجه التمثيل والتفسير بناء على حسن الظن به.
ومحل الموصول إما الجر على الوصف وإما الرفع والنصب على الذم والشتم، ويحسن أن يقف القارىء على أحد هذين الوجهين على**{ الخَنَّاسْ }** [الناس: 4] وأما على الأول ففي «الكواشي» أنه لا يجوز الوقف وتعقبه الطيبـي بأن في عدم الجواز نظراً للفاصلة وفي «الكشف» أنه إذا كان صفة فالحُسْن غير مُسَلَّم اللهم إلا على وجه وهو أن الوقف الحسن شامل لمثله في فاصلة خاصة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | شابهت فاتحتها فاتحة سورة الفلق إلا أن سورة الفلق تعوُّذ من شرور المخلوقات من حيوان وناس، وسورة الناس تعوّذ من شرور مخلوقات خفيّة وهي الشياطين. والقول في الأمر بالقول، وفي المقول، وفي أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمقصود شموله أمته، كالقول في نظيره من سورة الفلق سواء. وعُرِّف { رب } بإضافته إلى { الناس } دون غيرهم من المربوبين لأن الاستعاذة من شر يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيَضِلُّون ويُضلون، فالشر المستعاذ منه مصبه إلى الناس، فناسب أن يُستحضر المستعاذُ إليه بعنوان أنه رب من يُلْقون الشر ومن يُلْقَى إليهم ليصرف هؤلاء ويدفع عن الآخرين كما يقال لمَولى العبد يا مولَى فلان كُف عني عبدك. وقد رتبت أوصاف الله بالنسبة إلى الناس ترتيباً مدرَّجاً فإن الله خالقهم، ثم هم غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف في شؤونهم، ثم زيد بياناً بوصف إلٰهيته لهم ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم ليست كربوبية بعضهم بعضاً وحاكمية بعضهم في بعض. وفي هذا الترتيب إشعار أيضاً بمراتب النظر في معرفة الله تعالى فإن الناظر يعلم بادىء ذي بدء بأن له رباً يسبب ما يشعُر به من وجود نفسه، ونعمة تركيبه، ثم يتغلغل في النظر فيَشعر بأن ربه هو المَلِكُ الحقُّ الغني عن الخلق، ثم يعلم أنه المستحق للعبادة فهو إلٰه الناس كلهم. و { ملك الناس } عطف بيان من { رب الناس } وكذلك { إله الناس } فتكرير لفظ { الناس } دون اكتفاء بضميره لأن عطف البيان يقتضي الإِظهار ليكون الاسم المبيِّن بكسر الياء مستقلاً بنفسه لأن عطف البيان بمنزلة علَم للاسم المبيَّن بالفتح. و { الناس } اسم جمع للبشر جميعهم أو طائفة منهم ولا يطلق على غيرهم على التحقيق. و { الوسواس } المتكلم بالوسوسة، وهي الكلام الخفيّ، قال رُؤبة يصف صائداً في قُتْرتِه
| **وَسْوَسَ يَدْعُو مُخلصاً ربَّ الفَلَقْ** | | |
| --- | --- | --- |
فالوسواس اسم فاعل ويطلق الوسواس بفتح الواو مجازاً على ما يخطر بنفس المرء من الخواطر التي يتوهمها مثل كلام يكلم به نفسه قال عُروة بن أذينة
| **وإذا وجَدْت لها وسَاوِسَ سَلوَةٍ شفَع الفؤادُ إلى الضمير فسَلَّها** | | |
| --- | --- | --- |
والتعريف في { الوسواس } تعريف الجنس وإطلاق { الوسواس } على معنييه المجازي والحقيقي يشمل الشياطين التي تلقي في أنفُس الناس الخواطر الشريرة، قال تعالى**{ فوسوس إليه الشيطان }** طه 120، ويشمل الوسواسُ كل من يتكلم كلاماً خفياً من الناس وهم أصحاب المكائد والمؤامرات المقصود منها إلحاق الأذى من اغتيال نفوس أو سرقة أموال أو إغراءٍ بالضلال والإِعراض عن الهدى، لأن شأن مذاكرة هؤلاء بعضهم مع بعض أن تكون سِراً لئلا يطلع عليها من يريدون الإِيقاعَ به، وهم الذين يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الدوائر ويغرون الناس بأذِيَّتِهِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
و { الخناس } الشديد الخنْس والكثيرُه. والمراد أنه صار عادة له. والخنس والخنوس الاختفاء. والشيطان يلقب بــــ { الخناس } لأنه يتصل بعقل الإِنسان وعزمه من غير شعور منه فكأنَّه خنس فيه، وأهل المكر والكيد والتختل خنّاسون لأنهم يتحينون غفلات الناس ويتسترون بأنواع الحيل لكيلا يشعر الناس بهم. فالتعريف في { الخناس } على وزانِ تعريف موصوفه، ولأن خواطر الشر يهم بها صاحبها فيطرق ويتردد ويخاف تبعاتها وتزجره النفس اللّوامة، أو يزَعه وازع الدين أو الحياء أو خوف العقاب عند الله أو عند الناس ثم تعاوده حتى يطمئن لها ويرتاض بها فيصمم على فعلها فيقترفها، فكأنَّ الشيطان يبدو له ثم يختفي، ثم يبدو ثم يختفي حتى يتمكن من تدليته بغرور. ووُصِفَ { الوسواس الخناس } بــــ { الذي يوسوس في صدور الناس } لتقريب تصوير الوسوسة كي يتقيها المرء إذا اعترته لخفائها، وذلك بأن بُيِّنَ أنَّ مكان إلقاء الوسوسة هو صدور الناس وبواطنهم فعبّر بها عن الإِحساس النفسي كما قال تعالى**{ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }** الحج 46 وقال تعالى**{ إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه }** غافر 56. وقال النبي صلى الله عليه وسلم **" الإثم ما حاك في الصدر وتردَّد في القلب "** ، فغاية الوسواس من وسوسته بثّها في نفس المغرور والمشبوكِ في فخّه، فوسوسة الشياطين اتصالاتُ جاذبيه النفوس نحو دَاعية الشياطين. وقد قرَّبها النبي صلى الله عليه وسلم في آثار كثيرة بأنواع من التقريب منها «أنها كالخراطيم يمدها الشيطان إلى قلب الإِنسان» وشبهها مرة بالنفث، ومرة بالإِبْسَاس. وفي الحديث **" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما "** وإطلاق فعل { يوسوس } على هذا العمل الشيطاني مجاز إذ ليس للشيطان كلام في باطن الإِنسان. وأما إطلاقه على تسويل الإِنسان لغيره عملَ السوء فهو حقيقة. وتعلّق المجرور من قوله { في صدور الناس } بفعل { يوسوس } بالنسبة لوسوسة الشيطان تعلق حقيقي، وأما بالنسبة لوسوسة الناس فهو مجاز عقلي لأن وسوسة الناس سبب لوقوع أثرها في الصدور فكان في كلِّ من فعل { يوسوس } ومتعلِّقه استعمال اللفظين في الحقيقة والمجاز. و { مِن } في قوله { من الجنة والناس } بيانية بينَتْ { الذي يوسوس في صدور الناس } بأنه جنس ينحلّ باعتبار إرادة حقيقته، ومجازه إلى صنفين صنف من الجنّة وهو أصله، وصنف من الناس وما هو إلا تبع وولي للصنف الأول، وجمَع الله هذين الصنفين في قوله**{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً }** الأنعام 112. ووجه الحاجة إلى هذا البيان خفاءُ ما ينجرّ من وسوسة نوع الإِنسان، لأن الأمم اعتادوا أن يحذرهم المصلحون من وسوسة الشيطان، وربما لا يخطر بالبال أن من الوسواس ما هو شر من وسواس الشياطين، وهو وسوسة أهل نوعهم وهو أشد خطراً وهم بالتعوذ منهم أجدر، لأنهم منهم أقرب وهو عليهم أخطر، وأنهم في وسائل الضر أدخل وأقدر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ولا يستقيم أن يكون { من } بياناً للناس إذ لا يطلق اسم { الناس } على ما يشمل الجن ومن زعم ذلك فقد أبْعَدَ. وقُدم { الجنة } على { الناس } هنا لأنهم أصل الوسواس كما علمت بخلاف تقديم الإنس على الجن في قوله تعالى**{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن }** الأنعام 112 لأن خُبثاء الناس أشد مُخالطة للأنبياء من الشياطين، لأن الله عصم أنبياءه من تسلط الشياطين على نفوسهم قال تعالى**{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين }** الحجر 42 فإن الله أراد إبلاغ وحيه لأنبيائه فزكّى نفوسهم من خبث وسوسة الشياطين، ولم يعصمهم من لحاق ضر الناس بهم والكيد لهم لضعف خطره، قال تعالى**{ وإذْ يمكر بك الذين كفروا ليُثبِتُوك أو يقتلوك أو يُخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }** الأنفال 30 ولكنه ضمن لرسله النجاة من كل ما يقطع إبلاغ الرسالة إلى أن يتم مراد الله. والجنة اسم جمع جني بياء النسب إلى نوع الجن، فالجني الواحد من نوع الجن كما يقال إنسيّ للواحد من الإِنس. وتكرير كلمة { الناس } في هذه الآيات المرتين الأوليين باعتبار معنى واحد إظهارٌ في مقام الإِضمار لقصد تأكيد ربوبية الله تعالى ومِلكه وإلٰهيته للناس كلهم كقوله تعالى**{ يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب }** آل عمران 78. وأما تكريره المرة الثالثة بقوله { في صدور الناس } فهو إظهار لأجل بُعد المعاد. وأما تكريره المرة الرابعة بقوله { من الجنة والناس } فلأنه بيان لأحد صنفي الذي يوسوس في صدور الناس، وذلك غير ما صَدْق كلمة { الناس } في المرّات السابقة. والله يكفينا شر الفريقين، وينفعنا بصالح الثقلين. تم تفسير «سورة الناس» وبه تم تفسير القرآن العظيم. يقول محمد الطاهر ابن عاشور قد وفيتُ بما نويت، وحقق الله ما ارتجيتُ فجئتُ بما سمح به الجُهد من بيان معاني القرآن ودقائق نظامه وخصائص بلاغته، مما اقتَبس الذهنُ من أقوال الأيمة، واقتدح من زَنْد لإِنارة الفكر وإلهاب الهمّة، وقد جئتُ بما أرجو أن أكون وُفِّقْتُ فيه للإِبانة عن حقائقَ مغفولٍ عنها، ودقائق ربما جَلَتْ وجوهاً ولم تَجْلُ كُنْهاً، فإن هذا مَنَال لا يبلغ العقلُ البشري إلى تمامه، ومن رام ذلك فقد رام والجوزاءُ دون مَرامِهْ. وإن كلام رب الناس، حقيق بأن يُخدم سَعياً على الرأس، وما أدَّى هذا الحقَّ إلاّ قلَم المفسر يسعَى على القرطاس، وإن قلمي طالما استَنَّ بشوط فسيح، وكم زُجر عند الكَلاَلِ والإِعْيَاءِ زَجْر المَنيح، وإذ قد أتى على التمام فقد حَقَّ له أن يستريح.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) | اختلف في الظرف هنا، هل هو ظرف للوسواس حينما يوسوس، فيكون موجوداً في الصدور، ويوسوس للقلب، أو هو ظرف للوسوسة. ويكون المراد بالصدور القلوب، لكونها حالة في الصدور من باب إطلاق المحل، وإرادة الحال على ما هو جار في الأساليب البلاغية.
وعلى حد قوله تعالى:**{ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }** [العلق: 17]، أطلق النادي، وأراد من يحل فيه من القوم.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث تعدية الوسوسة تارة بإلى وتارة باللام، ففي سورة الأعراف**{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ }** [الأعراف: 20]، وفي طه:**{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ }** [طه: 120].
وحاصل ما ذكره في الجمع بينهما أحد أمرين: إما أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، وذكر شواهده، وإما أن يكون وسوس له، أي لأجله ووسوس إليه أي أنهى إليه الوسوسة، ولكن هنا قال: { فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ، ولم يقل: إلى صدور الناس، فهل هو من باب نيابة حروف الجر بعضها عن بعض أيضاً؟ أم هي ظرف محض؟
والظاهر أنها ظرف، ولكن هل هو الظرف للوسواس، أو ظرف للوسوسة نفسها؟
وبالنظر إلى كلام المفسرين، فإن كلام ابن جرير يحتمل اعتبار المعنيين بدون تعيين.
وأما القرطبي، والألوسي، فصرحا بما ظهر لهما ووصلا إليه.
فقال القرطبي: قال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير يجري من مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وذكر الحديث **" إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه ".** وقال: إن أبا ثعلبة الخشني قال: سألت ربي أن يريني الشيطان، ومكانه من ابن آدم، فرأيته يداه في يديه ورجلاه في رجليه ومشاعيه في جسده، غير أن له خطماً كخطم الكلب؟ فإذا ذكر الله خنس، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه.
أما الألوسي فقد صرح بالتقسيم الذي أوردناه، فقال: الذي يوسوس في صدور الناس.
قيل: أريد قلوبهم مجازاً.
وقال بعضهم:إن الشيطان يدخل الصدر الذي هو بمنزلة الدهليز، فيلقي منه ما يريد إلقاءه إلى القلب ويوصله إليه، ولا مانع عقلاً من دخوله في جوف إنسان. وساق الحديث أيضاً **" إن الشيطان يجري "** إلى آخره.
ومراده بالمجاز ما قدمنا من إطلاق المحل وإرادة الحال.
وذكر ابن كثير عن ابن عباس ومجاهد أن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس.
والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن الصدر ظرف للوسواس، وأنه يوقع الوسوسة في القلب. على ما قاله ابن عباس ومجاهد رحمهم الله.
وفي لفظ الناس هنا المضاف إليه الصدور: اختلاف في المراد منه، فقيل: الإنس الظاهر الاستعمال.
وقيل: الثقلان: الإنس والجن.
وإن إطلاق الناس على الجن مسموع، كما حكاه القرطبي. قال عن بعض العرب:
إنه كان يحدث فجاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم: فقالوا: ناس من الجن، وهذا معنى قول الفراء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
واستدل صاحب هذا القول بطريق القياس باستعمال لفظي رجال ونفر في قوله تعالى:**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]، وقوله:**{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الأحقاف: 29].
وعليه يكون الوسواس المستعاذ منه يوسوس في صدور الجن والإنس.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوجه: ولكنه رده وضعفه، لأن لفظ الناس أظهر وأشهر في الإنس، وهو المعروف في استعمال القرآن، ولأنه على هذا يكون قسم الشيء قسماً منه، لأنه يجعل الناس قسيم الجن، ويجعل الجن نوعاً من الناس اهـ. ملخصاً.
وعلى كل، فإن منهج الأضواء أن ما كان محتملاً وكان أكثر استعمالات القرآن لأحد الاحتمالين، فإن كثرة استعماله إياه مرجحاً، وجميع استعمالات القرآن للفظ الناس إنما هو في خصوص الإنس فقط، ولم تستعمل ولا مرة واحدة في حق الجن مع مراعاة استعمالها في هذه السورة وحدها خمس مرات، حتى سميت سورة الناس.
أما القياس على لفظتي رجل ونفر، فقد رده شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً بأنهما وردا مقيدين رجال من الجن، نفراً من الجن.
أما على الإطلاق فلم يردا، وهكذا لفظ الناس فلا مانع من استعماله مقيداً ناس من الجن. أما على الإطلاق فلا.
وعليه، فحيث ورد لفظ الناس هنا مطلقاً فلا يصح حمله على الجن والإنس معاً، بل يكون خاصاً بالإنس فقط، ويكون في صدور الناس أي في صدور الإنس.
وقد ذكر أبو السعود معنى آخر في لفظ الناس: وهو أن الناسي عن النسيان، حذفت الياء تخفيفاً لأن الوسواس لا يوسوس إلا في حين النسيان والغفلة.
وعليه، يكون حذف الياء كحذفها من الداع في قوله:**{ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** [القمر: 6] ونحوه.
ولكن يبقى على هذا القول بيان من المراد بالناسي، أهو من الإنس أم من الجن، فلم يخرج الاحتمالين السابقين، مع أن هذا القول من لوازم معنى الوسواس الخناس.
ويرد على هذا القول جمع الصدور وإفراد الناس، والجمع لا يضاف إلى جمع، أي جمع الصدور، لأن الفرد ليس له جمع من الصدور، فيقابل الجمع بجمع، أو يكتفي بالمفرد بمفرد.
وقد جاء في إضافة الجمع إلى المثنى في قوله:**{ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }** [التحريم: 4].
قال أبو حيان: وحسنه أن المثنى جمع في المعنى، والجمع في مثل هذا أكثر استعمالاً من المثنى والتثنية دون الجمع.
كما قال الشاعر:
| **فتخالسا نفسيهما بنوافذ** | | **كنوافذ العيط التي لا ترفع** |
| --- | --- | --- |
وهذا كان القياس وذلك أن المعبر عن المثنى بالمثنى، لكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع بأن التثنية جمع في المعنى والإفراد، لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر.
كقوله:
| **حمامة بطن الواديين ترنمي** | | |
| --- | --- | --- |
يريد بطني، وغلط ابن مالك في التسهيل إذ قال: ونختار الإفراد على لفظ التثنية، فتراه غلط ابن مالك في اختياره جواز إضافة الجمع إلى المفرد، كما أنه قال: ولا يجوز ذلك إلا في الشعر، وأنه مع المثنى لكراهية اجتماع التثنيتين، فظهر بطلان قول أبي السعود.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
أما الراجح في الوجهين في معنى الناس المتقدم ذكرهما. فهو الوجه الأول، وهو أنهم الإنس، وأن قوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } ، بيان لمن يقوم بالوسوسة، أي بيان للوسواس الخناس وأنه من كل من وسواس الجنة ووسواس الناس.
ويظهر ذلك في أمور:
منها: أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته تبعاً له فهو في حق الناس أظهر.
ومنها: أننا لو جعلنا الناس الأولى عامة لمن يوسوس إليه كان من الجنة، والناس مصدر الوسوسة، فيكون من وسواس الناس من يوسوس في صدور الجن. وهذا بعيد.
ومنها: أنه لو كان لفظ الناس يشمل الجن والإنس، لما احتيج إلى هذا التقسيم الجنة والناس، واكتفى في الثانية بما اكتفى به في الأولى، وكان يكون الذي يوسوس في صدور الناس، ولكن جاء بيان محل الوسوسة صدور الناس، ثم جاء مصدر الوسوسة الجنة والناس، والله تعالى أعلم.
تنبيه
ذكر أبو حيان في آخر تفسيره مقارنة لطيفة بين سورتي المعوذتين، فقال: ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث، الرب، والملك، والإله، وإن اتحد المطلوب.
وفي الاستعاذة من ثلاث: الغاسق، والنفاثات، والحاسد، بصفة واحدة وهي الرب، وإن تكثر الذي يستعاذ منه.
وهذه الأخرى لفتة كريمة، طالما كنت تطلعت إليها في وجهتي نظر، إحداهما: بين السورتين، والأخرى بين سورة الناس ونسق المصحف الشريف، سيأتي إيرادهما إن شاء الله.
إلا أنه على وجهة نظر أبي حيان، وهي أنه تعالى في سورة الفلق جاء في الاستعاذة بصفة واحدة وهي رب الفلق.
وفي سورة الناس جاء في الاستعاذة بثلاث صفات، مع أن المستعاذ منه في الأولى ثلاثة أمور، والمستعاذ منه في الثانية أمر واحد، فلخطر الأمر الواحد جاءت الصفات الثلاث.
ويقال أيضاً من جهة أخرى: إن المستعاذ منه في السورة الأولى أمور تأتي من خارج الإنسان، وتأتيه اعتداء عليه من غيره، وقد تكون شروراً ظاهرة، ومثل ذلك قد يمكن التحرز منه أو اتقاؤه قبل وقوعه، وتجنبه إذا علم به. بينما الشر الواحد في الثانية يأتيه من داخليته وقد تكون هواجس النفس وما لا يقدر على دفعه، إذ الشيطان يرانا ولا نراه، كما في قوله:**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** [الأعراف: 27].
وقد يثر عليه خلجات نفسه ونوازع فكره، فلا يجد له خلاصاً إلا بالاستعاذة واللجوء إلى رب الناس ملك الناس إله الناس.
أما الوجهتان اللتان نوهنا عنهما، فالأولى بين السورتين وهي مما أورده أبو حيان: إذ في سورة الفلق قال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }** [الفلق: 1]، ورب الفلق تعادل قوله:**{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }** [الفاتحة: 2].
لأنه ما من موجود في هذا الكون إلا وهو مفلوق عن غيره.
ففي الزرع:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95].
وفي الزمن:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96].
وفي الحيوانات:**{ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً }** [النساء: 1].
وفي الجمادات يشير إلى قوله تعالى:**{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ }** [الأنبياء: 30-31].
فرب الفلق تعادل رب العالمين، فقابلها في الاستعاذة بعموم المستعاذ منه، من شر ما خلق.
ثم جاء ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به، وهو من شر غاسق إذا وقب، والنفاثات في العقد، وحاسد إذا حسد.
فالمستعاذ به صفة واحدة، والمستعاذ منه عموم ما خلق جملة وتفصيلاً، بينما في السورة الثانية جاء بالمستعاذ به ثلاث صفات العظمة لله تعالى: الرب والملك والإله.
فقابل المستعاذ منه وهو شيء واحد فقط، وهو الوسواس الخناس، وهذا يدل على شدة خطورة المستعاذ منه.
وهو كذلك، لأننا لو نظرنا في واقع الأمر لوجدنا مبعث كل فتنة ومنطلق كل شر عاجلاً أو آجلاً، لوجدناه بسبب الوسواس الخناس. وهو مرتبط بتاريخ وجود الإنسان.
وأول جناية وقعت على الإنسان الأول، إنما هي من هذا الوسواس الخناس، وذلك أن الله تعالى لما كرَّم آدم، فخلقه بيده وأسجد الملائكة له وأسكنه الجنة هو وزوجه لا يجوع فيها ولا يعرى، ولا يظمأ فيها ولا يضحى، يأكلان منها رغداً حيث ما شاءا، إلا من الشجرة الممنوعة، فوسوس إليهما الشيطان حتى أكلا منها ودلاهما بغرور، حتى أهبطوا منها جميعاً بعضهم لبعض عدو.
وبعد سكناهما الأرض أتى ابنيهما قابيل وهابيل فلاحقهما أيضاً بالوسوسة، حتى طوَّعت نفس أحدهما قتل أخيه فأصبح من النادمين.
وهكذا بسائر الإنسان في حياته بالوسوسة حتى يربكه في الدنيا، ويهلكه في الآخرة، ولقد اتخذ من المرأة جسراً لكل ما يريد. وها هو يعيد الكرة في نزع اللباس عن أبوينا في الجنة، فينتزعه عنهما في ظل بيت الله الحرام في طوافهم قبل البعثة ولا يزال يغويه، وعن طريق المرأة في كل زمان ومكان ليخرجه عن الاستقامة كما أخرج أبويه من الجنة.
ولا يزال يجلب على الإنسان بخيله ورجله باراً بقسمه بين يدي الله بعزته ليغوينهم أجمعين.
وإن أخطر أبواب الفساد في المجتمعات لهي عن المال أو الدم أو العرض، كما في الحديث في حجة الوداع: **" أن إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا "** إلى آخره.
وهل وجدت جناية على واحد منها، إلا من تأثير الوسواس الخناس. اللَّهم لا.
وهكذا في الآخرة.
وقد بين تعالى الموقف جلياً في مقالة الشيطان البليغة الصريحة:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ }** [إبراهيم: 22] الآية.
ولقد علم عدو المسلمين أن أخطر سلاح على الإنسان، هو الشك ولا طريق إليه إلا بالوسوسة، فأخذ عن إبليس مهمته وراح يوسوس للمسلمين في دينهم وفي دنياهم، ويشككهم في قدرتهم على الحياة الكريمة مستقلين عنه، ويشككهم في قدرتهم على التقدم والاستغلال الحقيقي، بل وفي استطاعتهم على الإبداع والاختراع، ليظلوا في فلكه ودائرة نفوذه، فيبقى المسلمون يدورون في حلقة مفرغة، يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى.
والمتشكك في نتيجة عمل لا يقدم عليه أبداً، بل ما يبنيه اليوم يهدمه غداً، وقد أعلن عن هذه النتيجة الخطيرة رئيس مؤتمر المستشرقين في الشرق الأوسط، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حينما انعقد المؤتمر في [بيروت] لعرض نتائج أعمالهم ودراسة وأساليب تبشيرهم.
فتشكى المؤتمرون من أن لهم زهاء أربعين سنة من عملهم المتواصل، ولم يستطيعوا أن ينصِّروا مسلماً، واحداً، فقال رئيس المؤتمر إذا لم نستطع أن ننصِّر مسلماً، ولكن استطعنا أن نوجد ذبذبة في الرأي، فقد نجحنا في عملنا.
وهكذا منهج العدو، تشكيك في قضايا الإسلام ليوجد ذبذبة في عقيدة المسلمين، فعن طريق الميراث تارة، وعن طريق تعدد الزوجات أخرى، وعن دوافع القتال، وعن استرقاق الرقيق، وعن وعن.
حتى وجد من أبناء المسلمين من يتخطى حدود الشك إلى التصديق، وأخذ يدعو إلى ما يدعو إليه العدو، وما ذاك كله إلا حصاد ونتائج الوسواس الخناس.
فلا غرو إذا أن تجمع الصفات الجليلة الثلاث: رب الناس، ملك الناس، إله الناس.هذه وجهة النظر الأولى بين سورتي الفلق والناس.
أما الوجهة الثانية وهي بين سورة الناس ونسق المصحف الشريف، بقوله تعالى:**{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }** [الفاتحة: 2-7].
وفي هذه البداية الكريمة بث الطمأنينة في القلب المعبر عنها بالحمد، عنوان الرضى والسعادة والإقرار لله بالربوبية، ثم الإيمان بالبعث والإقرار لله بملك يوم الدين، ثم الالتزام بالعبادة لله وحده والالتجاء إليه مستعيناً به، مستهدياً الصراط المستقيم، سائلاً صحبة الذين أنعم عليهم.
ثم يأتي بعدها مباشرة في أول سورة البقرة**{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }** [البقرة: 2]، أي أن الهدى الذي تنشده إلى الصراط المستقيم، فهو في هذا الكتاب لا ريب فيه، ثم بين المتقين الذي أنعم الله عليهم بقوله:**{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }** [البقرة: 3-4].
ومرة أخرى للتأكيد: أولئك لا سواهم على هدى من ربك وأولئك هم المفلحون.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم تترسل السورة في تقسيم الناس إلى الأقسام الثلاثة: مؤمنين وكافرين ومذبذبين بين بين وهم المنافقون.
ثم يأتي النداء الصريح وهو أول نداء في المصحف لعموم الناس**{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }** [البقرة: 21]، ويقيم البراهين على استحقاقه للعبادة وعلى إمكان البعث بقوله:**{ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }** [البقرة: 21-22].
وبعد تقرير الأصل وهي العقيدة، تمضي السورة في ذكر فروع الإسلام، فتشتمل على أركان الإسلام كلها وعلى كثير من مسائل المعاملات والجهاد، وقلَّ من أبواب الفقه إلا وله ذكر في هذه السورة، ويأتي ما بعدها مبيناً لما أجمل فيها أو لما يذكر ضمنها.
وهكذا حتى ينتهي القرآن بكمال الشريعة وتمام الدين.
ولما جاء في وصف المتقين المهتدين في أول المصحف، أنهم يؤمنون بالغيب ومنه الإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وعقاب وثواب، أمور الغيب تستلزم اليقين، لترتب الجزاء عليه ثواباً أو عقاباً.
والثواب: والعقاب هما نتيجة الفعل والترك.
والفعل والترك: هما مناط التكليف، لأن الإنسان يمتثل الأمر رجاء الثواب، ويكف عن متعلق النهي مخافة العقاب.
فلكأن نسق المصحف يشير إلى ضرورة ما يجب الانتباه إليه، من أن القرآن بدأ بالحمد ثناءً على الله بما أنعم على الإنسان بإنزاله، وإرسال الرسول صاحبه به، ثم نقله من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، وهو الأعظم قدراً وخطراً، ثم رسم له الطريق الذي سلكه المهتدون أهل الإنعام والرضى، ثم أوقفه عليه ليسلك سبيلهم.
وهكذا إلى أن جاء به بعد كمال البيان والإرشاد والهداية، جاء به إلى نهاية هذا الصراط المستقيم، فاستوقفه ليقول له إذا اطمأننت لهذا الدين، وآمنت بالله رب العالمين، واعتقدت مجيء يوم الدين، وعرفت طريق المهتدين ورأيت أقسام الناس الثلاث مؤمنين وكافرين ومنافقين، ونهاية كل منهم، فالزم هذا الكتاب، وسر على هذا الصراط ورافق أهل الإنعام، وجانب المغضوب عليهم والضالين، واحذر من مسلك المنافقين المتشككين، وحاذر كل الحذر من موجب ذلك كله، وهو الوسواس الخناس، أن يشكك في متعلقات الإيمان، أو في استواء طريقك واستقامته أو في عصمة كتابك وكماله، وكن على يقين مما أنت عليه، ولا تنس خطره على أبويك من قبل، إذ هما في الجنة دار السلام ولم يسلما منه، ودلاَّلهما بغرور فحاذر منه ولُذْ بي كلما ألمَّ بك أو مسَّك طائف منه، وكن كسلفك الصالح إذا مسَّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون.
وقد علمت عداوته لك من بعد، وعداوته ناشئة عن الحسد.
ولكأن ارتباط السورتين ليشير إلى منشأ تلك العداوة وارتباطها بها التحذير، إذ في الأولى: ومن شر حاسد إذا حسد، فحسد الشيطان آدم على إكرام الله إياه كما أسلفنا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والعدو الحاسد لا يرضيه إلا زوال النعمة عن المحسود، ولئن كانت توبة آدم هي سبيل نجاته، كما في قوله تعالى:**{ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ }** [البقرة: 37].
فنجاتك أيضاً في كلمات تستعيذ بها من عدوك: برب الناس ملك الناس إله الناس، لأن الرب هو الذي يرحم عباده، وملك الناس هو الذي يحميهم ويحفظهم ويحرسهم. وإله الناس الذي يتألهون إليه ويتضرعون ويلوذون به سبحانه.
تنبيه
إذا كان هذا كله خطر الوسواس الخناس من الجنة والناس، وهما عدو مشترك ومتربص حاقد حاسد، فما طريق النجاة منه؟
الذي يظهر، والله تعالى أعلم: أن طريق النجاة تعتمد على أمرين:
الأول: يؤخذ من عمومات الكتاب والسنة.
والثاني: سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه.
أما الأول فهو: إذا كانت مهمة الوسوسة التشكيك والذبذبة والتردد، فإن عمومات التكليف تلزم المسلم بالعزم واليقين والمضي دون تردد كما في قوله:**{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ }** [آل عمران: 159]، وامتدح بعض الرسل بالعزم وأمر بالاقتداء بهم**{ فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ }** [الأحقاف: 35].
وقال: صلى الله عليه وسلم: **" دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ".** والقاعدة الفقيهة **" اليقين لا يرفع بشك ".** والحديث: **" يأتي الشيطان لأحدكم وهو في الصلاة فينفخ في مقعدته، فيتخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث، فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً ".** ومن هنا كانت التكاليف كلها على اليقين، فالعقائد لا بد فيها من اليقين.
والفروع في العبادات لا بد فيها من النية **" إنما الأعمال بالنيات ".** والشرط في النية الجزم واليقين، فلو نوى الصلاة على أنه إن حضر فلان تركها، لا تنعقد نيته، ولو نوى صوماً أنه إن شاء أفطر، لا ينعقد صومه.
ونص مالك في الموطإ، أنه نوى ليوم الشك في ليلته الصوم غداً، على أنه إن صح من رمضان فهو لرمضان، وإلا فهو نافلة، لا ينعقد صومه لا فرضاً ولا نفلاً حتى لو جاء رمضان لا يعتبر له منه، وعليه قضاؤه لعدم الجزم بالنية.
والحج: لو نواه لزمه ولزمه المضي فيه، ولا يملك الخروج منه باختياره.
وهكذا المعاملات في جميع العقود مبناها على الجزم حتى في المزح واللعب، يؤاخذ في البعض كالنكاح والطلاق والعتاق.
فمن هذا كله، كانت دوافع العزيمة مستقاة من التكاليف، مما يقضي على نوازع الشك والتردد، ولم يبق في قلب المؤمن جال لشك ولا محل لوسوسة.
وقد كان الشيطان يفر من طريق عمر رضي الله عنه.
أما الذي كنت سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه فقوله: لقد علمنا الله كيفية اتقاء العدو من الإنس ومن الجن.
أما العدو من الإنس ففي قوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }** [فصلت: 34].
فدل على أن مقابلة إساءة العدو بالإحسان إليه تذهب عداوته، وتكسب صداقته، كما قال تعالى: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } السيئة.
وأما عدو الجن ففي قوله تعالى:**{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }** [فصلت: 36].
وهو ما يدل عليه ما تقدم من الآثار من أن الشيطان يخنس إذا سمع ذكر الله.
وعلى قوله رحمه الله: فإن شيطان الجن يندفع بالاستعاذة منه بالله، ويكفيه ذلك، لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً.
أما شيطان الإنس فهو في حاجة إلى مصانعة ومدافعة والصبر عليه، كما يرشد إليه قوله تعالى:**{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }** [فصلت: 35].
رزقنا الله تعالى وجميع المسلمين حظاً عظيماً في الدنيا والآخرة، إنه المسؤول، وخير مأمول.
روى ابن كثير حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يتعوذ من أعين الجن والإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروي **" عن عبد الله الأسلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال: " قل ": فلم أدر ما أقول.** **ثم قال لي: " قل ". فقلت: هو الله أحد، ثم قال لي: قل. قلت: أعوذ برب الفلق من شر ما خلق حتى فرغت منها، ثم قال لي قل. قلت: أعوذ برب الناس حتى فرغت منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هكذا فتعوّذ. وما تعوَّذ المتعوذون بمثلهن قط " ".** والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على أفضل خلقه وأكرمهم عليه، من اصطفاه لرسالته وشرفنا ببعثته، وختم به رسله وكرَّمنا به وهدانا لاتباعه، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين. إنه سميع مجيب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ من شر الوسواس الخناس والسورة مدنية كسابقتها على ما يستفاد مما ورد في سبب نزولها بل المستفاد من الروايات أن السورتين نزلتا معاً. قوله تعالى { قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس } من طبع الإِنسان إذا أقبل عليه شر يحذره ويخافه على نفسه وأحس من نفسه الضعف أن يلتجئ بمن يقوى على دفعه ويكفيه وقوعه والذي يراه صالحاً للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة إما رب يلي أمره ويدبره ويربيه يرجع إليه في حوائجه عامة، ومما يحتاج إليه في بقائه دفع ما يهدده من الشر، هذا سبب تام في نفسه، وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك، وهذا أيضاً سبب تام مستقل في نفسه. وهناك سبب ثالث وهو الإِله المعبود فإن لازم معبودية الإِله وخاصة إذا كان واحداً لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلا إياه ولا يرجع في شيء من حوائجه إلا إليه فلا يريد إلا ما أراده ولا يعمل إلا ما يشاؤه. والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفاة الثلاث لنفسه في قوله**{ ذلٰكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون }** الزمر 6 وأشار تعالى إلى سببية ربوبيته وألوهيته بقوله**{ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً }** المزمل 9، وإلى سببية ملكه بقوله**{ له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور }** الحديد 5 فإن عاذ الإِنسان من شر يهدده إلى رب فالله سبحانه هو الرب لا رب سواه وإن أراد بعوذه ملكاً فالله سبحانه هو**{ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير }** التغابن 1 وإن أراد لذلك إلهاً فهو الإِله لا إله غيره. فقوله تعالى { قل أعوذ برب الناس } الخ أمر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ به لأنه من الناس وهو تعالى رب الناس ملك الناس إله الناس. ومما تقدم ظهر أولاً وجه تخصيص الصفات الثلاث الرب والملك والإِله من بين سائر صفاته الكريمة بالذكر وكذا وجه ما بينها من الترتيب فذكر الرب أولاً لأنه أقرب من الإِنسان وأخص ولاية ثم الملك لأنه أبعد منالاً وأعم ولاية يقصده من لا ولي له يخصه ويكفيه ثم الإِله لأنه ولي يقصده الإِنسان عن إخلاصه لا عن طبعه المادي. وثانياً وجه عدم وصل قوله { ملك الناس إله الناس } بالعطف وذلك للإِشارة إلى كون كل من الصفات سبباً مستقلاً في دفع الشر فهو تعالى سبب مستقل لكونه رباً لكونه ملكاً لكونه إلهاً فله السببية بأي معنى أُريد السبب وقد مر نظير الوجه في قوله { الله أحد الله الصمد }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وبذلك يظهر أيضاً وجه تكرار لفظ الناس من غير أن يقال ربهم وإلههم فقد أُشير به إلى أن كلا من الصفات الثلاث يمكن أن يتعلق بها العوذ وحدها من غير ذكر الاخريين لاستقلالها ولله الأسماء الحسنى جميعاً، وللقوم في توجيه اختصاص هذه الصفات وسائر ما مر من الخصوصيات وجوه لا تغني شيئاً. قوله تعالى { من شرِّ الوسواس الخنَّاس } قال في المجمع الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي انتهى فهو مصدر كالوسوسة كما ذكره وذكروا أنه سماعي والقياس فيه كسر الواو كسائر المصادر من الرباعي المجرد وكيف كان فالظاهر كما استظهر أن المراد به المعنى الوصفي مبالغة، وعن بعضهم أنه صفة لا مصدر. والخنّاس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور قيل سمي الشيطان خناساً لأنه يوسوس للإِنسان فإذا ذكر الله تعالى رجع وتأخر ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته. قوله تعالى { الذي يوسوس في صدور الناس } صفة للوسواس الخناس، والمراد بالصدور هي النفوس لأن متعلق الوسوسة هو مبدأ الإِدراك من الإِنسان وهو نفسه وإنما أُخذت الصدور مكاناً للوسواس لما أن الإِدراك ينسب بحسب شيوع الاستعمال إلى القلب والقلب في الصدر كما قال تعالى**{ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }** الحج 46. قوله تعالى { من الجنة والناس } بيان للوسواس الخناس وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم كما قال تعالى**{ شياطين الإِنس والجن }** الأنعام 112. بحث روائي في المجمع أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو شاك فرقاه بالمعوذتين وقل هو الله أحد وقال بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك خذها فلتهنيك فقال بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس إلى آخر السورة. أقول وتقدم بعض الروايات الواردة في سبب نزول السورة. وفيه روي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا نسي التقم فذلك الوسواس الخناس "** وفيه روي العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم **" ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أُذنان أُذن ينفث فيها الملك وأُذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك، وهو قوله سبحانه { وأيدهم بروح منه } "** وفي أمالي الصدوق بإسناده إلى الصادق عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } صعد إبليس جبلاً بمكة يقال له ثوير فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا؟ قال نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها بكذا وكذا. قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها. فقال الوسواس الخنّاس أنا لها. قال بماذا؟ قال أعدهم وأُمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة. أقول تقدم بعض الكلام في الشيطان في أوائل الجزء الثامن من الكتاب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | أى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وألتجئ وأعتصم " برب الناس " أى بمربيهم ومصلح أمورهم، وراعى شئونهم.. إذ الرب هو الذى يقوم بتدبير أمر غيره، وإصلاح حاله.. { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أى المالك لأمرهم ملكا تاما. والمتصرف فى شئونهم تصرفا كاملا.. { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أى الذى يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة لأنه هو وحده الذى خلقهم وأوجدهم فى هذه الحياة، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى.. وبدأ - سبحانه - بإضافة الناس إلى ربهم، لأن الربوبية من أوائل نعم الله - تعالى - على عباده، وثنى بذكر المالك، لأنه إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مدركا، وختم بالإِضافة إلى الألوهية، لأن الإِنسان بعد أن يدرك ويتعلم، يدرك أن المستحق للعبادة هو الله رب العالمين. قال الجمل وقد وقع ترتيب هذه الإِضافات على الوجه الأكمل، الدال على الوحدانية، لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة، علم أن له مربيا، فإذا درج فى العروج.. علم أنه - تعالى - غنى عن الكل، والكل راجع إليه، وعن أمره تجرى أمورهم، فيعلم أنه ملكهم، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها.. وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس - مع أنه - سبحانه - رب كل شئ - على سبيل التشريف لجنس الإِنسان، ولأن الناس هم الذين أخطأوا فى حقه - تعالى -، إذ منهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد النار، ومنهم من عبد الشمس إلى غير ذلك من المعبودات الباطلة التى هى مخلوقة له - تعالى -. قال صاحب الكشاف فإن قلت لم قيل " برب الناس " مضافا إليهم خاصة؟ قلت لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس فى صدور الناس. فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم، الذى يملك عليهم أمورهم، كما يستغيث بعض الموالى إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم. فإن قلت " ملك الناس. إله الناس " ما هما من رب الناس؟ قلت هما عطفا بيان، كقولك سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس.. فإن قلت فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذى هو الناس مرة واحدة؟ قلت أظهر المضاف إليه الذى هو الناس لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإِظهار دون الإِضمار.. وقوله - سبحانه - { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } متعلق بقوله { أَعُوذُ }. والوسواس اسم للوسوسة وهى الصوت الخفى، والمصدر الوِسْوَاس - بالكسر -، والمراد به هنا الوصف. من باب إطلاق اسم المصدر على الفاعل، أو هو وصف مثل الثرثار. و " الخناس " صيغة مبالغة من الخنوس، وهو الرجوع والتأخر، والمراد به الذى يلقى فى نفس الإِنسان أحاديث السوء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } صفة لهذا الوسواس الخناس وزيادة توضيح له.. وقوله { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } زيادة بيان للذى يوسوس فى صدور الناس، وأن الوسوسة بالسوء تأتى من نوعين من المخلوقات تأتى من الشياطين المعبر عنهم بالجِنّةِ.. وتأتى من الناس. وقدم - سبحانه - الجِنَّة على الناس، لأنهم هم أصل الوسواس، إذ أنهم مختفون عنا، ولا نراهم، كما قال - تعالى -**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** فلفظ الجِنَّة - بكسر الجيم - مأخوذ من الجَنِّ - بفتح الجيم - على معنى الخفاء والاستتار. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأعتصم وأستجير، برب الناس، ومالكهم ومعبودهم الحق، من شر الشيطان الموسوس بالشر، والذى يخنس ويتأخر ويندحر، إذا ما تيقظ له الإِنسان، واستعان عليه بذكر الله - تعالى -. والذى من صفاته - أيضا - أنه يوسوس فى صدور الناس بالسوء والفحشاء، حيث يلقى فيها خفية، ما يضلها عن طريق الهدى والرشاد. وهذا الوسواس الخناس، قد يكون من الجن، وقد يكون من الإِنس، فعليك - أيها الرسول الكريم - أن تستعيذ بالله - تعالى - من شر النوعين جميعا. قال - تعالى -**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً... }** قال قتادة إن من الجن شياطين، وإن من الإِنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإِنس والجن. وقال الإِمام ابن كثير هذه ثلاث صفات من صفات الله - عز وجل - الربوبية، والملك، والألوهية. فهو رب كل شئ ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له.. فأمر سبحانه - المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات، من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإِنسان، فإنه ما من أحد من بنى آدم، إلا وله قرين يزين له الفواحش.. والمعصوم من عمصه الله. وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال **" " ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه " ، قالوا وأنت يا رسول الله؟ قال " نعم، إلا أن الله - تعالى - أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير ".** ومن الأحاديث التى وردت فى فضل هذه السور الثلاث الإِخلاص والمعوذتين، ما أخرجه البخارى عن عائشة - رضى الله عنها - **" أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ هذه السور، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، ويبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | { قل أعوذ برب الناس }. { ملك الناس }. { إله الناس }.
{ من شرِّ الوسواس } [يعني: ذا الوسواس] وهو الشيطان { الخناس } وهو الذي يخنس ويرجع إذا ذُكر الله، والشَّيطان جاثمٌ على قلب الإِنسان، فإذا ذَكر الله تنحَّى وخنس، وإذا غفل التقم قلبه فحدَّثه ومنَّاه، وهو قوله:
{ الذي يوسوس في صدور الناس }.
{ من الجِنَّة } أَيْ: الشيطان الذي هو من الجنِّ { والناس } عطف على قوله: الوسواس. والمعنى: من شرِّ ذي الوسواس ومن شر النَّاس، كأنَّه أُمر أن يستعيذه من شرِّ الجنِّ ومن شر النَّاس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- قل: أعتصم برب الناس ومدبِّر شئونهم.
2- مالك الناس ملكاً تاماً حاكمين أو محكومين.
3- إله الناس القادر على التصرف الكامل فيهم.
4- من شر الموسوس للناس الذى يمتنع إذا استعنت عليه بالله.
5- الذى يُلقى - فى خفية - فى صدور الناس ما يصرفها عن سبيل الرشاد.
6- من الجن والإنس.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
أعوذ: أي أتحصن وأستجير.
برب الناس: أي خالقهم ومالكهم.
ملك الناس: أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم.
إله الناس: أي معبود الناس بحق إذ لا معبود سواه.
من شر الوسواس: أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملابسته له.
الخناس: أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر الله تعالى.
في صدور الناس: أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى.
من الجنة والناس: أي من شيطان الجن ومن شيطان الإِنس.
معنى الآيات:
قوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } هذه السورة هي إحدى المعوذتين الأولى الفلق وهذه الناس والأولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق والثانية من شر ما يحدث في الظلام ظلام الليل أو ظلام القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الأربع على كل ما يخاف لأذاه وضرره أما سورة الناس فإِنها قد اشتملت على شر واحد إلا أنه أخطر من تلك الأربع وذلك لتعلقه بالقلب، والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. فقوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي لا إله لهم سواه من شر الوسواس الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقى الشبه في القلب، والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى، وقوله تعالى { ٱلْخَنَّاسِ } هذا وصف للشيطان من الجن فإِنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكانه غاب ولم يغب فإِذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة.
وقوله تعالى { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يعني أن الموسوس للإِنسان كما يكون من الجن يكون من الناس والإِنسان يوسوس بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح. والقاء الشبه في النفس، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر الإِنسان على الإِنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإِنسان، إذ الشيطان من الجن يطرد بالاستعاذة وشيطان الإِنس لا يطرد بها وإنما يصانع ويُدَارَى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر الإِنس والجن، فأعذنا ربّنا فإِنه لا يعيذنا إلا أنت ربنا ولك الحمد والشكر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- وجوب الاستعاذة بالله تعالى من شياطين الإِنس والجن.
2- تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته عز وجل.
3- بيان لفظ الاستعاذة وهو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما بيّنته السنة الصحيحة إذ تلاحى رجلان في الروضة النبوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم **" إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه أي الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [آية: 1] أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ برب الناس هو { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [آية: 2] بملكهم فى برهم ومجرمهم، وفاجرهم، وصالحهم، وطالحهم، وهو { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [آية: 3] كلهم { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } [آية: 4] وهو الشيطان في صورة خنزير معلق بالقلب في جسد ابن آدم، وهو يجري مجرى الدم، سلطه الله على ذلك من الإنسان، فذلك قوله: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [آية: 5] فإذا انتهى ابن آدم وسوس في قلبه حتى يتبلع قلبه، والخناس الذي إذا ذكر الله ابن آدم خنس عن قلبه، فذهب عنه، ويخرج عن جسده، ثم أمره الله أن يتعوذ { مِنَ } شر { ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [آية: 6] يعني الجن والإنس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | ربّ الناس: الله عز وجلّ، مربي الناس، وراعي شئونهم. الوسواس: الموسوِس الذي يلقى حديثَ السوء في الأنفس. الخنّاس: الذي يتوارى ويختفي عندما يكون الانسانُ يقظاً مسلَّحاً بالإيمان، ويذكر الله. من الجِنّة: من الجنّ.
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }
قل يا محمد، إنني أعتصِم بالله، الخالقِ، مربي الناس وألتجئ إليه.
{ مَلِكِ ٱلنَّاسِ }
مالك الناس ومدبّر أمورهم، حاكمين ومحكومين، هو يحكمهم جميعاً، ويربّيهم بإفاضة ما يُصْلِحُهم وما يدفع الضررَ عنهم.
{ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }
هو معبودُهم الذي لا ربَّ لهم سواه، القادرُ على التصرّف الكامل بهم.
وهذه ثلاث صفاتٍ من صفات الرب عز وجلّ: " الربوبية " و " الملك " و " الألوهية ".
فهو ربّ كل شيء، ومليكُه والهه.. لذلك فقد أَمرنا أن نعوذَ به هو، المتصف بهذه الصفات السامية. ثم بين صفاتِ الوسواس بقوله:
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }
الوسواس الخنّاس الذي يُلقي في صدور الناس صنوفَ الوساوس والأوهام ليصرِفَهم عن سبيلِ الهدى والرشاد.
وهذا الوسواسُ الخنّاس قد يكون من الجِنّ، وقد يكون من البشَر. كما جاء ذلك صريحا في قوله تعالى**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112].
وشياطينُ الإنسِ أشدُّ فتكاً وخطَرا من شياطين الجن. فكثيراً ما يأتيك إنسانٌ لئيم يُسدي إليك نصائحَ وهو كاذبٌ يقصِد من ورائها لَكَ الشرَّ فيدسُّ السّمَّ في الدَسَم.
اللهم جَنّبنا كلّ شر، وادفع عنا أذى شياطين الإنس والجنّ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (5) - وَهَذَا الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَيُزَيِّنُ لَهُم الشَّرَّ وَالسُّوءَ لِيَصْرِفَهُمْ عَنْ سَبِيلِ الهُدَى وَالإِيْمَانِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } يعني الشيطان، ويكون مصدراً واسماً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ | * تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) | أَخبرنا عبد الرحمن قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا حبان عن الأَعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } [الآية: 4]. قال: الوسواس هو الشيطان. يولد المولود، والوسواس على قلبه، فهو يصرفه (.................) الله، عز وجل، خنس. وإِذا غفل، جثم على قلبه فوسوس.
/95 و/ أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاءُ عن ابن ابي نجيح: عن مجاهد قال: { ٱلْوَسْوَاسِ }: الشيطان. فمه على قلب الإِنسان، فاذا ذكر الله، عز وجل، خنس. فذلك قوله: { ٱلْخَنَّاسِ } [الآية: 4].
أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أَبو فضالة، قال: ثنا عروة بن رويم اللخمي، أَن عيسى ابن مريم، عليه السلام، دعا ربه، تبارك وتعالى، أَن يريه موضع إِبليس من بني آدم، فتجلى له إِبليس، فاذا رأْسه مثل رأْس الحية. واضعاً رأْسه على ثمرة القلب، فاذا ذكر العبد ربه عز وجل، خنس إِبليس برأْسه، وإِذا ترك الذكر، منَّاه وحدثه. يقول الله، عز وجل: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ \* ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الآية: 4 ـ 5].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) | قوله: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ }: يجوز جَرُّه نعتاً وبدلاً وبياناً لجَريانه مَجْرى الجوامِد، ونصبُه ورفعُه على القطع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { ٱلْوَسْوَاسِ } الشيطان الموسوس، مشتق من الوسوسة وهي الكلام الخفي وحديث النفس قال الأعشى:
| **" تسمعُ لِلحَلْي وسْواساً إِذا انصرفت "** | | |
| --- | --- | --- |
{ ٱلْخَنَّاسِ } الذي عادته أن يخنس أي يتوارى ويختفي ويتأخر يقال: خنس الظبي إِذا اختفى، وسمي الشيطان خناساً لأنه يتوارى ويختفي إِذا ذكر العبد ربه، فإِذا غفل عن ذكر الله عاد فوسوس له والخنوس: التأخر { ٱلْجِنَّةِ } بكسر الجيم الجنُّ جمع جني، وبضم الجيم الوقاية وفي الحديث **" الصوم جُنة "** أي وقاية من عذاب الله.
التفسِير: { قُلْ أَعُوذُ } أي قل يا محمد أعتصم وألتجىء وأستجير { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } أي بخالق الناس ومربيهم ومدبر شئونهم، الذي أحياهم وأوجدهم من العدم، وأنعم عليهم بأنواع النعم قال المفسرون: إِنما خصَّ الناس بالذكر - وإِن كان جلت عظمته رب جميع الخلائق - تشريفاً وتكريماً لهم، من حيث إِنه تعالى سخَّر لهم ما في الكون، وأمدهم بالعقل والعلم، وأسجد لهم ملائكة قدسه، فهم أفضل المخلوقات على الإِطلاق { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أي مالك جميع الخلق حاكمين ومحكومين، ملكاً تاماً شاملاً كاملاً، يحكمهم، ويضبط أعمالهم، ويدبّر شئونهم، فيعز ويذل، ويغني ويُفقر { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أي معبودهم الذي لا ربَّ لهم سواه قال القرطبي: وإِنما قال { مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } لأن في الناس ملوكاً فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره فذكر إِنه إِلههم ومعبودهم، وأنه الذي يجب إن يستعاذ به ويُلجأ إِليه، دون الملوك والعظماء، وترتيب السورة بهذا الشكل في منتهى الإِبداع، وذلك لأن الإِنسان أولاً يعرف أن له رباً، لما يشاهده من أنواع التربية { رَبِّ ٱلنَّاسِ } ثم إِذا تأمل عرف أن هذا الرب متصرفٌ في خلقه، غني عن خلقه فهو الملك لهم { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ثم إِذا زاد تأمله عرف أنه يستحق أن يُعبد، لأنه لا عبادة إِلا للغني عن كل ما سواه، المفتقر إِليه كل ما عداه { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } وإِنما كرر لفظ الناس ثلاثاً ولم يكتف بالضمير، لإِظهار شرفهم وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، كما حسن التكرار في قول الشاعر:
| **لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيء** | | **نغَّص الموتُ ذا الغِنَى والفقيرا** |
| --- | --- | --- |
قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل " الربوبية " و " الملك " و " الإِلهية " فهو ربُّ كل شيء ومليكه وإِلهه، وجميع الأشياء مخلوقة ومملوكة له، فأُمر المستعيذُ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } أي من شر الشيطان الذي يلقي حديث السوء في النفس، ويوسوس للإِنسان ليغريه بالعصيان { ٱلْخَنَّاسِ } الذي يخنس أن يختفي ويتأخر إِذا ذكر العبد ربه، فإِذا غفل عن الله عاد فوسوس له وفي الحديث **" إِن الشيطان واضح خطمه - أنفه - على قلب ابن آدم، فإِذا ذكر الله خنس، وإِذا نسي الله التقم قلبه فوسوس "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
" { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } أي الذي يلقي لشدة خبثه في قلوب البشر صنوف الوساوس والأوهام قال القرطبي: ووسوستُه هو الدعاء لطاعته بكلام خفي يصل مفهومه الى القلب من غير سماع صوت { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } { مِنَ } بيانية أي هذا الذي يوسوس في صدور الناس، هو من شياطين الجن والإِنس كقوله تعالى**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112] فالآية استعاذة من شر الإِنس والجن جميعاً، ولا شك أن شياطين الإِنس، أشدُّ فتكاً وخطراً من شياطين الجن، فإِن شيطان الجن يخنس بالاستعاذة، وشيطان الإِنس يزين له الفواحش ويغريه بالمنكرات، ولا يثنيه عن عزمه شيء، والمعصوم من عصمه الله.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- الإِضافة للتشريف والتكريم { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } وفي الآيتين بعدها.
2- الأطناب بتكرار الاسم { رَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ\* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } زيادة في التعظيم لهم، والاعتناء بشأنهم، ولو قال (ملكهم، إِلههَم) لما كان لهم هذا الشأن العظيم.
3- الطباق بين { ٱلْجِنَّةِ } و { ٱلنَّاسِ }.
4- جناس الاشتقاق { يُوَسْوِسُ..و.. ٱلْوَسْوَاسِ } ثم ما في السورة من الجرس الموسيقي، الذي يفضل الألحان بعذوبة البيان، وذلك من خصائص القرآن.
تنبيه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أوى إِلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والمعوذتين، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثاً ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | هذه ثلاث صفات من صفات الرب عزَّ وجلَّ: (الربوبية) و(الملك) و(الإلٰهية)، فهو رب كل شيء ومليكه وإلٰهه، فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلاّ وله قرين يزيّن له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عصمه الله، وقد ثبت في الصحيح: **" " ما منكم من أحد إلاّ وقد وكل به قرينه " قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: " نعم إلاّ أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلاّ بخير " "** وثبت في الصحيحين **" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً - أو قال - شراً "** وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي، عن أنَس بن مالك، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس "** وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب، قال ابن عباس في قوله: { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس.
وقوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر، أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليباً، وقوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } هل هو تفصيل لقوله: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ثم بيّنهم فقال: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } وهذا يقوي القول الثاني، وقيل قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى:**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112]، وكما قال الإمام أحمد عن أبي ذر قال: **" أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: " يا أبا ذر هل صليت؟ " قلت: لا، قال: " قم فصل " قال: فقمت فصليت، ثم جلست فقال: " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " ، قال، فقلت: يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال: " نعم " "** ، وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس قال: **" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء، لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أتكلم به، قال؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } إن قيل لم أضاف الرب إلى الناس خاصة وهو رب كل شيء؟ فالجواب: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس، فخصهم بالذكر لأنهم المعوذين بهذا التعويذ والمقصودون هنا دون غيرهم { مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هذا عطف بيان، فإن قيل: لم قدم وصفه تعالى برب ثم بملك ثم بإلٰه؟ فالجواب أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى وذلك أن الرب قد يطلق على كثير من الناس، فيقال فلان رب الدار، وشبه ذلك فبدأ به لاشتراك معناه، وأما الملك فلا يوصف به إلا أحد من الناس، وهم الملوك ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جاء به بعد الرب، وأما الإلٰه فهو أعلى من الملك ولذلك لا يدعي الملوك أنهم آلهة فإنما الإلٰه واحد لا شريك له ولا نظير فلذلك ختم به. فإن قيل: لم أظهر المضاف إليه وهو الناس في المرة الثانية والثالثة فهلا أضمره في المرتين لتقديم ذكره في قوله برب الناس أو هلا اكتفى بإظهاره في المرة الثانية؟ فالجواب أنه لما كان عطف بيان حسن فيه البيان وهو الإظهار دون الإضمار، وقصد أيضاً الاعتناء بالمكرر ذكره كقول الشاعر:
| **لا أرى الموت يسبق الموت شيء** | | **يبغص الموت ذا الغنى والفقير** |
| --- | --- | --- |
{ ٱلْوَسْوَاسِ } وهو مشتق من الوسوسة وهي الكلام الخفي، فيحتمل أن يكون الوسواس بمعنى الموسوس فكأنه اسم فاعل وهذا يظهر من قول ابن عطية: الوسواس من أسماء الشيطان، ويحتمل أن يكون مصدراً وصف به الموسوس على وجه المبالغة، كعدَّل وصوَّم أو على حذف مضاف تقديره ذي الوسواس، وقال الزمخشري: إنما المصدر وسواس بالكفر { ٱلْخَنَّاسِ } معناه الراجع على عقبه المستمر أحياناً وذلك متمكن في الشيطان فإنه يوسوس فإذا ذكر العبدُ الله وتعوذ به منذ تباعد عنه، ثم رجع إليه عند الغفلة عن الذكر، وهو يخنس في تباعده ثم في رجوعه بعد ذلك.
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } وسوسة الشيطان في صدر الإنسان بأنواع كثيرة منها: إفساد الإيمان والتشكيك في العقائد فإن لم يقدر على ذلك أمره بالمعاصي، فإن لم يقدر على ذلك ثبَّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل عليه الرياء في الطاعات ليحبطها، فإن سلم من ذلك أدخل عليه العُجْب بنفسه، واستكثار عمله، ومن ذلك أنه يوقد في القلب نار الحسد، والحقد، والغضب، حتى يقود الإنسان إلى شر الأعمال وأقبح الأحوال.
وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء. واحدها: الإكثار من ذكر الله. وثانيها: الإكثار من الاستعاذة بالله منه ومن أنفع شيء في ذلك قراءة هذه السورة. وثالثها: مخالفته والعزم على عصيانه. فإن قيل: لم قال في صدور الناس ولم يقل: في قلوب الناس؟ فالجواب: أن ذلك إشارة إلى عدم تمكن الوسوسة، وأنها غير حالة في القلب بل هي محوِّمة في صدور حول القلب { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } هذا بيان لجنس الوسواس وأن يكون من الجن، ومن الناس، ثم إن الموسوس من الإنس يحتمل أن يريد من يوسوس بخدعه، وأقواله الخبيثة، فإنه الشيطان كما قال تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112] أو يريد به نفس الإنسان إذ تأمره بالسوء، فإنها أمّارة بالسوء والأول أظهر، وقيل: من الناس معطوف على الوسواس كأنه قال: أعوذ من شر الوسواس من الجنة ومن شر الناس، وليس الناس على هذا ممن يوسوس. والأول أظهر وأشهر.
فإن قيل: لم ختم القرآن بالمعوذتين وما الحكمة في ذلك؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: قال شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما كان القرآن من أعظم النعم على عباده، والنعم مظنة الحسد فختم بما يطفئ الحسد من الاستعاذة بالله. الثاني: يظهر لي أن المعوذتين ختم بهما **" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما: أنزلت عليّ آيات لم ير مثلهن قط "** كما قال في فاتحة الكتاب: **" لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها "** فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها واختتم بسورتين لم يُرَ مثلهما ليجمع حسن الافتتاح والاختتام، ألا ترى أن الخطب والرسائل والقصائد وغير ذلك من أنواع الكلام إنما ينظر فيها إلى حُسن افتتاحها واختتامها. الوجه الثالث: يظهر لي أيضاً أنه لما أمر القارئ أن يفتتح قراءته بالتعوذ من الشيطان الرجيم، ختم القرآن بالمعوذتين ليحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة وعند آخر ما يقرأ من القراءة، فتكون الاستعاذة قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء، وليكون القارئ محفوظاً بحفظ الله الذي استعاذ به من أول أمره إلى آخره وبالله التوفيق لا رب غيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ | * تفسير غريب القرآن / زيد بن علي (ت 120 هـ) | قولهِ تعالى: { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } ثم يَخنُسُ قال الإِمامُ زيد بن علي صلواتُ الله عليهِ: ما مِنْ مَولودٍ إلاّ وَعَلَى قَلبِهِ الوَسْوَاسُ الخَنّاسُ. فإِذَا عَقَل فَذَكرَ الله تعالى خَرَجَ ذَلِكَ من قَلبِهِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } الآية تقدم أنها نزلت مع ما قبلها وأضيف الرب إلى الناس لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر والظاهر أن { مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } صفتان و { ٱلْخَنَّاسِ } الراجع على عقبه المستتر أحياناً وذلك من الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تأخر ومن في من الجنة والناس للتبعيض أي كائناً من الجنة والناس فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس **" وكان عليه السلام إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ برأسه ووجهه ما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثاً صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وبارك وترحم ".** " والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }؛ أي قُل يا مُحَمَّدُ: امتَنِعْ واعتصمُ بخالقِ الخلْقِ المقتدر عليهم، المالكِ لنفعِهم وضرِّهم وحياتِهم وموتِهم، المستحقِّ للعبادةِ الذي إليه مفزَعُهم وملجأُهم، من شرِّ الشيطانِ ذي الوَسْوَاسِ المستقر المختفِي عن أعيُن الناسِ، { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ }؛ الذي يَصِلُ بوسوستهِ إلى صُدور الناسِ، كما جاء في الحديث: **" إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، فَتَعَوَّذُوا بالله مِنْهُ ".** قال قتادةُ: ((إنَّ الْخَنَّاسَ لَهُ خُرْطُومٌ كَخُرْطُومِ الْكَلْب فِي صُورَةِ الإنْسَانِ، جَاثِمٌ عَلَى قَلْب ابْنِ آدَمَ، إذا غَفِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَسْوَسَ، وَإذا ذكَرَ اللهَ خَنَسَ)). ورُوي: أن عيسَى عليه السلام دعَا ربَّهُ أنْ يُرِيَهُ موضعَ الشيطان من ابنِ آدم، فجلَى له فإذا رأسهُ رأسُ الحيَّة واضعٌ رأسه على ثمرةِ القلب، فإذا ذكرَ العبدُ ربَّهُ خَنَسَ، وإن لم يذكُرْ ربَّهُ وضعَ رأسَهُ على ثمرةِ قلبه وحَدَّثهُ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } إلى آخرها.
(المعنى: اقرأ يا محمد: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } فأَثْبَتَ " قُلْ " فِي قَرَاءَتِهِ كما أُمِرَ، أي): قل [يا] محمد، أستعيذ برب الناس، وهو الله جل ذكره، { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ، وهو الله.
وخص الناس بالذكر وهو تعالى جل ذكره رب جميع الخلق وملِكُهم، لأن بعض الناس كان يُعَظِّم بعض الناس تعظيم المؤمنين ربهم، فأَعْلَمَهُم [الله] أنه رب من [يعظمونه] وملكهم [يجري] عليهم [سلطانه] وقدرته.
ثم قال تعالى: { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أي: معبود الناس، لا تجب العبادة لغيره.
ثم قال: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }. أي الشيطان الخناس، يعني الشيطان يخنس مرة ويوسوس (أخرى، فيخنس إذا ذكره العبد ربه، ويوسوس من صدور الرجل) إذا غفل عن ذكر ربه.
قال ابن عباس: " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل [وسوس]، [وإذا] ذكر الله خنس، فذلك قوله: { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وقال مجاهد: ينبسط الشيطان فإذا ذكر الله خنس وانقبض، فإذا غفل الإنسان انبسط، وهو قول قتادة.
وقال ابن زيد: يوسوس مرة، (ويخنس مرة) من الجن والانس وكان يقول: شيطان الإنس أشد على الناس من شيطان الجن، لأن شيطان الجن يوسوس (ولا تراه، وشيطان [الانس] يعاينك معاينة).
وعن ابن عباس أن الشيطان يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس حتى يستجاب له إلى ما دعا من طاعته، فإذا [استجيب] له إلى ذلك خنس.
يقال: خنس: إذا استتر، وخنست عنه: تأخرت، وأخنست عنه حقه سترته.
وقوله جل ذكره: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } قيل: إن { ٱلنَّاسِ } المتأخر هنا يراد به الجن، وذلك أنهم سموا ناساً كما سموا رجالاً في وقوله:**{ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6].
وحُكِيَ عن بعض العرب أنه قال: جاء قوم [من الجن]، وقد قال الله في مخاطبة الجن لأصحابهم:**{ يٰقَوْمَنَآ }** [الأحقاف: 30] فسموا قوماً [كما يسمى الأنس].
والجنة جمع جنى كما يقال: إنسيّ وإنس، والهاء لتأنيث الجماعة مثل: حجار وحجارة.
وقال علي بن سليمان: قوله { وَٱلنَّاسِ } (معطوف) على { ٱلْوَسْوَاسِ } ، والتقدير: قل اعوذ برب الناس من الوسواس والناس، فيكون { ٱلنَّاسِ } على هذا القول يعني به الإنس.
وروت عائشة رضي الله عنها **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } (ثم) يمسح (بهما) ما استطاع (من جسده) يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. ".** صلى الله عليه وسلم (وشرف وكرم ومجد).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }:
ظاهره أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مشار إليه، وهو التعوذ، وحق الإجابة في مثله أن [يقول: أعوذ، لا أن يقول: { قُلْ أَعُوذُ } ] لكنه - والله أعلم - يخرج على وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك أنزل بحق أن يصير ذلك أمرا لكل من بلغه، وتعليما بالذي عليه من الاعتصام بالله - تعالى - والالتجاء إليه من شر الذي ذكره؛ ليعيذه، وتكون الإعاذة بوجهين:
أحدهما: في تذكير ما عرفه من الحجج في دفع ما يخطر بباله من المكروه.
والثاني: باللطف الذي لا يبلغه علم الخلق، ولا تدركه عقولهم مما لديه نفع الأمن من الزيغ مما حقه الإفضال، والذي ذلك حقه، فلله - تعالى - أن يكرم به العبد مبتدئا، وله أن يقدم فيه محنة السؤال والاعتصام به؛ على الإكرام أيضا، ويلزم على من عصم به عن الزلة، أو هدي إلى حسنة: الشكر لله - تعالى - فيما ابتدأه أو أكرمه به عند السؤال.
والوجه الثاني من وجهي الخطاب: أن يكون الخطاب لغيره، [وإن كان] راجعا إلى مشار إليه، فهو مما يشترك في معناه غيره؛ فأبقى وأثبت ما به يصير مخاطبا من بلغ ذلك، وهو قوله - تعالى -: { قُلْ } حتى يدوم هذا إلى آخر الدهر، وعلى هذا جميع ما فيه حرف الكلفة والمحنة - أعني: صيغة الأمر - والله الموفق.
ثم في قوله - تعالى -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ... } إلى آخر السورة وجهان من الحكمة، فيهما نقض قول أهل الاعتزال:
أحدهما: أن المحنة قد ثبتت بالامتناع عن طاعة الشيطان والمخالفة له: فإما أن كان الله - تعالى - أعطاه جميع ما يقع به الامتناع حتى لا يبقى عنده مزيد، أو لا يعطيه جميع ذلك، بل بقي عنده شيء منه.
فإن كان قد أعطاه، فهو بطلب ذلك بالتعوذ والاعتصام بالله - تعالى - كاتم لما أعطاه، طالب ما ليس عند الله - تعالى - فيكون الأمر بالتعوذ محنة وأمرا بما به كتمان ذلك، وذلك حين استوفاه يكون إنكاره ستر نعم الله - تعالى - وقد تبرأ عن الأمر بالفحشاء والمنكر، وبين أن ذلك عمل الشيطان.
ثم في المحنة بهذا محنة بالاستهزاء بالله تعالى؛ لأنه يطلب منه ما يعلم أنه لا يملكه، ولا يجده عند نفسه، وذلك من علَم الهزء عند ذوي العقول، فمن ظن أن الله - تعالى - يمتحن عباده ويأمرهم بشيء مما ذكرنا، فهو جاهل بالله - تعالى - وبحكمته وإن لم يكن الله تعالى [يمتحن عباده، ويأمرهم بشيء مما ذكرنا؛ فهو جاهل] [بما] أعطاه وعنده بعد ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم كان من مذهبهم أنه ليس لله - تعالى - أن يمتحنهم بفعل إلا بعد إيتاء جميع ما عنده مما به قوامه ووجوده؛ ففي ذلك اعتراف بلزوم المحنة وتوجه التكليف قبل إيتاء جميع ما عنده مما به الوصول إلى ما أمر به، وذلك ترك مذهبهم مع ما كان عندهم أنه لو كان عند الله - تعالى - أمر ومعنى، لا يقع فعل المختار؛ لأجل أنه لا يعطيه ذلك - لم يكن له أن يمتحنه، وهو بالامتحان جائر.
وإما أن سألوه بفعل قد أمر به، وإن لم يكن أعطاه ذلك، وهم ما وصفوا الله - تعالى - بمثل ذلك أو بفعل يتلو وقت الأمر ذلك؛ فيكون إعطاء ذلك وقت الأمر؛ فكأنه ظن أن ي]أمر ولا يعطي حتى يُسأل، وذلك حرف الجور.
ثم الأصل الذي اطمأن به قلوب الذين يعرفون الله - تعالى - أنه متى هدى الهداية التي يسأل أو عصم العصمة التي يطلب، أو وفق لما يرجو من الفعل، أو أعانه عندما يخاف أنه كان ذلك لا محالة، وتحقق بلا شبهة، ويأمن لديه من الزيغ والضلال، وعلى ذلك جبلوا مما لا نجد غير معتزلي إلا وقد اطمأن قلبه به، حتى يعلم أن هذا منه وقع المجبول عليه بالتقليد، ولا قوة إلا بالله تعالى.
وقوله - عز وجل -: { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } ، ولم يقل: " أعوذ برب الخلق " ، وهذا أعم من الأول، وإضافة كلية الأشياء إليه، أو إضافته إلى الكل بالربوبية من باب التعظيم لله - تعالى - فما كان أعم فهو أقرب في التعظيم، فهذا - والله أعلم - يخرج على أوجه:
أحدها: أراد التعريف، وبهذا يقع الكفاية في معرفة من يفزع إليه ممن يملك ذلك، ليعوذ منه، لكنه ذكر**{ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }** [الفلق: 1] في موضع، و { بِٱللَّهِ } في موضع، و { بِكَ } في موضع، كقوله - تعالى -:**{ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ }** [المؤمنون: 97]، وقال:**{ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ }** [غافر: 56]؛ ليعلم به من سعة الأمر وتحقيق الفزع، والرجوع إلى الله - تعالى - عند نزول ما ينزل بالمرء مما يخاف على نفسه، ويشغل قلبه - أن له ذكر ما يحضره من أسماء الله - تعالى - أي اسم كان؛ إذ ما من اسم إلا وفيه دلالة على نعمه وسلطانه وقدرته وعظمته؛ ليكون في ذلك توجيه الملك إليه وإخلاص الحمد له بإضافة النعم؛ فيكون ذلك من بعض ما به التشفع إلى الله - تعالى - من ذكر قدرته وإحسانه، وأرفع ذلك في ذكر الناس بالإضافة إليه.
والثاني: أن الذين عرف فيهم الأرباب والملوك والعبادات لمن دون الله - تعالى - هم الإنس دون غيرهم؛ فأمر أهل الكرامة بمعرفة الله - تعالى - والعصمة عن عبادة غيره، والاعتراف بالملك والربوبية [له] -: أن يفزعوا إليه عما ذكر، ذاكرين لذلك، واصفين بأنه الرب لهم، والملك عليهم، والمستحق للعبادة لا غير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
أو لما كان للوجوه التي ذكرنا ضل القوم من اتخاذهم أربابا دون الله تعالى.
أو نزولهم على رأي ملوكهم في الحل والحرمة، وفي البسط والقبض.
أو عبادتهم غير الله - تعالى - وفزعهم إليه؛ فأمر الله - تعالى - أهل الكرامة بما ذكرت الفزع إلى الذي يذكر بهذه الأوصاف على الحقيقة على نحو فزع الضالين إلى أربابهم وملوكهم والذين عبدوهم دونه؛ إذ إليه مفزع الكفرة - أيضا - عند الإياس عمن اتخذوهم دون الله؛ لنصرتهم ومعونتهم، والله أعلم.
والثالث: أن المقصود من خلق هذا العالم هم الذين نزلت فيهم هذه السورة، وغيرهم كالمجعول المسخر لهم، قال الله - تعالى -:**{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً }** [البقرة: 29]، وقال:**{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ... }** الآية [الجاثية: 12]، وقال الله - تعالى -:**{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً... }** الآية [البقرة: 22]، فإذا قيل: { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ، فكأنه قيل: " برب كل شيء " ، لأن ما سواهم جعل لهم، وذكر الخلق والتوجيه إليه في الاستعاذة والاستعانة هو اعتراف بألا يملك غيره ذلك؛ فاستوى الأمران، والله أعلم.
وقيل: في { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }: مصلح الناس، وذلك يرجع إلى أن به صلاحهم في الدين وفي النفس.
وقيل: ملك الناس؛ على الإخبار بأن الملك له فيهم جميعا، وفي الخلق مما لم يذكر فيه وجه الملك؛ فبين أن ذلك كله في التحقيق لله - تعالى - وملكه، ولغيره يكون من جهته على ما أعطي لهم بقدر ما احتاجوا إليه.
وقيل: سيدهم، لكن لفظة " السيد " لا تذكر لمالك غير الناس، ويوصف بالرب والملك والمالك على الإضافة لا مطلقا، يقال: رب الدار، ومالك الجارية، وملك المصر، ونحو ذلك، فكأنه أقرب.
وقوله - عز وجل -: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }:
سمى الذي يوسوس بأنه وسواس وخناس، وقيل في وتأويله من وجهين:
أحدهما: أنه يوسوس لدى الغفلة، ويخنس عند ذكر الله تعالى، أي: يخرج ويذهب.
وقيل: يخنس: لا يرى، ولا يظهر، كقوله - تعالى -:**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** [الأعراف: 27]؛ ولهذا قيل في الجواري الكنس: إنهن يطلعن من مطالعهن، ويخنسن بالنهار، أي: يختفين.
وجائز أن يكون قوله - عز وجل -: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } صير الموسوس في صدور الناس من الجنة والناس.
وقيل - أيضا -: على التقديم والتأخير، معناه: قل أعوذ برب الناس من الجنة والناس الذي يوسوس في صدور الناس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
أما الوسوسة فهي أمر معروف، وذلك بما يلقى من الكلمات التي تشغل القلب وتحير في أمر الدين، بما لا يعرف الذي يلقى إليه المخرج من ذلك، وعلى ذلك أمر أهل الأهواء، وأصناف الكفرة؛ كقوله - تعالى -:**{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112]، وقوله - عز وجل -:**{ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ }** [الأنعام: 121]، وأما شياطين الجن، فهو أمر ظاهر عند جميع أهل الأديان ومن آمن بالرسل عليهم السلام، لكن الدهرية ومنكري الرسل يقولون: ليس في الجن شياطين؛ وإنما هو أمر يُخَوَّف به مدعو الرسالة؛ ليلزموا الخلق الاستماع إليهم في تعرف الجهل وما عندهم في دعواهم من العلوم والمعارف، وهذا لسفههم قالوا، ولو أنهم تأملوا في ذلك، لعرفوا أنهم على غير بحث عما ألزمهم ضرورة العقل الطلب، ودعتهم إلى البحث عنه ما مستهم من الحاجة، وهي الخواطر التي تقع في القلوب، والخيالات التي تعرض في الصدور، منها [ما] إذا صورت وجدت قباحا، ومنها ما إذا صورت وجدت حسانا، ولا يجوز وقوع أمر أو كون شيء بعد أن لم يكن من قبل نفسه؛ للإحالة في أن يصير لا شيء بنفسه شيئا قبيحا أو حسنا بلا مدبر، وقد علم جميع الإنسان بالذي ذكرت من الابتلاء به مما يعلم أنه لم يكن من نفسه معنى يحدث له ذلك؛ فثبت أن قد كانت الضرورة تلزم البحث عن ذلك.
ثم لا يعلم من حيث طلب الأبدان الموجبة لها ولا في العقول - أيضا - دركها؛ فيجب بها أمران منعهم عن العلم بهما القنوع بالجهل وحب الراحة:
أحدهما: القول بالصانع، ودخول العالم تحت تدبير حكيم عليم قدير.
والآخر: القول بالرسالة تأتيهم من عند علام الغيوب، وإذا كان ذلك بحيث لا يبلغه علم البشر فيعرف حقيقة ذلك؛ فَيُعْلم عند النظر والبحث أمران عظيمان:
أحدهما: الرسل بما معهم من المعجزات، فيقولون بهم، وبالتوحيد بما رأوا من الآيات الصدق؛ إذ قد علموا أن في الأخبار صدقا، لولا ذلك لكانوا لا يدعون شيئا؛ إذ هو خبر [له].
والثاني: يلزمهم بما يعاينوا من مرجح الأمر من غير الحكماء أنها تقع متفاوتة مضطربة، والعالم بما خرج متسقاً على الحكمة والمصلحة؛ فعلموا أنه كان بمدبر حكيم يعلم ما به المصالح؛ فيلزمهم به أمران أيضاً: التوحيد والرسالة، ولا قوة إلا بالله.
والأصل عندنا بتمكين الشيطان ما ذكرنا من الوسوسة أن الشيطان والملك خَلْقَان لله تعالى عرفناهما بالرسل - عليهم السلام - وبما بيَّنَّا من ضرورة الحاجة إلى العلم ممن بإلقائه يصير عند التصوير قبيحاً أو حسناً، فيأتيان جميعاً بما مكنهما الله تعالى من الأمرين جميعاً: أمر الملائكة الخير والحكمة فيسهل عليه سبيله بتيسير الله تعالى وفضله، وأمر الشيطان الضلال والشر فييسر عليه، حتى صار الخير للأول كالطبع، والشر للثاني كذلك، فإذن كان كل واحد ممكناً من الأمرين، قال الله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ \* وَصَدَّقَ... }** [الليل: 5-6] إلى قوله - عز وجل -:**{ لِلْعُسْرَىٰ }** [الليل: 10]، وقال الله - عز وجل -:**{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ... }** إلى قوله تعالى:**{ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ }** [الأنعام: 125].
ثم الأصل في الإنس أنهم امتحنوا بحقوق بينهم وبين الله تعالى وبحقوق فيما بينهم، وكلفوا تثبيت الملائكة إياهم [بقوله] عز وجل:**{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }** [الأنفال: 12] وأمروا برد ما يوسوس إليهم الشيطان بقوله تعالى:**{ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً }** [فاطر: 6] وغير ذلك.
وعلى ذلك خلقت الملائكة ممتحنين بالكتابة على البشر بقوله:**{ كِرَاماً كَاتِبِينَ }** [الانفطار: 11] فتكون الحكمة في تكليف التمكين ما وصف من محنة الله تعالى إياهم طاعتهم في أنفسهم وفيما مكنوا من غيرهم، على ما ذكرت من أمر الإنس، وحكمة ذلك للإنس إلزام التيقظ والنظر فيما يقع في قلبه من الخواطر؛ ليعلم الذي له والذي عليه.
وكذلك في تكليف الملائكة كتابة قوله وفعله؛ ليكون متيقظاً ومتنبهاً في كل أفعاله وأحواله كتيقظه فيما كان الأولياء والأعداء من الكاتبين الظاهرين عليه أنه يحذر كل الحذر عما يؤذي وليه، ويقبل على كل أمر فيه نفع بما أمَّل، ويحذر عدوه أشد الحذر؛ لئلا يؤذيه من حيث لا يعلم، فيتهمه كل تهمة. ثم معلوم ألا يمل الكتبة إلا بعد إحكامه وإصلاحه غاية ما يحتمل الوسع، فعلى ذلك فيما خفي؛ إذ هم في العقول في درك ما منهم وما عليهم كالذين ذكر لهم ممن ظهروا لأبصارهم، والله الموفق.
وكذلك صلحت المحنة والأمر في صحبة الأولياء والأعداء بحق الولاية والعداوة فيما لا يرون صلاحها وفيما يرون؛ إذ من الوجه الذي فيه الولاية والعداوة مرئية لأبصار القلوب والعقول؛ فيمكن الحذر والمعاملة جميعاً، وعلى هذا التقدير لم يمكن الله أعداءه الذين لا يرون من معاداتهم بأفعال من أبدانهم وأموالهم بالسلب والتنجيس والإفساد، وقد مكن أعداءهم من الإنس ذلك؛ ليمكنهم الدفع عن ذلك والحذر عنه بما وقع الوقوف لبعض على حيل بعض والصرف عن ذلك، وما هذا إلا كدرك الحواس بأفعالها وأسبابها بالحس، وكذلك أمر الملائكة، لكن من لا يحتمل عقله معرفة الصانع والتوحيد مع شهادة العقل وكل شيء فجهله بالشيطان غير مستبعد ولا مستنكر، والله أعلم.
قال - رضي الله عنه -: ثم اختلف في وجه تمكن الشيطان من الإنس فيما يوسوس إليه:
قد روي في بعض الأخبار أنه يجري فيه مجرى الدم، فأنكر ذلك قوم، وليس ذلك مما ينكر بعد العلم باحتمال جري الدم فيه وجري قوة الطعام والشراب وما به حياة الأبدان والحواس مما لطف مجراه في جميع العروق والأعصاب وكل شيء؛ بلطافة ذلك؛ [فعلى ذلك] الشيطان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعلى ما روي في أمر الملك مما يكتب ما لا يعلم موضع قعوده ولا يسمع صريف قلمه ولا ما يكتبه علينا من ذلك، فعلى ذلك أمر الذي ذكرت.
ثم قد ثبت القول بأمر الله تعالى نبيه أن يتعوذ به عن همزه ونزغه وحضوره بقوله تعالى:**{ وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ... }** الآية [الأعراف: 200]، وقوله تعالى:**{ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ... }** [المؤمنون: 97] وقال:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ }** [الأعراف: 201]، وقال:**{ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ... }** الآية [البقرة: 275]، فثبت أن أمره على ما بيناه.
ثم القول في أي موضع لوقت ما له من الوحي والمس والنزغ أمر لا يحتاج إليه بحق؛ لأن الله تعالى [و] عز وجل أخبرنا أنا لا نراه بقوله:**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** [الأعراف: 27] ولكن الذي رجعت المحنة إلى أفعاله التي يقع لها آثار في الصدور، وقد مُكِنَّا بحمد الله تعالى ومَنَّهِ لندرك منه، وإنما علينا التيقظ لما يقع في الصدور من أفعاله ووساوسه لندفع بما مكننا الله تعالى [و] عز وجل من الأسباب، وعرفنا من الحجج نقض الباطل والتمسك بالحق، كقوله تعالى:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ }** [الأعراف: 201] وتوجهوا إلى الله تعالى بالتعوذ في طلب اللطف الذي جعله الله تعالى للدفاع، كقول يوسف - عليه الصلاة والسلام -:**{ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ... }** الآية [يوسف: 33]، على العلم فيه بطوائف الأشياء من المجعول لدفع كيدهن، وكذلك قول الراسخين في العلم:**{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً... }** الآية [آل عمران: 8].
لكن من الناس من يقول: هو يعلم النفس فيما تهوى فيزين لها ذلك، والعقل فيما يدعو من ذلك فيمنعه عن ذلك.
ومنهم من يقول: لا، لكن في ذلك آثار من الظلمة والنور والطيِّب والخبيث، فيعرف بالآثار وفيها موقع وسواسه حتى يصل إلى الفعل، وقد يكون عمل الهوى والعقل جميعاً في الجسد وخارجاً منه، وبخاصة آثار الأعمال.
ومنهم من يقول: ليس له بشيء من ذلك علم، لكن بكل ما يرجو العمل من التغرير أو في التمويه والتلبيس كالأعمى فيما يمس ويطلب المضار من المنافع ونحو ذلك، لكن ذلك كله طريق عمل الشيطان وطريق إمكانه وحِيَله، وذلك أمر لم نؤمر بمعرفته، وإنما علينا مجاهدته في منع ذلك بالتيقظ أو بدفعه بما نتذكر، هكذا ذكرت في الآيات، أو بالفزع إلى الله سبحانه وتعالى في دفعه ومنعه إن حضر بما عنده من اللطائف التي لديها يقع الأمن عن الزيغ والظفر بالرشد.
وتأول كثير منهم أن يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الناس، وذلك ممكن؛ لما قد يكون من كل جنس ضُلاَّلٌ وغُواة وأخيار وأبرار، فأما حق تأويل السورة على ما وصفنا في ذكر وسواس الجن والإنس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم القول في المعوِّذتين أنهما من القرآن أو ليستا من القرآن، قال الفقيه - رحمه الله -: لنا من أمرهما أنهما انتهتا بما انتهت إلى أهل هذا العصر معرفة القرآن في الجمع بين اللوحين بتوارث الأمة، ولسنا نحن ممن يعرف بالمحنة والسير بما به نعلم أنهما معجزتان أو لا، وإنما حق ذلك الأخذ عن أهل ذلك والشهادة [له] بعد الثبات أنه من القرآن وأنه معجز، حقُّ أمثالنا فيه الاتباع، وقد اتضح بما به جرى التعارف في جميع الشرائع التي بها يشهد أنها عن الله تعالى وأنها حق، فعلى ذلك هذا.
لكن ذكر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه لم يكتبها في مصحفه، وذلك عندنا يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه لم يكن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما شيئاً أنهما من القرآن أم لا، ولم يكن أيضاً رأى على نفسه السؤال عن ذلك حقّاً واجباً؛ لأن القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يلزم علم الشهادة والعمل به واحدٌ؛ إذ المقصود من كل ذلك القيام بالمقصود من حق الكلفة لا التسمية، ولم يكن النجباء يمتحنون أنفسهم بالسير في الوجوه التي بها يعرفون المعجز من غير ذلك أنه قرآن أو غيره، وإنما ذلك من عمل المرتابين الشاكين في خبر الرسول صلى الله عليه وسلم ليعرفوا أنه مبعوث مرسل، فأما من تقرَّر عنده واطمأن به قلبه وزال عنه الحرج فيما آتاهم فقد كُفُوا ذلك، وكذلك يجوز ترك البحث عن ذلك لما ذكرت، لا أن عنده أنهما ليستا من القرآن، وفي خبر عقبة الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: **" نزل اليوم آيات لم ير مثلهن قط " قيل: ما هن يا رسول الله؟ فقال: " المعوذتان "** ، دل أنهما من القرآن.
وأيد أيضاً ما ذكرت في ترك الكتابة ما روي عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: " فقولوا " ، فنحن نقول بقولٍ لم يشهد في تلك بأنهما منه ولا ليستا منه بما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بهما، فعلى ذلك أمر عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.
ويؤيد ذلك أيضاً أمر استعاذة القرآن أنها مقدمة على القراءة، وحق هاتين السورتين لو كانتا منه بيقين أن تكونا في افتتاح المصحف كالاستعاذة للقرآن، فهذا أيضاً بعض الذي يمنع [العلم] بحقيقة ذلك عنه، وقد بينا جواز وجه الإشكال مع ما كان الإنزال لحاجة العباد، وعلى ذلك جرى العمل بهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره، فهو أمر لا يضر الجهل [بالوجه] الذي ذكرت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: لو علمت أن أحداً أعلم بالقرآن مني وحملتني مطيتي لأتيته. وقد روي عمن ذكر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل - عليه السلام - كل عام مرة إلا في العام الذي قبض عرض عليه مرتين، وقد شهدهما جميعاً عبد الله، فعلَّه لم يعرض ما شاء الله، وإذا كان كذلك لم يكن هو ممن يسأل في هذا الباب غيره ليثبت عنده السماع بأنهما أثبتتا في المصحف؛ فبقي قوله بحيث لا نعرف حقيقته، ووجه آخر أن يكون رآهما منه لكن لم يكتب؛ لوجهين:
أحدهما: لما لم يكن موضع الكتاب والتدبير، على ما ذكرنا أن يكون في أول المصاحف، فكره أن يكتب بتدبيره، ويتخير له موضعاً للكتابة؛ فلم يكتب كذلك.
والثاني: أنه يكتب ليحفظ ولا ينسى، وقد أمن عليهما النسيان؛ لأنهما بحيث يجب تلاوتهما في أوائل النهار ومبادئ الليل، وعند النوازل ينفع التعوذ بهما من كل شر وكيد، على نحو الاستعاذة وأنواع الدعوات المدعوة، فلما أمن خفاءهما لم يكتب، وعلى ذلك ترك كتابة فاتحة الكتاب، والله أعلم بالصواب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما مكنك الحق في مقعد التوحيد، وهداك الوصول إلى ينبوع بحر الحقيقة التي هي الوحدة الذاتية ملتجئاً إلى الله، مستمسكاً بعروة عصمته: { أَعُوذُ } وألوذ { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [الناس: 1] الذي أظهرهم من كتم العدم ورباهم بأنواع اللطف والكرم، لكونه: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 2].
{ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 3] إذ ظهور الكل منه ورجوعه إليه.
{ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } الموسوس، المثير للفتن في قلوب الناس { ٱلْخَنَّاسِ } [الناس: 4] الدفَّاع، والرجَّاع للناس، فإنه منبسط على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله تعالى خنس وانقبض وإذا غفل انبسط على قلبه، فالتطارد بين ذكر الله تعالى ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلام إذا جاء أحدهما طرد الآخر، مثله كمثل الواهمة تساعد في المقدمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة رجع وارتدع، مثلاً إذا قيل: الميت جماد والجماد لا يخاف منه أقرت، وإذا قيل: فالميت لا يخاف منه فرت**{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ \* فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ }** [المدثر: 50-51].
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 5] إذا غفلوا عن ذكر ربهم، وجعلوا إنجاح قضية أهوائهم من همهم.
{ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [الناس: 6] بيان للوسواس، أو الذي، أو متعلق بيوسوس؛ أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجِنَّة والناس بأن يلقي إليهم أنهما يضران وينفعان بالتأثير والاستقلال، فيرجوان منهما المطالب والآمال، فيقعون في تيه الحسرة وهاوية الضلال.
أعاذنا الله وعموم عباده من شر كلا الفريقين بفضله وجوده.
خاتمة السورة
إياك إياك أيها الطالب للخلاص، الراغب في الإخلاص أن تتبع الهوى تنكب على الشهوات، فإن الإنسان إن اتبع الهوى وطاعة قضية القوى صار القلب عش الشيطان ومعدنه؛ لأن الهوى هو مرماه ومرتعه، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه، صار القلب مستقر الملائكة ومهبطه.
ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى، وجد الشيطان مجالاً واسعاً، فيوسوس بالشر وما يجري إلى سوء المعاقبة، ويطرحه في الهاوية، ومتى أعرض عن الشهوات وجاهدها إلى حيث ينبغي، وأقبل على الطاعات كما ينبغي، يلهمه الملك بالخيرات، ويعينه في أسباب النجاة، ويرشده إلى الفوز بالجنات، فإن الخواطر مبدأ الأفعال؛ إذ الخواطر تحرك الرغبة، والرغبة تحرك العزم والنية، والنية تحرك الأعضاء وترسخ العقائد، فإن كانت من الخواطر المحمودة الإلهامية يفضي إلى الصلاح والنعمة، وإن كانت من الوساوس الشيطانية يسري إلى الفساد والنقمة.
أعاذنا الله تعالى من مهادنة النفس ومساعدة الهوى، وأعاننا على مجاهدة الشهوات ومعاندة فرط القوى بحرمة سيد السادات، وصفوة الكائنات، صلوات الله التامات وتسليماتهم الزاكيات عليه وعلى آله وأزواجه الطاهرات وذرياته السادات، وخلفائه الراشدين، وأصحابه أجمعين.
| **عجل بالنصر وبالفرج** | | **يا رب بهم وبآلهم** |
| --- | --- | --- |
والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً. والحمد لله رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: { قُلْ أَعُوذُ } أي أتحصن، والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ويتناول غيره من أمته، لأن أوامر القرآن ونواهيه لا تخص فرداً دون فرد. قوله: { ٱلنَّاسِ } أصله إما أناس حذفت الهمزة، أو نوس مأخوذ إما من ناس إذ تحرك خص بالبشر، لأنه المتحرك الحركة المعتد بها الناشئة عن رؤية وتدبر، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً أو من الإنس ضد الوحشة لأنه يؤنس به؛ أو من النسيان لكونه شأن وطبعه. قوله: (خالقهم) أي موجدهم من العدم. قوله: (خصوا بالذكر) أي وإن كان رب جميع الخلائق. قوله: (تشريفاً لهم) أي من حيث إنه تعالى أخذ لهم ملائكة قدسه، وجعل لهم ما في الأرض جميعاً، وأمدهم بالعقل والعلم وكلفهم بخدمته، فإن قاموا بتلك الوظيفة، كان لهم العز دنيا وأخرى، وإن لم يقوموا بها، ردوا لأسفل السافلين، فلم يساووا كلباً ولا خنزيراً، وإذا علمت بذلك أنه رب الناس، فهو رب الناس، فهو رب غيرهم بالأولى. قوله: (ومناسبته للاستعاذة) الخ، أي فكأنه قال: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم المالك لهم.
قوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } بإسقاط الألف هنا باتفاق القراء، بخلاف الفاتحة ففيها قراءتان سبعيتان ثبوت الألف وحذفها، ومعنى الملك: المتصرف فيهم بأنواع التصرفات، من إعزاز وإذلال وإغناء وإفقار وغير ذلك.
قوله: { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هذا الترتيب بديع، وذلك أن الإنسان أولاً يعرف أن له رباً لما شاهده من أنواع التربية، ثم إذا تأمل، عرف أن هذا الرب متصرف في خلقه، غني عن غيره فهو الملك، ثم إذا زاد تأمله، عرف أنه يستحق أن يعبد، لأنه لا يعبد إلا الغني عن كل ما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه. قوله: (زيادة للبيان) حاصله أنه ورد إشكال وهو: لم كرر لفظ الناس ثانياً وثالثاً، ولم يكتف بضميرهم، مع أن اتحاد اللفظين في اللفظ، والمعنى معيب كالإبطاء في الشعر. فأجاب المفسر بقوله: (زيادة للبيان) وهو جواب خفي، وأحسن منه أن يقال: إن التكرار لإظهار شرف الناس وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، كما أنه حسن التكرار للتلذذ، وإظهار فضل المكرر في قول بعضهم:
| **محمد ساد الناس كهلاً ويافعاً** | | **وساد على الأملاك أيضا محمد** |
| --- | --- | --- |
| **محمد كل الحسن من بعض حسنه** | | **وما حسن كل الحسن إلا محمد** |
| **محمد ما أحل شمائله وما** | | **ألذ حديثاً راح فيه محمد** |
وهذا تسليم أن المراد بالناس في الجميع شيء واحد، وأما إن أريد بالناس. الأول: الصغار وأضيفوا للرب؛ لاحتياجهم إلى التربية أكثر من غيرهم. وبالثاني: الشباب وأضيفوا للملك، لأن شأنهم الطغيان والطيش، فهم محتاجون لملك يسوسهم ويكسر هيجان شبوبيتهم. وبالثالث: الشيوخ أضيفوا للإله، لأن شأنهم كثرة العبادة، لقرب ارتحالهم وقدومهم على ربهم وفناء شهواتهم، فهم أقرب من غيرهم للتعلق بالإله، فلا اتحاد في المعنى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } متعلق بـ { أَعُوذُ } إن قلت: ما الحكمة في وصف الله تعالى في هذه السورة نفسه بثلاثة أوصاف، وجعل المستعاذ منه شيئاً واحداً، وفي السورة قبلها بعكس ذلك، لأن وصف نفسه بوصف واحد؛ وجعل المستعاذ منه أربعة أشياء. أجيب: بأنه في السورة المتقدمة المستعاذ منه أمور تضر في ظاهر البدن، وهنا وإن كان أمراً واحداً، إلا أنه يضر الروح، وما كان يضر الروح يهتم بالاستعاذة منه. إن قلت: كان مقتضى الظاهر تقديم ما به الاهتمام، وهو الاستعاذة من شر الوسواس، إذ سلامة الروح مقدمة على البدن. أجيب: بأن سلامة البدن وسيلة للمقصود بالذات؛ وهو سلامة الروح. قوله: (سمي بالحدث) أي المصدر، وقوله: (لكثرة ملابسته له) أي ملازمته للوسوسة، فهو على حد: زيد عدل، وما ذكره المفسر بمتعين، فإن الوسواس بالفتح، كما يستعمل اسم مصدر بمعنى الحدث، يطلق على نفس الشيطان الموسوس، ويطلق أيضاً على ما يخطر بالقلب من الشر. واعلم أن خواطر القلب أربعة: رحماني وملكي ونفسي، وشيطاني، فالرحماني ما يلزم طاعة بعينها، والملكي ما يلزم طاعة لا بعينها، والنفسي ما يلزم معصية بعينها، والشيطاني ما يلزم معصية لا بعينها فتمسك بهذا الميزان. قوله: (لأنه يخنس) من باب جخل، أي يتوارى ويختفي بعد ظهوره المرة بعد المرة. قوله: (كلما ذكر الله) أي فالذكر له كالقامع الذي يقمع المفسد، فهو شديد النفور منه، ولهذا كان شيطان المؤمن هزيلاً، وعن بعض السلف: أن المؤمن يفني شيطانه، كما يفني الرجل بعيره في السفر. قال قتادة: { ٱلْخَنَّاسِ } له خرطوم كخرطوم الكلب، وقيل: كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان، فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية، واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس وتأخر، وإذا غفل رجع، وهل المراد الحقيقة. أو خرطوم الكلب والخنزير كناية عن قبحه وخبثه ونجاسته، ورأس الحية كناية عن شدة الأذية، ووضعه على الفؤاد كناية عن شدة التمكن؟ كل محتمل. قوله: (إذا غفلوا عن ذكر الله) أي بقلوبهم ولو كانوا ذاكرين بألسنتهم، وذلك لأن الوسوسة حالة في القلب، فلا يطردها إلا الذكر في الحال في القطر، فمن كان من أهل الذكر، فلا تسلط للشيطان عليه، قال تعالى:**{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }** [الحجر: 42]، ولا يترك الإنسان الذكر اللساني إذا وجد الغفلة والوسواس في قلبه، بل يكثر الذكر ويديمه، فلعله يستيقظ قلبه ويتنور، قال العارفون: الذكر اللساني كقدح الزناد، فإذا تكرر أصاب، قال بعضهم في ذلك:
| **اطلب ولا تضجرن من مطلب** | | **فآفة الطالب أن يضجرا** |
| --- | --- | --- |
| **أما ترى الحبل لتكراره** | | **في الصخرة الصماء قد أثرا** |
قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } اسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالياء، فيقال: جن وجني، كزنج وزنجي، وغالباً يفرق بالتاء كتمر وتمرة، وزيدت التاء في الجنة لتأنيث الجماعة، سموا بذلك لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون، وهم أجسام نارية هوائية، يتشكلون بالصور الشريفة والخسيسة، وتحكم عليهم الصورة وتقدم ما فيهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: (بيان للشيطان الموسوس) أي المذكور بقوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } فـ { مِن } بيانية مشوبة بتبعيض، أي بعض الجنة وبعض الناس. قوله: (كقوله تعالى) الخ، أي ويشهد له حديث: **" تعوذوا بالله من الشياطين الجن والإنس ".** قوله: (والناس) عطف على الوسواس، أي ولفظ { شَرِّ } مسلط عليه كأنه قال: من شر الوسواس الذي يوسوس وهو الجنة، ومن شر الناس، وعليه فالناس لا يصدر منهم وسوسة. قوله: (وعلى كل) أي من الاحتمالين، وقوله: (يشمل) أي الشر المستعاذ منه شر لبيد الخ. قوله: (المذكورين) أي في السورة السابقة، وفيه تغليب المذكر وهو لبيد، على المؤنث وهو بناته. قوله: (واعترض الأول) أي وهو أنه بيان للشيطان الموسوس. قوله:(لا يوسوس في صدورهم الناس) كذا في بعض النسخ، والمناسب كما في بعضها لا يوسوسون في صدور الناس. قوله: (بمعنى يليق بهم) أي كالنميمة ويخنسون إذا زجروا. قوله: (المؤدي) أي الموصل إلى ثبوتها في القلب. قوله: (والله أعلم) أشار بذلك إلى تمام القرآن، وفي ختم القرآن بهذه السورة إشارة حسنة كأنه قيل: ما أنزلناه كاف، ما فرطنا في الكتاب من شيء، فلا تطلب بعده شيئاً، بل اقتصر على العمل به، واستعذ بالله من الشيطان والحاسد، لأن العبد إذا تمت نعمة الله عليه، كثرت حساده إنساً وجناً، قيل: عده حروف هذه السورة غير المكرر ثلاث وعشرون حرفاً، وكذا عدد الفاتحة بعدد السنين التي أنزل فيها القرآن، وهو سر بديع، وأول القرآن باء البسملة، وآخره سين والناس، كأنه قال: بس أي تم وكمل، ثم اعلم أن الجلال المحلي رضي الله عنه، بعد أن ختم هذا النصف الأخير، وابتداؤه من سورة الكهف، شرع في تفسير النصف الأول، وأوله سورة الفاتحة، فقال في شروعه: فيه سورة الفاتحة الخ، ولم يفتتحه بخطبة على عادة المؤلفين، مشتملة على حمد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، قصداً للاختصار، وروماً للاقتصار على محط الفائدة. ثم إنه لما فرغ من تفسير سورة الفاتحة، توفي إلى رحمة الله تعالى، فقيض الله تعالى تلميذه الجلال السيوطي لتتميم تفسيره، فابتدأ بأول سورة البقرة، وختم بالإسراء، كما ذكر في خطبته، فسار تفسيره الفاتحة في نسخ الجلال، مضموماً لتفسير آخر القرآن لا أوله، ليكون تفسير المحلي مضموماً بعضه لبعض، رضي الله عن الجميع ونفعنا بهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | أيها الهارب من شر أنانية نفسك الطالب أنانية حقك، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [الناس: 1] في عالم القلب؛ ليحفظك بربوبيته من ذنوب القوى القالبية، { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 2] في عالم النفس يسلطك على جنود القوى النفسانية بسلطنة مكية، { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 3] في عروجك عن سماء صدرك ليخلصك عن آلهة هواك [و] ألوهته { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } [الناس: 4] الذي بواسطة هذه القوى [يلقي] { ٱلْخَنَّاسِ \* ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 4-5] على إلقاء الخواطر في صدورهم { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [الناس: 6]؛ أي: من القوى الخبيثة القالبية والنفسية.
واعلم أن الاستعاذة واجبة على جميع اللطائف في عروجهم على سماوات أطوار الغيوب خاصة اللطيفة القالبية والنفسية عند عروجها على سماء الصدر؛ لأن الشياطين يعرجون إلى أن يصلوا إلى سماء الصدر ليسترقوا السمع، أو يشق شق السالك المجذوب المقبول المردود إلى عالم القالب داعياً أمته إلى الحق، أو يوسوس اللطيفة القالبية عند عروجها على سماء الصدور ودخولها عالم القلب؛ لئلا يتمتع بالعروج وسيولها بالأمنية الشهوية، ويعبدها محبة الهوى الردية، فإذا استعاذت اللطيفة بالرب صارت الاستعاذة كالشهاب الثاقب، ويحرق أجنحة الخواطر الشيطانية الصادة لها عن الردود إلى حضرة القابلية، ولا يمكن الشيطان أن يتجاوز عن سماء الصدر ببركة قوة النبوة المحمدية.
فيا أيها المحمدي، اجتهد في طلب اللطيفة الخفية المنسوبة إلى محمد المخصوصة بأحمد لتصل إليها في أفق المقام المحمود، وتتنعم فيها بمشاهدة المعبود، ولا يمكن لك طلب اللطيفة الخفية ما دام معك من دنياك شيء، أما سمعت أن عيسى عليه السلام كان نائماً متكئاً على لبنة، فجاء الشيطان اللعين ووقف على رأسه، فلما أحس عيسى عليه السلام بمجيء اللعين هب من منامه وقال: ما جاء بك أيها اللعين إليَّ، فقال: أخذت قماشتي فجئت أطلب القماش، فقال عيسى عليه السلام: وما قماشك؟ قال: هذه اللبنة التي وضعتها تحت رأسك، فأخذ روح الله اللبنة ورمى بها وجهه، فإذا كان حاله عليه السلام كذلك فما ظن أحد غيره بحاله مع وجود اشتغاله بماله ومناله وأهله وعياله، إن الشيطان يدعه أن يخرج على سماء الصدر أو يشتغل بالسلوك فلا يغرنك الغرور، ومعك من قماشه شيء يسير وهو الدنيا بأنك تسلك الطريق وتصل إلى عالم الحقيقة، ولو تجردت عن الدنيا بأسرها في مقام التجريد يمكن لك بعد ذلك السلوك، ولكن لا يمكن لك الوصول لطيفتك الخفية ما دام في باطنك شيء من المعاني الباطلة والقالبية والنفسية والقلبية والسرية والروحية والخفية فإذا أفردت نفسك في مقام التفريد يمكن لك بعد ذلك السلوك ولكن لا يمكن لك الوصول إلى لطيفتك الخفية ولكن لا يمكن لك مشاهدة الحق الأعظم ومعك الحقوق الحاصلة من تصفية اللطائف عن الأباطيل حتى صارت حقوقاً صرفة، فلما وجدت في مقام التوحيد عن الحقوق فيمكن لك مشاهدة الحق الأعظم ولكن لا يمكن لك الاطلاع على أسرار الذات الواحد كما هو حقها ما دام معك رؤية التوحيد فإذا جردت عن رؤية التوحيد ووجدت في مقام الوحدة متمكناً في مقام العبودية فيطلعك الله الملك المبين على أسرار ذاته المقدسة وصفاته المسبَّحة وأفعاله المنزهة وآثاره المتقنة المحكمة، ويجعلك محرماً لأسراره وخازنا لأنواره ومظهراً لآثاره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
اللهم لا تكلني إلي طرفة عين ولا أقل من ذلك يا رب وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهم وتابعي تابعيهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد الله رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادَّتها، الذي من فتنته وشرّه، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائماً بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه. فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم. وأن الخلق كلهم داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها. وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }. والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ) | [سورتي المعوذتين] 29/ 764- عن قتيبة بن سعيد، عن سفيان بن عُيينة، عن عبدة ين أبي لُبابة، وعاصم بن أبي النَّجود [كلاهما]، عن زرِّ بن حُبيش، قال: **" سألت أُبيَّ بن كعب [قلت: أبا المُنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا]؟ فقال أُبيٌّ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " قيل لي، فقلت " قال: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ".** 30/ 765- أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا المُفضل، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشه كل ليلة جمع كفَّيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ".** 31/ 766- أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوِّذات، وينفُث فلما اشتد وجَعُه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } أي: ألجأ إليه وأستعين به، و (رب الناس) الذي يربيهم بقدرته ومشيئته وتدبيره. وهو رب العالمين كلهم والخالق للجميع { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أي: الذي ينفذ فيهم أمره وحكمه وقضاؤه ومشيئته دون غيره { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أي: معبودهم الحق وملاذهم إذا ضاق بهم الأمر، دون كل شيء سواه. والإله المعبود الذي هو المقصود بالإرادات والأعمال كلها { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } أي: الشيطان ذي الوسوسة. وقد زعم الزمخشري ومن تبعه؛ أن الوسواس مصدر أريد به الموسوس أو بتقدير (ذي). وحقق غير واحد أنه صفة كالثرثار، وأن فِعلالا (مصدر فعلل) بالكسر والمفتوح شاذ، وقد بسط الكلام في ذلك الإمام ابن القيّم في (بدائع الفوائد) { ٱلْخَنَّاسِ } أي: الذي عادته أن يخنس - أي يتأخر - إذا ذكر الإنسان ربه، لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة. وكلما تنبه العبد فذكر الله، خنس { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } أي: بالإلقاء الخفيّ في النفس. إما بصوت خفيّ لا يسمعه إلا من ألقي إليه، وإما بغير صوت.
قال ابن تيمية: و (الوسوسة) من جنس (الوشوشة) بالشين المعجمة. يقال (فلان يوسوس فلانا) و (قد وشوشه) إذا حدثه سراً في أذنه. وكذلك الوسوسة. ومنه وسوسة الحليّ. لكن هو بالسين المهملة، أخص.
وقال الإمام: إنما جعل الوسوسة في الصدور، على ما عهد في كلام العرب من أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر عندهم، وكثيراً ما يقال: (إن الشك يحوك في صدره) وما الشك إلا في نفسه وعقله. وأفاعيل العقل في المخ، وإن كان يظهر لها أثر في حركات الدم وضربات القلب وضيق الصدر أو انبساطه.
وقوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس، على أنه ضربان: ضرب من الجِنّة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، وإنما نجد في أنفسنا أثراً ينسب إليهم. وضرب من الإنس كالمضللين من أفراد الإنسان، كما قال تعالى:**{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112]. وإيحاؤهم هو وسوستهم.
قال ابن تيمية: فإن قيل: فإن كان أصل الشر كله من الوسواس الخناس، فلا حاجة إلى ذكر الاستعاذة من وسواس الناس، فإنه تابع لوسواس الجن. قيل: بل الوسوسة نوعان: نوع من الجن، ونوع من نفوس الإنس. كما قال:**{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }** [ق: 16] فالشر من الجهتين جميعاً. والإنس لهم شياطين كما للجن شياطين.
وقال أيضاً: الذي يوسوس في صدور الناس نفسه لنفسه، وشياطين الجن وشياطين الإنس. فليس من شرط الموسوس أن يكون مستتراً عن البصر، بل قد يُشَاهَد.
لطائف
الأولى: قال ابن تيمية: إنما خص الناس بالذكر، لأنهم المستعيذون.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فيستعيذون بربهم الذي يصونهم، وبملكهم الذي أمرهم ونهاهم وبإلهِهِم الذي يعبدونه من شر الذي يحول بينهم وبين عبادته. ويستعيذون أيضاً من شر الوسواس الذي يحصل في نفوس منهم ومن الجِنّة. فإنه أصل الشر الذي يصدر منهم والذي يرد عليهم.
وقال الناصر: في التخصيص جرى على عادة الاستعطاف، فإنه معه أتمّ.
الثانية: تكرر المضاف إليه وهو { ٱلنَّاسِ } باللفظ الظاهر، لمزيد الكشف والتقرير والتشريف بالإضافة. فإن الإظهار أنسب بالإيضاح المسوق له عطف البيان. وأدل على شرف الإنسان. وقيل: لا تكرار. لجواز أن يراد بالعام بعض أفراده. فـ: { ٱلنَّاسِ } الأُوَل: بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية. والثاني: الكهول والشبان، لأنهم المحتاجون لمن يسوسهم. والثالث: الشيوخ لأنهم المتعبدون المتوجهون لله. قال الشهاب: وفيه تأمّل.
الثالثة: في تعداد الصفات العليا هنا، إشارة إلى عظم المستعاذ منه. وأن الآفة النفسانية أعظم من المضار البدنية، حيث لم يكرر ذلك المستعاذ به في السورة قبل، وكرره هنا إظهاراً للاهتمام في هذه دون تلك. نقله الشهاب.
الرابعة: قال ابن تيمية: الوسواس من جنس الحديث والكلام. ولهذا قال المفسرون في قوله:**{ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }** [ق: 16] قالوا: ما تحدَّث به نفسه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: **" إن الله تجاوز لأمتي ما تحدَّث به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به "** وهو نوعان: خبر وإنشاء. فالخبر إما عن ماض وإما عن مستقبل. فالماضي يذكره والمستقبل يحدثه، بأن يفعل هو أموراً، أو أن أموراً ستكون بقدر الله أو فعل غيره. فهذه الأمانيّ والمواعيد الكاذبة. والإنشاء أمر ونهي وإباحة.
الخامسة: قال ابن تيمية: الفرق بين الإلهام المحمود وبين الوسوسة المذمومة هو الكتاب والسنة. فإن كان مما ألقى في النفس مما دل الكتاب والسنة على أنه تقوى لله، فهو من الإلهام المحمود. وإن كان مما دلّ على أنه فجور، فهو من الوسواس المذموم. وهذا الفرق مطرد لا ينقض.
وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان، فقال: ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه. وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه.
السادسة: قال الإمام الغزاليّ في (الإحياء) في بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة، ما مثاله: وإذا قلت: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فاعلم أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك عن الله عز وجل، حسداً لك على مناجاتك مع الله عز وجل، وسجودك له. مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها. وإن استعاذتك بالله سبحانه منه، بترك ما يحبه، وتبديله بما يحب الله عز وجل، لا بمجرد قولك. فإن من قصده سبع أو عدو ليفترسه أو ليقتله فقال: (أعوذ منك بهذا الحصن الحصين) وهو ثابت على مكانه ذلك لا ينفعه، بل لا يفيده إلا بتبديل المكان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن، فلا يغنيه مجرد القول، فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عز وجل عن شر الشيطان. وحصنُه (لا إله إلا الله) إذ قال عز وجل فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم. **" لا إله إلا الله حصني. فمن دخل حصني أمِنَ من عذابي "** والمتحصن منه من لا معبود له سوى الله سبحانه. فأما من اتخذ إلهه هواه، فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله عز وجل. انتهى.
وملخصه: أن التعوّذ ليس هو مجرد القول، بل القول عبارة عما كان للمتعوذ من ابتعاده بالفعل عما يتعوذ منه، فكان ترجمة لحالهم. وهذا المعنى كان يلوح لي من قبل أن أراه في كلام حجة الإسلام، حتى رأيته، فحمدت الله على الموافقة.
السابعة: قال الإمام الغزاليّ في (الإحياء) أيضاً، في بيان تسلط الشيطان على القلب بالوسواس: ومعنى الوسوسة وسبب غلبتها، ما مثاله: اعلم أن القلب في مثال قبة مضروبة لها أبواب تنصبّ إليه الأحوال من كل باب. ومثاله أيضا مثال هدف تنصبّ إليه السهام من الجوانب. أو هو مثال مرآة منصوبة تجتاز عليها أصناف السور المختلفة، فتتراءى فيها صورة ولا يخلو منها. أو مثال حوض تنصبّ فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه. وإنما مدخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال، إما من الظاهر فالحواس الخمس. وإما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان. فإنه إذا أدرك بالحواس شيئاً حصل منه أثر في القلب. وكذلك إذا هاجت الشهوة مثلا بسبب كثرة الأكل وسبب قوة المزاج، حصل منها في القلب أثر. وإن كف عن الإحساس، فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من شيء إلى شيء. وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخر. والمقصود أن القلب في التغير والتأثر دائماً من هذه الأسباب، وأخص الآثار الحاصلة في الخواطر - وأعني الخواطر: ما يحصل فيه من الأفكار والأذكار - وأعني به إدراكاته علوماً، إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر. فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها.
والخواطر: هي المحركات للإرادات. فإن النية والعزم والإرادة إنما تكون بعد خطور المنويّ بالبال لا محالة. فمبدأ الأفعال الخواطر. ثم الخاطر يحرك الرغبة، والرغبة تحرك العزم، والعزم يحرك النية، والنية تحرك الأعضاء. والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو للشر، أعني: إلى ما يضر في العاقبة. وإلى ما يدعو إلى الخير، أعني إلى ما ينفع في الدار الآخرة. فهما خاطران مختلفان. فافتقرا إلى اسمين مختلفين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فالخاطر المحمود يسمى: إلهاماً والخاطر المذموم، أعني الداعي إلى الشر يسمى: وسواساً. ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة. ثم إن كل حادث فلا بد له من محدث. ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب. هذا ما عرف من سنة الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب. فمهما استنارت حيطان البيت بنور النار، وأظلم سقفه واسودّ بالدخان، علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة. وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان. فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى: ملَكاً. وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى: شيطاناً. واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهام الخبر يسمى: توفيقاً. والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى: إغواءً وخذلاناً. فإن المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامٍ مختلفة. والملك عبارة عن خلقه الله تعالى، شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالخير والأمر بالمعروف. وقد خلقه وسخره لذلك. والشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك، وهو الوعد بالشر والأمر بالفحشاء والتخويف عند الهم بالخير، بالفقر. فالوسوسة في مقابلة الإلهام. والشيطان في القابلة الملك، والتوفيق في مقابلة الخذلان.
ثم قال الغزاليّ: ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ذكر سوى ما يوسوس به. لأنه إذا خطر في القلب ذكر شيء انعدم منه ما كان من قبل. ولكن كل شيء سوى الله تعالى، وسوى ما يتعلق به، فيجوز أيضاً أن يكون مجالاً للشيطان. وذكر الله تعالى هو الذي يؤمن جانبه ويعلم أن ليس للشيطان فيه مجال. ولا يعالج الشيء إلا بضده. وضد جميع وساوس الشيطان ذكر الله بالاستعاذة والتبرؤ عن الحول والقوة، وهو معنى قولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وذلك لا يقدر عليه إلا المتقون الغالب عليهم ذكر الله تعالى. وإنما الشيطان يطوف عليهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة. قال الله تعالى:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }** [الأعراف: 201].
ثم قال: فالوسوسة هي هذه الخواطر. والخواطر معلومة. فإذن الوسواس معلوم بالمشاهدة. وكل خاطر فله سبب، ويفتقر إلى اسم يعرّفه. فاسم سببه الشيطان. ولا يتصور أن ينفك عنه آدميّ. وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته. فقد اتضح بهذا النوع من الاستبصار معنى الوسوسة والإلهام، والملك والشيطان والتوفيق والخذلان. انتهى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | قوله { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } إلى قوله { ٱلْخَنَّاسِ } قال قتادة الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس.
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ } قال محمد يعني الذي هو من الجن.
قوله { وَٱلنَّاسِ } قال يحيى ومن شر شياطين الإنس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) | - علي بن إبراهيم: و إنما هو: { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } اسم الشيطان الذي هو في صدور الناس يوسوس فيها و يؤيسهم من الخير و يعدهم الفقر، و يحملهم على المعاصي و الفواحش و هو قول الله عز و جل**{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ }** [البقرة: 268].
- و قال الصادق (عليه السلام): " ما من قلب إلا و له أذنان، على أحدهما ملك مرشد، و على الآخر شيطان مفتن، هذا يأمره و هذا يزجره، و كذلك من الناس شيطان يحمل الناس على المعاصي، كما يحمل الشيطان من الجن ".
- ثم قال علي بن إبراهيم: حدثنا سعيد بن محمد، قال: حدثنا بكر بن سهل، عن عبد الغني بن سعيد الثقفي، عن موسى بن عبد الرحمن، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، في قوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } يريد الشيطان (لعنه الله) على قلب ابن آدم، له خرطوم مثل خرطوم الخنزير، يوسوس لابن آدم إذا أقبل على الدنيا و ما لا يحب الله، فإذا ذكر الله عز و جل انخنس، يريد رجع، قال الله عز و جل:
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ثم أخبر أنه من الجن و الإنس، فقال عز و جل: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يريد من الجن و الإنس.
- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " ما من مؤمن إلا و لقلبه أذنان في جوفه، اذن ينفث فيه الوسواس الخناس، و اذن ينفث فيه الملك، فيؤيد الله المؤمن بالملك، فذلك قوله:**{ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ }** [المجادلة: 22] ".
الطبرسي: روى العياشي بإسناده، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، و ذكر الحديث بعينه.
باب أن المعوذتين من القرآن
- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن داود بن فرقد، عن صابر مولى بسام، قال: أمنا أبو عبد الله (عليه السلام) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين، ثم قال: " هما من القرآن ".
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمال، قال: صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) المغرب، فقرأ بالمعوذتين في الركعتين.
- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" كان سبب نزول المعوذتين أنه وعك رسول الله (صلى الله عليه و آله) فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بهاتين السورتين فعوذه بهما ".** - و عنه: عن علي بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف، فقال (عليه السلام): " كان أبي يقول: إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه، و هما من القرآن ".
- الطبرسي، قال: في حديث أبي: من قرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } فكأنما قرأ جميع الكتب التي أنزلها الله على الأنبياء.
- و عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): **" أنزلت علي آيات لم ينزل مثلهن: المعوذتان "** أورده مسلم في (الصحيح).
- و عنه: عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: **" يا عقبة، ألا أعلمك سورتين هما أفضل القرآن؟ ". قلت: بلى يا رسول الله، فعلمني المعوذتين، ثم قرأ بهما في صلاة الغداة، و قال: " اقرأهما كلما قمت و نمت ".** - و عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " من أوتر بالمعوذتين و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قيل له: يا عبد الله، أبشر، فقد قبل الله و ترك ".
- و عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: **" إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) اشتكى شكوة شديدة، و وجع وجعا شديدا، فأتاه جبرئيل و ميكائيل (عليهما السلام)، فقعد جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه، فعوذة جبرئيل ب { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و عوذة ميكائيل ب { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ".** - و عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" جاء جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و هو شاك، فرقاه بالمعوذتين و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و قال: بسم الله أرقيك، و الله يشفيك من كل داء يؤذيك، خذها فلتهنئك ".** - و عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا قرأت { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } فقل في نفسك: أعوذ برب الفلق، و إذا قرأت { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } قل في نفسك: أعوذ برب الناس ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | قال الله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } قال أهل المعاني: لما كانت الاستعاذة من شر الموسوس في صدور الناس اقتطعهم من بين سائر الخلق، بإضافة الرب إليهم، تحقيقاً لمعنى استحقاق الاستعاذة به، وتنبيهاً لهم على الالتجاء إليه، والخضوع بين يديه؛ لأنه ربهم ومالكهم الذي يقدر على دفع ما يضرهم عنهم.
و { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } عطف بيان، لأنه قد يقال لغيره رَبُّ.
و { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } زيادة في البيان أيضاً، لأنه قد يقال لغيره جل وعلا رَبٌّ مَلِكٌ. وأما الإله فهو الذي لا يشارَك فيه.
{ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وهو الشيطان.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" الشيطانُ جاثمٌ على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس ".** والخُنُوس: التأخر في خِفْيَة.
قوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } جائز أن يكون في محل الجر صفة لـ " الوسواس ". وجائز أن يكون في محل النصب والرفع على الذم.
وفي توجيه الآية أقوال:
أحدها: أن " مِنْ " يتعلق بـ " يُوَسْوِسُ " ، ومعناه: ابتداء الغاية، على معنى: يوسوس في صدور الناس من جهة الجن ومن جهة الناس.
قال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.
وقال ابن جريج: وَسْوَاسُ الإنس: وَسْوَسَةُ النَّفْس.
القول الثاني: أن قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان لـ " الناس " ، فإن الجن يسمون ناساً كما يسمون نفراً ورجالاً في قوله:**{ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 1]، وقوله:**{ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]. قاله الفراء.
الثالث: أن قوله: " من الجنة " بيان لـ " الوسواس " ، أي: الوسواس الذي هو من الجِنَّة. وقوله: " والناس " معطوف على " الوسواس ". المعنى: من شر الوسواس ومن شر الناس. وهذا اختيار الزجاج.
قال: وهذا المعنى عليه أمر الدعاء، أنه يستعاذ من شر الجن والإنس, ودليل ذلك:**{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }** [الفلق: 2].
الرابع: أن الكلام تم عند قوله: " الخناس " ، وما بعده استئناف مضمونه البيان، بأن الموسوس من هذين النوعين؛ الجن والإنس، وتقريره ما ذكرناه في القول الثاني.
وبالإسناد السالف قال أبو بكر السني: حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن العاص، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا ابن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر الجهني قال: **" بينما أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لي: يا عقبة! ألا أعلمك من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ قلت: بلى يا رسول الله، فقرأ عليّ " قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس " ، قال: فلما أقيمت الصلاة -صلاة الصبح- قرأ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرّ بي فقال: كيف رأيت [يا عقبة]؟ اقرأ بهما كلما نمت وقُمت ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وبه قال أبو بكر: أخبرنا أبو عبدالرحمن، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم قرأ فيهما: " قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس " ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يمر بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات ".** وبالإسناد قال الحافظ أبو بكر السني: أخبرنا أبو عبدالرحمن -يعني: النسائي-، أخبرنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني أَسِيد بن أبي أسيد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه قال: **" أصابنا عَطَشٌ وظُلْمَةٌ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا، ثم ذكر كلاماً معناه، فخرج فقال: قل؟ قلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً يكفيك كل شيء ".** آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لَمَّا أمره بالاستعاذة مِنْ شرٍّ يعم الإنسان و غيره، أمره بالاستعاذة ممّا يخُصُّه فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }: خصّهُ به تشريفا ولاختصاص التوسوس به { مَلِكِ ٱلنَّاسِ }: ترقي من الأدنى إلى الأعلى، إذ الرَّبُّ قد لا يكون ملكا، وكذا في { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }: نبه بتكرار الناس على شرفه، وبالصفات الثلاث على مراتب معرفته، فإنه يستدل بالنعم على ربه، ثم يترقى إلى أن يتحقق احتياج الكل إليه فيعلم أنه الملك ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ }: هو حديث النفس، والمراد الشيطان الموسوس، سمي به مبالغة { ٱلْخَنَّاسِ } الذي يخنس أي: يرجع أو يتأخر عند ذكر الله { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ }: إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }: بيان للوسواس، أو للذي ووسوسة الناس لنا: إغواءهم لنا، بحيث يصل أثره إلى قلوبنا، أو للناس على أنه من الناسي لحق الله تعالى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد أستجير { بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ } وهو ملك جميع الخلق: إنسِهم وجنهم، وغير ذلك، إعلاماً منه بذلك مَنْ كان يعظِّم الناس تعظيم المؤمنين ربَّهم، أنه مَلِكُ من يعظمه، وأن ذلك في مُلكه وسلطانه، تجري عليه قُدرته، وأنه أولى بالتعظيم، وأحقّ بالتعبد له ممن يعظمه، ويتعبَّد له، من غيره من الناس. وقوله: { إلَهِ النَّاسِ } يقول: معبود الناس، الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه. وقوله: { مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ } يعني: من شرّ الشيطان { الخَنَّاسِ } الذي يخنِس مرّة ويوسوس أخرى، وإنما يخنِس فيما ذُكر عند ذكر العبد ربه. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن حكيم بن جُبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما من مولود إلا على قلبه الوَسواس، فإذا عقل فذكر الله خَنَس، وإذا غَفَل وسوس، قال: فذلك قوله: { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ }. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سفيان، عن ابن عباس، في قوله { الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس. قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: ينبسط، فإذا ذكر الله خَنَس وانقبض، فإذا غفل انبسط. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله { الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } قال: الشيطان يكون على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خَنَس. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { الْوَسْوَاسِ } قال: قال هو الشيطان، وهو الخَنَّاس أيضاً، إذا ذكر العبد ربه خنس، وهو يوسوس ويَخْنِس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } يعني: الشيطان، يوسوس في صدر ابن آدم، ويخنس إذا ذَكر الله. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن أبيه، ذُكر لي أن الشيطان، أو قال الوسواس، ينفث في قلب الإنسان عند الحزن وعند الفرح، وإذا ذَكر الله خنس. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { الخَنَّاسِ } قال: الخناس الذي يوسوس مرّة، ويخنس مرّة من الجنّ والإنس، وكان يقال: شيطان الإنس أشدّ على الناس من شيطان الجنّ، شيطان الجنّ يوسوس ولا تراه، وهذا يُعاينك معاينة. ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول في ذلك { مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ } الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس، حتى يُستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته، فإذا استجيب له إلى ذلك خَنَس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله { الْوَسْواس } قال: هو الشيطان يأمره، فإذا أطيع خنس. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شرّ شيطان يوسوس مرّة ويخنس أخرى، ولم يخصّ وسوسته على نوع من أنواعها، ولا خنوسه على وجه دون وجه، وقد يوسوس الدعاء إلى معصية الله، فإذا أطيع فيها خَنَس، وقد يوسوس بالنَّهْي عن طاعة الله فإذا ذكر العبدُ أمر به، فأطاعه فيه، وعصى الشيطان خنس، فهو في كل حالتيه وَسْواس خَنّاس، وهذه الصفة صفته. وقوله: { الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } يعني بذلك: الشيطان الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس: جنهم وإنسهم. فإن قال قائل: فالجنّ ناس، فيقال: { } الذي يوسوس في صدور الناس: من الجنة والناس. قيل: قد سماهم الله في هذا الموضع ناساً، كما سماهم في موضع آخر رجالاً، فقال:**{ وَأنَّهُ كَانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ }** ، فجعل الجنّ رجالاً، وكذلك جعل منهم ناساً. وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث، إذ جاء قوم من الجنّ فوقفوا، فقيل: من أنتم؟ فقالوا: ناس من الجنّ، فجعل منهم ناساً، فكذلك ما في التنزيل من ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) | قرىء «قل أعوذ» بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام، ونحوه.**{ فَخُذْ أَرْبَعَةً }** البقرة260. فإن قلت لم قيل { بِرَبّ ٱلنَّاسِ } مضافاً إليهم خاصة؟ قلت لأنّ الاستعاذة وقعت من شرّ الموسوس في صدور الناس، فكأنه قيل أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلـٰههم ومعبودهم، كما يستغيث بعض الموالى إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم. فإن قلت { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } ما هما من رب الناس؟ قلت هما عطف بيان، كقولك سيرة أبي حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بياناً بإلـٰه الناس، لأنه قد يقال لغيره رب الناس، كقوله**{ ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ }** التوبة 31 وقد يقال ملك الناس. وأمّا { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان. فإن قلت فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة؟ قلت لأنّ عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار { ٱلْوَسْوَاسِ } اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. وأمّا المصدر فوسواس بالكسر كزلزال. والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه. أو أريد ذو الوسواس. والوسوسة الصوت الخفي. ومنه وسواس الحلي. و { ٱلْخَنَّاسِ } الذي عادته أن يخنس، منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والبتات، لما روي عن سعيد بن جبير إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، فإذا غفل وسوس إليه { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } يجوز في محله الحركات الثلاث، فالجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ويحسن أن يقف القارىء على { ٱلْخَنَّاسِ } ويبتدىء { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } على أحد هذين الوجهين { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس، على أن الشيطان ضربان جنى وإنسي، كما قال**{ شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** الأنعام 112 وعن أبي ذر رضي الله عنه قال لرجل هل تعوذت بالله من شيطان الإنس؟ ويجوز أن يكون من متعلقاً بيوسوس، ومعناه ابتداء الغاية، أي يوسوس في صدروهم من جهة الجنّ ومن جهة الناس، وقيل من الجنّة والناس بيان للناس، وأن اسم الناس ينطلق على الجنة، واستدلّوا بنفر و رجال في سورة الجن. وما أحقه لأن الجن سموا «جنا» لاجتنانهم، والناس «ناساً» لظهورهم، من الإيناس وهو الإبصار، كما سموا بشراً ولو كان يقع على الناس على القبيلين، وصحّ ذلك وثبت لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن وبعده من التصنع. وأجود منه أن يراد بالناس الناسي، كقوله**{ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** القمر 6 كما قرىء**{ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ }** البقرة 199 ثم يبين بالجنة والناس لأنّ الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله عزّ وجلّ. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1877 **" لقد أنزلت عليّ سورتان ما أنزل مثلهما، وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما "** يعني المعوذتين. ويقال للمعوذتين المقشقشتان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) | القراءة: قرأ أبو عمرو الدوري عن الكسائي يميل الناس في موضع الجر ولا يميل في الرفع والنصب والباقون لا يميلون. اللغة: الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الأعشى:
| **تَسْمَعُ لِلْحَلْي وَسْواساً إذا انْصَرَفَتْ** | | **كَمَــا اسْتَعانَ بِريـحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ** |
| --- | --- | --- |
قال رؤبة:
| **وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الْفَلَقْ** | | **سِــرّاً وَقَدْ أوَّنَ تَأْويـــنَ الْعُقُــقْ** |
| --- | --- | --- |
والوسوسة كالهمهمة ومنه قولهم فلان موسوس إذا غلب عليه ما يعتريه من المرة يقال وسوس وسواساً ووسوسة وتوسوس والخنوس الاختفاء بعد الظهور خنس يخنس ومنه الخنس في الأنف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتّوة وأصل الناس الأناس فحذفت الهمزة التي هي فأو يدلك على ذلك الإنس والأناس وأما قولهم في تحقيره نويس فإن الألف لما كانت ثانية زائدة أشبهت ألف فاعل فقلبت واواً. الإِعراب: قيل إن قوله { من الجنة } بدل من قوله { من شرّ الوسواس } فكأنه قال أعوذ بالله من شر الجنة والناس وقيل إن من تبين للوسواس والتقدير من شر ذي الوسواس الخناس من الجنة والناس أي صاحب الوسواس الذي من الجنة والناس فيكون الناس معطوفاً على الوسواس الذي هو في معنى ذي الوسواس وإن شئت لم تحذف المضاف فيكون التقدير من شر الوسواس الواقع من الجنة التي توسوسه في صدور الناس فيكون فاعل يوسوس ضمير الجنة وإنما ذكر لأن الجنة والجن واحد وجازت الكناية عنه وإن كان متأخراً لأنه في نية التقديم فجرى مجرى قوله**{ فأوجس في نفسه خيفة موسى }** [طه: 67] وحذف العائد من الصلة إلى الموصوف كما في قوله**{ أهذا الذي بعث الله رسولاً }** [الفرقان: 41] أي بعثه الله رسولاً. المعنى: { قل } يا محمد { أعوذ برب الناس } أي خالقهم ومدبّرهم ومنشئهم { ملك الناس } أي سيدهم والقادر عليهم ولم يجز هنا إلا ملك وجاز في فاتحة الكتاب ملك ومالك وذلك لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير وليس كذلك مالك وذلك لأنه يجوز أن يقال مالك الثوب ولا يجوز ملك الثوب فجرت اللفظة في فاتحة الكتاب على معنى الملك في يوم الجزاء وجرت في هذه السورة على ملك تدبير من يعقل التدبير فكان لفظ ملك أولى هنا وأحسن ومعناه ملك الناس كلهم وإليه مفزعهم في الحوائج. { إله الناس } معناه الذي يجب على الناس أن يعبدوه لأنه الذي تحقُّ له العبادة دون غيره وإنما خصَّ سبحانه الناس وإن كان سبحانه ربّاً لجميع الخلائق لأن في الناس عظماء فأخبر بأنه ربهم وإن عظموا ولأنه سبحانه أمر بالاستعاذة من شرّهم فأخبر بذكرهم أنه الذي يعيذه منهم وفي الناس ملوك فذكر أنه ملكهم وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم وأنه هو المستحق للعبادة دون غيره قال جامع العلوم النحوي وليس قوله { الناس } تكراراً لأن المراد بالأول الأجنة ولهذا قال { برب الناس } لأنه يربيهم والمراد بالثاني الأطفال ولذلك قال ملك الناس لأنه يملكهم والمراد بالثالث البالغون المكلفون ولذلك قال { إله الناس } لأنهم يعبدونه والمراد بالرابع العلماء لأن الشيطان يوسوس إليهم ولا يريد الجهال لأن الجاهل يضل بجهله وإنما تقع الوسوسة في قلب العالم كما قال فوسوس إليه الشيطان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله { من شر الوسواس الخناس } فيه أقوال أحدها: أن معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة وقد مرَّ بيانه وثانيها: أن معناه من شر ذي الوسواس وهو الشيطان كما جاء في الإثر أنه يوسوس فإذا ذكر العبد ربه خنس. ثم وصفه الله تعالى بقوله { الذي يوسوس في صدور الناس } أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع ثم ذكر إن هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس { من الجنة } وهم الشياطين كما قال سبحانه**{ إلا إبليس كان من الجن }** [الكهف: 50] ثم عطف بقوله { والناس } على الوسواس والمعنى من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن والإنس وثالثها: أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ثم فسَّره بقوله من الجنة والناس كما يقال نعوذ بالله من شر كل مارد من الجن والإنس وعلى هذا فيكون وسواس الجنة هو وسواس الشيطان على ما مضى وفي وسواس الإنس وجهان أحدهما: أنه وسوسة الإنسان من نفسه والثاني: إغواء من يغويه من الناس ويدل عليه قوله**{ شياطين الإنس والجن }** [الأنعام: 112] فشيطان الجن يوسوس وشيطان الإنس يأتي علانية ويرى أنه ينصح وقصده الشر قال مجاهد: الخناس الشيطان إذا ذكر اسم الله سبحانه خنس وانقبض وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب ويؤيده ما روي عن انس بن مالك أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس وإذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس "** وقيل: الخناس معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور وهو المستتر المختفي من أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين. وقال إبراهيم التيمي: أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء. وقيل: إن معنى قوله { يوسوس في صدور الناس } يلقى الشغل في قلوبهم بوسواسه والمراد أن له رفقاء به يوصل الوسواس إلى الصدر وهو أقرب من خلوصه بنفسه إلى صدره وفي هذا إشارة إلى أن الضرر يلحق من جهة هؤلاء وأنهم قادرون على ذلك ولولاه لما حسن الأمر بالاستعاذة منهم وفيه دلالة على أنه لا ضرر ممن يتعوذ به وإنما الضرر كله ممن يتعوذ منه ولو كان سبحانه خالقاً للقبائح لكان الضرر كله منه جل وعز وفيه إشارة أيضاً إلى أنه سبحانه يراعي حال من يتعوذ به فيكفيه شرورهم ولولا ذلك لما دعاه إلى التعوذ به من شرورهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ولما وصف سبحانه نفسه بأنه الرب الإِله الغني عن الخلق فإنَّ من احتاج إلى غيره لا يكون إلهاً ومن كان غنياً عالماً لغناه لا يختار فعل القبيح ولهذا حسنت الاستعاذة به من شرّ غيره وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال: إذا قرأت**{ قل أعوذ برب الفلق }** [الفلق: 1] فقل في نفسك أعوذ برب الفلق وإذا قرأت { قل أعوذ برب الناس } قل في نفسك أعوذ برب الناس وروى العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أذنان أذن ينفث فيها الملك وأذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك "** وهو قوله سبحانه**{ وأيدهم بروح منه }** [المجادلة: 22].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) | أما قوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } ففيه وجوه: أحدها: كأنه يقول الوسواس الخناس قد يكون من الجنة وقد يكون من الناس كما قال:**{ شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ }** [الأنعام: 112] وكما أن شيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس أخرى فشيطان الإنس يكون كذلك، وذلك لأنه يرى نفسه كالناصح المشفق، فإن زجره السامع يخنس، ويترك الوسوسة، وإن قبل السامع كلامه بالغ فيه وثانيها: قال قوم قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } قسمان مندرجان تحت قوله في: { صُدُورِ ٱلنَّاسِ } كأن القدر المشترك بين الجن والإنس، يسمى إنساناً والإنسان أيضاً يسمى إنساناً فيكون لفظ الإنسان واقعاً على الجنس والنوع بالاشتراك، والدليل على أن لفظ الإنسان يندرج فيه الجن والإنس ما روى أنه جاء نفر من الجن فقيل لهم: من أنتم فقالوا: أناس من الجن، أيضاً قد سماهم الله رجالاً في قوله:**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ ٱلْجِنّ }** [الجن: 6] فجاز أيضاً أن يسميهم ههنا ناساً، فمعنى الآية على هذا التقدير أن هذا الوسواس الخناس شديد الخنث لا يقتصر على إضلال الإنس بل يضل جنسه وهم الجن، فجدير أن يحذر العاقل شره، وهذا القول ضعيف، لأن جعل الإنسان اسماً للجنس الذي يندرج فيه الجن والإنس بعيد من اللغة لأن الجن سموا جناً لاجتنانهم والإنسان إنساناً لظهوره من الإيناس وهو الإبصار، وقال صاحب الكشاف: من أراد تقرير هذا الوجه، فالأولى أن يقول: المراد من قوله: { يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } أي في صدور الناسي كقوله:**{ يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ }** [القمر: 6] وإذا كان المراد من الناس الناسي، فحينئذ يمكن تقسيمه إلى الجن والإنس لأنهما هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله تعالى وثالثها: أن يكون المراد أعوذ برب الناس من الوسواس الخناس ومن الجنة والناس كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد، ثم استعاذ بربه من الجميع الجنة والناس. واعلم أن لهذه السورة لطيفة أخرى: وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي أنه رب الفلق، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات، وهي الغاسق والنفاثات والحاسد، وأما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاثة: وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة، وهي الوسوسة، والفرق بين الموضعين أن الثناء يجب أن يتقدر بقدر المطلوب، فالمطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن، والمطلوب في السورة الثانية سلامة الدين، وهذا تنبيه على أن مضرة الدين وإن قلت: أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) | أخبر أن الموسوِس قد يكون من الناس. قال الحسن: هما شيطانان أما شيطان الجنّ فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية. وقال قتادة: إن من الجنّ شياطينَ، وإن من الإنس شياطين فتعوّذ بالله من شياطين الإنس والجنّ. وروي عن أبي ذرّ أنه قال لرجل: هل تعوّذت بالله من شياطين الإنس؟ فقال: أوَ مِن الإنس شياطين؟ قال: نعم لقوله تعالى:**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112]... الآية. وذهب قوم إلى أن الناس هنا يراد بهم الجن. سموا ناساً كما سموا رجالاً في قوله:**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6] ـ وقوماً ونفراً. فعلى هذا يكون «والناسِ» عطفاً على «الجِنةِ»، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين. وذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث: جاء قوم من الجن فوقفوا. فقيل: مَن أَنتْم؟ فقالوا: ناس من الجن. وهو معنى قول الفرّاء. وقيل: الوسواس هو الشيطان. وقوله: «مِن الجِنةِ» بيان أنه من الجن «والناسِ» معطوف على الوسواس. والمعنى: قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس، الذي هو من الجِنة، ومن شر الناس. فعلى هذا أمِر بأن يستعيذ من شر الإنس والجن. والجِنَّة: جمع جِنِّي كما يقال: إنس وإنسيّ. والهاء لتأنيث الجماعة. وقيل: إن إبليس يوسوس في صدور الجن، كما يوسوس في صدور الناس. فعلى هذا يكون «في صدور الناس» عاماً في الجميع. و«من الجِنة والناس» بيان لما يوسوس في صدره. وقيل: معنى «مِن شر الوسواسِ» أي الوسوسة التي تكون من الجنة والناس، وهو حديث النفس. وقد ثبت:عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به "** رواه أبو هريرة، أخرجه مسلم. فالله تعالى أعلم بالمراد من ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) | مختلف فيها، وآيها ست آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ } وقرىء في السورتين بحذف الهمزة ونقل حركتهما إلى اللام. { بِرَبّ ٱلنَّاسِ } لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية وهي تعم الإِنسان وغيره والاستعاذة في هذه السورة من الأضرار التي تعرض للنفوس البشرية وتخصها، عمم الإِضافة ثمَّ وخصصها بالناس ها هنا فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم.
{ مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } عطفاً بيان له فإن الرب قد لا يكون ملكاً والملك قد لا يكون إلهاً، وفي هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعاذة قادراً عليها غير ممنوع عنها وإشعار على مراتب الناظر في المعارف فإنه يعلم أولاً بما عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له رباً، ثم يتغلل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل وذات كل شيء له ومصارف أمره منه، فهو الملك الحق ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير، ويتدرج وجوه الاستعاذة كما يتدرج في الاستعاذة المعتادة، تنزيلاً لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعاراً بعظم الآفة المستعاذة منها، وتكرير { ٱلنَّاسِ } لما في الإِظهار من مزيد البيان، والإِشعار بشرف الإِنسان.
{ مِن شَرّ ٱلْوَسْوَاسِ } أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فبالكسر كالزلزال، والمراد به الموسوس وسمي بفعله مبالغة. { ٱلْخَنَّاسِ } الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإِنسان ربه.
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } إذا غفلوا عن ذكر ربهم، وذلك كالقوة الوهمية، فإنها تساعد العقل في المقدمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه، ومحل { ٱلَّذِى } الجر على الصفة أو النصب أو الرفع على الذم.
{ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان لـ { ٱلْوَسْوَاسِ } ، أو الذي أو متعلق بـ { يُوَسْوِسُ } أي يوسوس في صدورهم من جهة الجِنَّةَ والناس. وقيل بيان لـ { ٱلنَّاسِ } على أن المراد به ما يعم الثقلين، وفيه تعسف إلا أن يراد به الناسي كقوله تعالى:**{ يَوْمَ يدعُ ٱلدَّاعِ }** [القمر: 6] فإن نسيان حق الله تعالى يعم الثقلين.
عن النبي صلى الله عليه وسلم **" من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تبارك وتعالى ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) | هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل الربوبية والملك والإلهية، فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة، عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم، إلا وله قرين يزين له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عصمه الله. وقد ثبت في الصحيح أنه **" ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه "** قالوا وأنت يا رسول الله؟ قال **" نعم، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير "** ، وثبت في الصحيح عن أنس في قصة زيارة صفية للنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، وخروجه معها ليلاً ليردها إلى منزلها، فلقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم، أسرعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" على رسلكما، إنها صفية بنت حيي "** فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال **" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ــــ أو قال شراً "** ، وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا محمد بن بحر، حدثنا عدي بن أبي عمارة، حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي، التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس "** غريب. وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عاصم، سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره، فقلت تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم **" لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت تعس الشيطان، تعاظم وقال بقوتي صرعته، وإذا قلت باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب، وغلب "** تفرد به أحمد، إسناده جيد قوي، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلِب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغَلَب. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إن أحدكم إذا كان في المسجد، جاءه الشيطان، فأبس به كما يبس الرجل بدابته، فإذا سكن له، زنقه، أو ألجمه "** قال أبو هريرة رضي الله عنه وأنتم ترون ذلك، أما المزنوق، فتراه مائلاً كذا، لا يذكر الله، وأما الملجم، ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل، تفرد به أحمد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } ، قال الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل، وسوس، فإذا ذكر الله، خنس، وكذا قال مجاهد وقتادة. وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه ذكر لي أن الشيطان الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله، خنس. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله { ٱلْوَسْوَاسِ } قال هو الشيطان يأمر، فإذا أطيع خنس. وقوله تعالى { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } هل يختص هذا ببني آدم، كما هو الظاهر، أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليباً، وقال ابن جرير وقد استعمل فيهم رجال من الجن، فلا بدع في إطلاق الناس عليهم. وقوله تعالى { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } هل هو تفصيل لقوله { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ثم بينهم فقال { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } وهذا يقوي القول الثاني، وقيل لقوله { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** الأنعام 112. وكما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع، حدثنا المسعودي، حدثنا أبو عمر الدمشقي، حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في المسجد، فجلست فقال **" يا أبا ذر هل صليت؟ "** قلت لا، قال **" قم فصل "** قال فقمت فصليت ثم جلست، فقال **" يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن "** قال فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال **" نعم "** قال فقلت يا رسول الله الصلاة؟ قال **" خير موضوع، من شاء أقل، ومن شاء أكثر "** قلت يا رسول الله فالصوم؟ قال **" فرض مجزىء، وعند الله مزيد "** قلت يا رسول الله فالصدقة؟ قال **" أضعاف مضاعفة "** قلت يا رسول الله فأيها أفضل؟ قال **" جهد من مقل أو سر إلى فقير "** قلت يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال **" آدم "** قلت يا رسول الله ونبياً كان؟ قال **" نعم نبي مكلم "** قلت يا رسول الله كم المرسلون؟ قال **" ثلاثمئة وبضعة عشر، جماً غفيراً "** وقال مرة **" خمسة عشر "** قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال **" آية الكرسي { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } "** ورواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقد أخرج هذا الحديث مطولاً جداً أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطريق آخر، ولفظ آخر مطول جداً، فا لله أعلم. وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم **" الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة "** ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور، زاد النسائي والأعمش كلاهما عن ذر به. آخر التفسير، ولله الحمد والمنة، والحمد لله رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) | { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } باين للشيطان الموسوس أنه جني أوإنسي،كقوله تعالى:**{ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ }** [112:6] أو من الجنة بيان له (والناس) عطف على( الوسواس) وعلى كل شمل شر لبيد وبناته المذكورين ،واعترض الأول بأن الناس لا يوسوس في صدورهم الناس إنما يوسوس في صدورهم الجن ،وأُجيب بأن الناس يوسوسون أيضاً بمعنى يليق بهم في الظاهر ثم تصل وسوستهم إلى القلب وتثبت فيه بالطريق المؤدي إلى ذلك والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) | وقرأ الجمهور { قُلْ أَعُوذُ } بالهمزة. وقرىء بحذفها، ونقل حركتها إلى اللام. وقرأ الجمهور بترك الإمالة في الناس، وقرأ الكسائي بالإمالة. ومعنى { ربّ الناس } مالك أمرهم، ومصلح أحوالهم، وإنما قال { ربّ الناس } مع أنه ربّ جميع مخلوقاته للدلالة على شرفهم، ولكون الاستعاذة وقعت من شرّ ما يوسوس في صدورهم. وقوله { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } عطف بيان جيء به لبيان أن ربيته سبحانه ليست كربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم، بل بطريق الملك الكامل، والسلطان القاهر. { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هو أيضاً عطف بيان كالذي قبله لبيان أن ربوبيته، وملكه قد انضمّ إليهما المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي بالاتحاد والإعدام، وأيضاً الربّ قد يكون ملكاً، وقد لا يكون ملكاً، كما يقال ربّ الدار، وربّ المتاع، ومنه قوله**{ ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ }** التوبة 31 فبين أنه ملك الناس. ثم الملك قد يكون إلٰهاً، وقد لا يكون، فبيّن أنه إلٰه لأن اسم الإلٰه خاصّ به لا يشاركه فيه أحد، وأيضاً بدأ باسم الربّ، وهو اسم لمن قام بتدبيره، وإصلاحه من أوائل عمره إلى أن صار عاقلاً كاملاً، فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك، فذكر أنه ملك الناس. ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه، وأنه عبد مخلوق، وأن خالقه إلٰه معبود بيّن سبحانه أنه إلٰه الناس، وكرّر لفظ الناس في الثلاثة المواضع لأن عطف البيان يحتاج إلى مزية الإظهار ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس. { مِن شَرّ ٱلْوَسْوَاسِ } قال الفرّاء هو بفتح الواو بمعنى الاسم، أي الموسوس، وبكسرها المصدر، أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة. وقيل هو بالفتح اسم بمعنى الوسوسة، والوسوسة هي حديث النفس، يقال وسوست إليه نفسه وسوسة، أي حدّثته حديثاً، وأصلها الصوت الخفيّ. ومنه قيل لأصوات الحلي وسواس، ومنه قول الأعشى
| **تسمع للحلى وسواساً إذا انصرفت** | | |
| --- | --- | --- |
قال الزجاج الوسواس هو الشيطان، أي ذي الوسواس. ويقال إن الوسواس ابن لإبليس، وقد سبق تحقيق معنى الوسوسة في تفسير قوله**{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ }** الأعراف 20 ومعنى { ٱلْخَنَّاسِ } كثير الخنس، وهو التأخر، يقال خنس يخنس إذا تأخر، ومنه قول العلاء بن الحضرمي يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم
| **فإذا دخسوا بالشرّ فاعف تكرّما وإن خنسوا عند الحديث فلا تسل** | | |
| --- | --- | --- |
قال مجاهد إذا ذكر الله خنس وانقبض. وإذا لم يذكر انبسط على القلب. ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى**{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ }** التكوير 15 يعني النجوم لاختفائها بعد ظهورها، كما تقدّم. وقيل الخناس اسم لابن إبليس، كما تقدّم في الوسواس. { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } الموصول يجوز أن يكون في محل جرّ نعتاً للوسواس، ويجوز أن يكون منصوباً على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على تقدير مبتدأ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقد تقدّم معنى الوسوسة. قال قتادة إن الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، فإذا غفل ابن آدم عن ذكر الله وسوس له، وإذا ذكر العبد ربه خنس. قال مقاتل إن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه سلطه الله على ذلك، ووسوسته هي الدعاء إلى طاعته بكلام خفيّ يصل إلى القلب من غير سماع صوت. ثم بيّن سبحانه الذي يوسوس بأنه ضربان جني، وإنسي، فقال { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } أما شيطان الجنّ، فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس، فوسوسته في صدور الناس أنه يرى نفسه كالناصح المشفق، فيوقع في الصدر من كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة ما يوقع الشيطان فيه بوسوسته، كما قال سبحانه**{ شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ }** الأنعام 112 ويجوز أن يكون متعلقاً بـ { يوسوس } أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة، ومن جهة الناس، ويجوز أن يكون بياناً للناس. قال الرازي، وقال قوم من الجنة والناس قسمان مندرجان تحت قوله { فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } لأن القدر المشترك بين الجنّ والإنس يسمى إنساناً، والإنسان أيضاً يسمى إنساناً، فيكون لفظ الإنسان واقعاً على الجنس، والنوع بالاشتراك. والدليل على أن لفظ الإنسان يندرج فيه لفظ الإنس والجنّ ما روي أنه جاء نفر من الجنّ. فقيل لهم من أنتم؟ قالوا ناس من الجنّ. وأيضاً قد سماهم الله رجالاً في قوله**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ ٱلْجِنّ }** الجن 6. وقيل يجوز أن يكون المراد أعوذ بربّ الناس من الوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس، ومن الجنة والناس، كأنه استعاذ ربّه من ذلك الشيطان الواحد، ثم استعاذ بربّه من جميع الجنة، والناس. وقيل المراد بالناس الناسي، وسقطت الياء كسقوطها في قوله**{ يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ }** القمر 6 ثم بيّن بالجنة والناس لأن كل فرد من أفراد الفريقين في الغالب مبتلى بالنسيان، وأحسن من هذا أن يكون قوله { وَٱلنَّاسِ } معطوفاً على الوسواس، أي من شرّ الوسواس، ومن شرّ الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شرّ الجنّ والإنس. قال الحسن أما شيطان الجنّ، فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس، فيأتي علانية. وقال قتادة إن من الجنّ شياطين، وإن من الإنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الجنّ والإنس. وقيل إن إبليس يوسوس في صدور الجنّ، كما يوسوس في صدور الإنس، وواحد الجنة جنيّ كما أن واحد الإنس إنسيّ. والقول الأوّل هو أرجح هذه الأقوال، وإن كان وسوسة الإنس في صدور الناس لا تكون إلاّ بالمعنى الذي قدّمنا، ويكون هذا البيان تذكر الثقلين للإرشاد إلى أن من استعاذ بالله منهما ارتفعت عنه محن الدنيا والآخرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقد أخرج ابن أبي داود عن ابن عباس في قوله { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } قال مثل الشيطان كمثل ابن عرس واضع فمه على فم القلب، فيوسوس إليه، فإن ذكر الله خنس، وإن سكت عاد إليه فهو الوسواس الخنّاس. وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان، وأبو يعلى، وابن شاهين، والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسيه التقم قلبه، فذلك الوسواس الخنّاس "** وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } قال الشيطان جاث على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس. وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والضياء في المختارة، والبيهقي عنه قال ما من مولود يولد إلاّ على قلبه الوسواس، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس، فذلك قوله { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }. وقد ورد في معنى هذا غيره، وظاهره أن مطلق ذكر الله يطرد الشيطان، وإن لم يكن على طريق الاستعاذة، ولذكر الله سبحانه فوائد جليلة حاصلها الفوز بخيري الدنيا والآخرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) | وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ } يقول قل يا محمد امتنع ويقال أستعيذ { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } بسيد الجن والإنس { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } مالك الجن والإنس { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } خلق الجن والإنس { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } يعني الشيطان { ٱلْخَنَّاسِ ٱلَّذِى } إذا ذكر الله خنس نفسه وسترها وإذا لم يذكر { يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } في صدور الخلق { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يقول يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الناس. نزلت هاتان السورتان في شأن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم على سحره ففرج الله عنه فكأنما نشط من عقال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ } يقول أستعيذ بالله وخالق الناس ويقال أستعيذ بالله الذي هو رازق الخلق، ثم قال عز وجل { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } يعني خالق الناس ومالكهم وله نفاذ الأمر والملك فيهم، ثم قال عز وجل { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } يعني خالق الناس ومعطيهم ومانعهم { مِن شَرّ ٱلْوَسْوَاسِ } يعني من شر الوسواس يعني من شر الشيطان، لأني لا أستطيع أن أحفظ نفسي من شره لأنه يجري في نفس الإنسان مجرى الدم ولا يراه بشر والله تعالى قادر على حفظي من شره ومن وسوسته
ثم وصف الشيطان فقال { ٱلْخَنَّاسِ } قال مجاهد هو منبسط على قلب الإنسان إذا ذكر الله خنس وانقبض فإذا عقل انبسط على قلبه ويقال له خنوس كخنوس القنفذ { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يعني يدخل في صدور الجن كما يدخل في صدور الإنس ويوسوس لهم ويقال (الناس) في هذا الموضع يصلح للجن والإنس فإذا أراد به الجن فمعناه يوسوس في صدور المؤمنين الذين هم جن (يوسوس في صدور الناس) يعني الذين هم من بني آدم ويقال (الناس) معطوف على الوسواس ومعناه (من شر الوسواس) (ومن شر الناس) كما قال في آية أخرى**{ شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ }** [الأنعام: 112] وقال مقاتل روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له جبريل - عليه السلام - ألا أخبرك يا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأفضل ما يتعوذ به؟ قلت **" وما هو؟ "** قال المعوذتان
وروى علقمة عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال **" ما تعوذ المعوذون بمثل المعوذتين "** وروي عن الحسن البصري في قوله تعالى (من الجنة والناس) قال إن من الناس شياطين فتعوذوا بالله من الشياطين يعني شياطين الجن والإنس، وقال هما شيطانان فأما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فإنه علانية وروى أبو معاوية عن عثمان بن واقد قال أرسلني أبي إلى محمد بن المنكدر أسأله عن المعوذتين أهما من كتاب الله تعالى قال من لم يزعم أنهما من كتاب الله تعالى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (والله أعلم وصلَّى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين ورسول رب العالمين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة والمقربين وأهل طاعتك أجمعين. ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، حسبنا الله ونعم الوكيل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | { قُلْ أعُوذُ بِربِّ النّاسِ } وإنما ذكر أنه رب الناس، وإن كان ربّاً لجميع الخلق لأمرين:
أحدهما: لأن الناس معظمون، فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا.
الثاني: لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يُعيذ منهم. { مَلِكِ النّاسِ \* إلَهِ النّاسِ } لأن في الناس ملوكاً، فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم.
{ مِن شَرَّ الوَسْواسِ الخَنّاسِ } الخّناس هو الشيطان، وفي تسميته بذلك وجهان: أحدهما: لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى:
{ فلا أُقْسِمُ بالخُنَّس } يعني النجوم لاختفائها بعد الظهور.
الثاني: لأنه يرجع عن ذكر الله، والخنس الرجوع، قال الراجز:
| **وصاحب يَمْتَعِسُ امْتِعاسا** | | **يزدادُ من خَنسِه خناسا** |
| --- | --- | --- |
وأما " الوسواس " ها هنا ففيه وجهان:
أحدهما: أنه الشيطان لأنه يوسوس للإنسان، وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله " الوسواس الخناس " قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس، فعلى هذا يكون في تأويل الخناس وجهان:
أحدهما: الراجع بالوسوسة على الهوى.
الثاني: أنه الخارج بالوسوسة في اليقين.
الوجه الثاني: أنه وسواس الإنسان من نفسه، وهي الوسوسة التي يحدث بها نفسه.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" إنّ الله تعالى تجاوز لأمتى عما وسوست به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به ".** { الذي يُوسْوِسُ في صُدورِ النّاسِ } وسوسة الشيطان هي الدعاء إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل، أو يقع في النفس من أمر متوهم ومنه الموسوس إذا غلب عليه الوسوسة، لما يعتريه من المسرة، وأصله الصوت الخفي، قال الأعشى:
| **تسمع للحلْي وسواساً إذا انصرفت** | | **كما استعان بريح عشرق زجل.** |
| --- | --- | --- |
{ من الجِنّة والنّاسِ } أما وسواس الجنة فهو وسواس الشيطان على ما قدمناه، وأما وسواس الناس ففيه وجهان:
أحدهما: أنها وسوسة الإنسان من نفسه، قاله ابن جريج.
الثاني: أنه إغواء من يغويه من الناس.
قال قتادة: إن من الإنس شياطين، وإن من الجن شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ حسناً وحسيناً فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة، ومن كل عْينٍ لامّةٍ، ونحن نسعتيذ بالله مما عوذ ونستمده جميل ما عوّد.
وفقنا الله وقارئه لتدبر ما فيه وتفهم معانيه، فيه توفيقنا وعليه توكلنا، والحمد لله وحده وكفى، وصلواته على رسوله محمد المصطفى، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } يعني الشيطان يكون مصدراً واسماً. قال الزجاج: يعني الشيطان ذا الوسواس " الخنَّاس " الرجاع، وهو الشيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس. وقال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية واضع رأسه عل ثمرة القلب يُمنِّيهِ ويحدِّثه، فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر رجع فوضع رأسه فذلك: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ، بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع. { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } ، يعني يدخل في الجني كما يدخل في الإنسي، ويوسوس للجني كما يوسوس للإنسي، قاله الكلبي. وقوله: { فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } أراد بالناس: ما ذكر من بعد، وهو الجِنّة والناس، فسمَّى الجنَّ ناساً كما سمَّاهم رجالاً، فقال:**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]. وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث جاء قوم من الجن فوقعوا فقيل: من أنتم:؟ قالوا: أناس من الجن. وهذا معنى قول الفرَّاء. قال بعضهم: أثبت أن الوسواس للإنسان من الإنسان كالوسوسة للشيطان، فجعل " الوسواس " من فعل الجِنَّة والناس جميعاً، كما قال:**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112]، كأنه أُمر أن يستعيذ من شر الجن والإنس جميعاً. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير عن بيان عن قيس بن أبي حازمٍ، عن عقبة بن عامرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ألم تر آيات أنزلت الليلة لم يُرَ مثلهن قط: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ".** أخبرنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا أبو الحسن بن عبد الرحمن بن إبراهيم العدل، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أبو العباس ابن الوليد بن مرثد، أخبرني أبي، حدثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عقبة بن عامر الجهنيِّ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: **" " ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون "؟ قلت: بلى، قال: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ".** أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا قتيبة، حدثنا المفضل بن فضالة عن عُقيلٍ، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَوى إلى فراشه كلَّ ليلة جمع كفَّيْه فنفث فيهما، فقرأ فيهما: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات ".** أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالكٍ، عن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: **" كان إذا اشتكى يقرأُ عل نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتهما ".** أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي وأبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي قالا: حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري، أخبرنا محمد بن أحمد بن معقل الميداني، أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار ".** أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثني ابن أبي حازم عن يزيد، يعني ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: **" ما أذِنَ الله لشيء ما أذِنَ لنبيٍّ حسن الصوت يتغنَّى بالقرآن يجهر به ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | { الوسواس } اسم من أسماء الشيطان، وهو أيضاً ما توسوس به شهوات النفس وتسوله، وذلك هو الهواء الذي نهي المرء عن اتباعه وأمر بمعصيته **" والغضب الذي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرحه وتركه حين قال له رجل أوصني، فقال: لا تغضب، قال زدني: قال: لا تغضب "** ، وقوله: { الخناس } معناه: على عقبه المستتر أحياناً وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد وتعوذ وتذكر فأبصر كما قال تعالى:**{ إن الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }** [الأعراف: 201]، وإذا فرضنا ذلك في الشهوات والغضب ونحوه فهو يخنس بتذكير النفس اللوامة بلمة الملك وبأن الحياء يردع والإيمان يردع بقوة فتخنس تلك العوارض المتحركة وتنقمع عند من أعين بتوفيق، وقد اندرج هذان المعنيان من الوسواس في قوله تعالى: { من الجنة والناس } أي من الشياطين ونفس الإنسان، ويظهر أيضاً أن يكون قوله: { والناس } ، يراد به من يوسوس بخدعه من البشر، ويدعو إلى الباطل، فهو في ذلك كالشيطان، وكلهم قرأ { الناس } غير ممالة، وروى الدوري عن الكسائي أنه أمال النون من { الناس } في حال الخفض ولا يميل في الرفع والنصب، وقالت عائشة رضي الله عنها: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فهيما وقرأ: { قل هو الله أحد } [الإخلاص: 1] والمعوذتين، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، فيبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده، ففعل ذلك ثلاثاً "** ، وقال قتادة رحمه الله: إن من الناس شياطين ومن الجن شياطين، فتعوذوا بالله من شياطين الإنس والجن.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | فإن قيل: لم خص الناس هاهنا بأنه ربُّهم، وهو ربُّ كل شيء؟
فعنه جوابان.
أحدهما: لأنهم معظَّمون متميزون على غيرهم.
والثاني: لأنه لما أمر بالاستعاذة من شَرِّهم أعلم أنه ربهم، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم. ولما كان في الناس ملوك قال تعالى: { ملك الناس } ولما كان فيهم من يعبد غيره قال تعالى: { إله الناس }.
و { الوسواس } الشيطان، وهو { الخناس } يوسوس في الصدور، فإذا ذُكِرَ اللهُ، خَنَس، أي: كفَّ وأَقصر. قال الزجاج: الوسواس هنا: ذو الوسواس. وقال ابن قتيبة: الصدور هاهنا: القلوب. قال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل، وسوس، فإذا ذَكَرَ الله، خَنَسَ.
قوله تعالى: { من الجِنَّة والناس } الجِنَّة: الجن. ومن معنى الآية قولان.
أحدهما: يوسوس في صدور الناس جِنَّتهم وناسهم، فسمى الجن هاهنا ناساً، كما سمَّاهم رجالاً في قوله تعالى**{ يعوذُون برجال من الجن }** [الجن:6] وسماهم نفراً بقوله تعالى:**{ استَمَعَ نفر من الجن }** [الجن:1] هذا قول الفراء. وعلى هذا القول يكون الوسواس موسوساً للجن، كما يوسوس للإنس.
والثاني: أن الوسواس: الذي يوسوس في صدور الناس، هو من الجِنَّة، وهم من الجن. والمعنى: من شر الوسواس الذي هو من الجن. ثم عطف قوله تعالى: «والناس» على «الوسواس». والمعنى: من شر الوسواس، ومن شر الناس، كأنه أمر أن يستعيذ من الجن والإنس، هذا قول الزجاج.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { مِنَ الْجِنَّةِ } من وسواس الشيطان كما ذكرت { وَالنَّاسِ } وسوسة الإنسان لنفسه أو إغواء من يغويه من الناس.
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | مختلف فيها وهي ست آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ } أي مربيهم ومصلحهم { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } مالكهم ومدبر أمورهم { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } معبودهم. ولم يكتف بإظهار المضاف إليه مرة واحدة لأن قوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } عطف بيان لـ { رَبّ ٱلنَّاسِ } لأنه يقال لغيره رب الناس وملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه. وعطف البيان للبيان فكأنه مظنة للإظهار دون الإضمار. وإنما أضيف الرب إلى الناس خاصة وإن كان رب كل مخلوق تشريفاً لهم، ولأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهو إلههم ومعبودهم. وقيل: أراد بالأول الأطفال. ومعنى الربوبية يدل عليه، وبالثاني الشبان ولفظ الملك المنبىء عن السياسة يدل عليه، وبالثالث الشيوخ ولفظ الإله المنبىء عن العبادة يدل عليه، وبالرابع الصالحين إذ الشيطان مولع بإغوائهم، وبالخامس المفسدين لعطفه على المعوذ منه { مِن شَرّ ٱلْوَسْوَاسِ } هو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر كالزلزال والمراد به الشيطان سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه لأنها شغله الذي هو عاكف عليه، أو أريد ذو الوسواس والوسوسة الصوت الخفي { ٱلْخَنَّاسِ } الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والبتات لما روي عن سعيد بن جبير إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل رجع ووسوس إليه { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ ٱلنَّاسِ } في محل الجر على الصفة، أو الرفع، أو النصب على الشتم، وعلى هذين الوجهين يحسن الوقف على الخناس { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس على أن الشيطان ضربان: جني وإنسي كما قال**{ شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ }** [الأنعام: 112] وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال لرجل: هل تعوذت بالله من شيطان الإنس؟ روي أنه عليه السلام سحر فمرض فجاءه ملكان وهو نائم فقال أحدهما لصاحبه: ما باله. فقال: طُبّ. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذي أروان. فانتبه صلى الله عليه وسلم فبعث زبيراً وعلياً وعماراً رضي الله عنهم فنزحوا ماء البئر وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فنزلت هاتان السورتان، فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة حتى قام صلى الله عليه وسلم عند انحلال العقدة الأخيرة كأنما نشط من عقال وجعل جبريل يقول: باسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك. ولهذا جوز الاسترقاء بما كان من كتاب الله وكلام رسوله عليه السلام لا بما كان بالسريانية والعبرانية والهندية، فإنه لا يحل اعتقاده والاعتماد عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأقوالنا ومن شر ماعملنا وما لم نعمل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ونبيه وصفيه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله مصابيح الأنام وأصحابه مفاتيح دار السلام صلاة دائمة ما دامت الليالي والأيام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { قل أعوذ برب الناس } إنما خصص الناس بالذّكر، وإن كان رب جميع المحدثات لأنه لما أمر بالاستعاذة من شر الوسواس، فكأنه قال أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم فإنه هو الذي يعيذهم من شرهم، وقيل إن أشرف المخلوقات هم الناس، فلهذا خصهم بالذكر. { ملك الناس إله النّاس } إنما وصف نفسه أولاً: بأنه رب الناس، لأن الرب قد يكون ملكاً، وقد لا يكون ملكاً فنبه بذلك على أنه ربهم، وملكهم ثم إن الملك لا يكون إلهاً، فنبه بقوله { إله الناس } على أن الإلهية خاصة بالله سبحانه، وتعالى لا يشاركه فيها أحد، والسبب في تكرير لفظ الناس يقتضي مزيد شرفهم على غيرهم { من شر الوسواس } يعني الشّيطان ذا الوسواس، والوسوسة الهمز، والصوت الخفي. { الخناس } يعني الرجاع من الذي عادته أن يخنس أي يتأخر. قيل إن الشيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا غفل وسها وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس الشيطان عنه، وتأخر وقال قتادة الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب وقيل كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال رأسه كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه ويجذبه، فإذا ذكر الله تعالى خنس وإذا لم يذكر الله تعالى رجع، ووضع رأسه على القلب فذلك قوله تعالى: { الذي يوسوس في صدور الناس } يعني بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع، والمراد بالصدر القلب { من الجنة } يعني الجن { والناس } وفي معنى الآية وجهان: أحدهما: أن الناس لفظ مشترك بين الجن والإنس، ويدل عليه قول بعض العرب جاء قوم من الجن، فقيل من أنتم قالوا أناس من الجن، وقد سماهم الله تعالى رجالاً في قوله**{ يعوذون برجال من الجن }** [الجن: 6] فعلى هذا يكون معنى الآية أن الوسواس الخناس يوسوس للجن كما يوسوس للإنس. الوجه الثاني: أن الوسواس الخناس قد يكون من الجنة، وهم الجن وقد يكون من الإنس، فكما أن شيطان الجن قد يوسوس للإنسان تارة، ويخنس أخرى، فكذلك شيطان الإنس قد يوسوس للإنسان كالنّاصح له فإن قبل زاد في الوسوسة، وإن كره السامع ذلك انخنس وانقبض فكأنه تعالى أمر أن يستعاذ به من شر الجن والإنس جميعاً ق عن عائشة رضي الله تعالى عنها **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم ينفث فيهما، فيقرأ { قل هو الله أحد } ، و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
عن عائشة رضي الله عنها **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيديه رجاء بركتهما "** أخرجه مالك في الموطأ ولهما بمعناه ق عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار "** عن ابن عباس قال: **" قيل يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى، قال الحال المرتحل قيل، وما الحال المرتحل قال الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل "** أخرجه التّرمذي، والله سبحانه، وتعالى أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | أضيف الرب إلى الناس، لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم، استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم، كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر. والظاهر أن { ملك الناس إله الناس } صفتان. وقال الزمخشري: هما عطفا بيان، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق بين بملك الناس، ثم زيد بياناً بإله الناس لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله:**{ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله }** [التوبة: 31] وقد يقال: ملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان، انتهى. وعطف البيان المشهور أنه يكون بالجوامد، وظاهر قوله أنهما عطفا بيان لواحد، ولا أنقل عن النحاة شيئاً في عطف البيان، هل يجوز أن يتكرر لمعطوف عليه واحد أم لا يجوز؟.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة؟ قلت: لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار، انتهى. والوسواس، قالوا: اسم من أسماء الشيطان؟ والوسواس أيضاً: ما يوسوس به شهوات النفس، وهو الهوى المنهي عنه. والخناس: الراجع على عقبه، المستتر أحياناً، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تعالى تأخر. وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس، ويكون معنى { من الجنة والناس }: من الشياطين ونفوس الناس، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان، والمغري: المزين من قرناء السوء، فيكون { من الجنة والناس } ، تبييناً لذلك الوسواس. قال تعالى:**{ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً }** [الأنعام: 112] وقال قتادة: إن من الإنس شياطين، ومن الجن شياطين، فنعوذ بالله منهم. وقال أبو ذر لرجل: هل تعوذت من شياطين الإنس؟
وقال الزمخشري: { الوسواس } اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة؛ وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه؛ أو أريد ذو الوسواس. وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في**{ إذا زلزلت }** [الزلزلة: 1] ويجوز في الذي الجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ومن في { من الجنة والناس } للتبعيض، أي كائناً من الجنة والناس، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون من متعلقاً بيوسوس، ومعناه ابتداء الغاية، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس، انتهى.
ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب والملك والإله، وإن اتحد المطلوب، وفي الاستعاذة من ثلاث: الغاسق والنفاثات والحاسد بصفة واحدة وهي الرب، وإن تكثر الذي يستعاذ منه. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثاً، صلى الله عليه وسلم وشرّف ومجد وكرّم، وعلى آله وصحبه ذوي الكرم وسلم تسليماً كثيراً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | القراءات: { الناس } وما بعدها ممالة: قتيبة ونصير. والباقون: بالتفخيم.
الوقوف: { الناس } ه لا { الناس } ه لا { الناس } ه لا { الخناس } ه لا بناء على أن الفصل بين الصفة وموصوفها لا يصلح إلا للضرورة. ولو قيل إن محله النصب أو الرفع على الذم حسن الوقف { الناس } ه لا { والناس } ه.
التفسير: إنه تعالى رب جميع المحدثات ولكنه خص الناس ههنا بالذكر للتشريف، ولأن الاستعاذة لأجلهم فكأنه قيل: أعوذ من شر الوسواس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهوالهم ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا دهمهم أمر بسيدهم ومخدومهم وولي أمرهم. وقوله { ملك الناس } { إله الناس } عطف ثانٍ لأن الرب قد لا يكون ملكاً كما يقال " رب الدار " والملك قد لا يكون إلهاً. وفي هذا الترتيب لطف آخر وذلك أنه قدم أوائل نعمه إلى أن تم ترتيبه وحصل فيه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو ملك تفتقر كل الأشياء إليه وهو غني عنهم، ثم علم بالدلائل العقلية والنقلية أن العبادة لازمة له وأن معبوده يستحق العبادة. ويمكن أن يقال: أوّل ما يعرف العبد من ربه هو كونه مربوباً له منعماً عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، ثم لا يزال ينتقل من معرفة هذه الصفة إلى صفات جلاله ونعوت كبريائه فيعرف كونه ملكاً قيوماً، ثم إذا خاض في بحر العرفان وغرق في تياره وله عقله وتاه لبه فيعرف أنه فوق وصف الواصفين فيسميه إلهاً من وله إذا تحير. وتكرير لفظ " الناس " في السورة للتشريف كأنه عرف ذاته في خاتمة كتابه الكريم بكونه رباً وملكاً وإلهاً لهم، أو لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الكشف والتوضيح ولو قيل: إن الثاني بدل الكل من الأوّل فالأحسن أيضاً وضع المظهر مقام المضمر كيلا يكون المقصود مفتقراً إلى ما ليس بمقصود في الظاهر مع رعاية فواصل الآي. وقيل: لا تكرار في السورة لأن المراد بالأوّل الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه لشدّة احتياجهم إلى التربية، وبالثاني الشبان ولفظ " الملك " المنبىء عن السياسة يدل عليه لمزيد افتقارهم إلى الزجر لقوّة دواعي الشهوة والغضب فيهم مع أن العقل الصادق لم يقو بعد ولم يستحكم، وبالثالث الشيوخ ولفظة " آله " المنبىء عن استحقاق العبادة له يدل عليه لفتور الدواعي المذكورة وقتئذ، فتتوجه النفس إلى تحصيل ما يزلفه إلى الله بتدارك ما فات. والمراد بالرابع الصالحون والأبرار فإن الشيطان مولع بإغوائهم. وبالخامس المفسدون والأشرار لأنه بيان الموسوس فإن الوسواس الخناس قد يكون من الجنة وقد يكون من الناس كما قال**{ شياطين الجن والإنس }** [الأنعام: 112] والخناس هو الذي من شأنه أن يخنس أي يتأخر وقد مر في قوله تعالى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس }** [التكوير: 15] عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل وسوس إليه فكما أن شيطان الجن يوسوس تارة ويخنس أخرى فكذلك شيطان الإنس يرى نفسه كالناصح المشفق، فإن زجره السامع انخنس وترك الوسوسة، وإن تلقى كلامه بالقبول بالغ فيه حتى نال منه. وقال قوم: الناس الرابع يراد به لاجنو الإنس جميعاً وهو اسم للقدر المشترك بين النوعين كما روي أنه جاء نفر من الجن فقيل لهم: من أنتم؟ فقالوا: ناس من الجن. وقد سماهم الله رجالاً في قوله**{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن }** [الجن: 6] والناس الخامس هو المخصوص بالبشر، ومعنى الآية على هذا التقدير أن هذا الوسواس الخناس لا يقتصر على إضلال البشر ولكنه يوسوس للنوعين فيكون قوله { من الجنة والناس } بياناً للناس. وفي هذا القول نوع ضعف لأنه يعد تسليم أن لفظ " الناس " يطلق على القدر المشترك يستلزم الاشتراك المخل بالفهم. وذكر صاحب الكشاف أنه إن جعل قوله { من الجنة والناس } بياناً للناس فالأولى أن يقال: الناس محذوف اللام كقولك الداع والقاض. قال الله تعالى**{ أجيب دعوة الداع }** [البقرة: 186] وحينئذ يكون تقسيمه إلى الجن والإنس صحيحاً لأنهما النوعان اللذان ينسيان حق الله تعالى. وقيل { من الجنة والناس } بدل من { الوسواس } كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد، ثم عمم فاستعاذ به من جميع الجنة والناس. وقوله { من شر الوسواس } المضاف محذوف أي من شر ذي الوسواس وهو اسم بمعنى الزلزلة. وأما المصدر فوسواس بالكسر ويحسن أن يقال سمي الشيطان به لأنه كأنه وسوسة في نفسه لأنها صنعته وعمله الذي هو عاكف عليه نظيره**{ إنه عمل غير صالح }** [هود: 46] وإنما قال { في صدور الناس } ولم يقل " في قلوبهم " لأن الشيطان لا تسلط له على قلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن واعلم أن المستعاذ به مذكور في السورة الأولى بصفة واحدة وهو أنه رب الفلق، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات: الغاسق والنفاثات والحاسد: وأما في السورة الثانية فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث وهي الرب والملك والإله، والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة. وفيه إشارة إلى أن حفظ النفس والدين أهم من حفظ البدن بل الثاني مطلوب بالعرض والأوّل مقصود بالذات.
التأويل: أعوذ بالرب الذي فلق ظلمات بحر العدم بنور التكوين والإبداع من شر عالم الخلق الممزوجة خيراتها بالآفات، ولا سيما علام الكون والفساد الذي هو جماد ونبات وحيوان والجمادات أبعدها عن الأنوار لخلوها عن جميع القوى الروحانية وهو المراد بقوله { ومن شر غاسق } وفوقها النباتات الناميات في الأقطار الثلاثة الطول والعرض والعمق وهن العقد الثلاث فلذلك سميت قواها بالنفاثات فيها، وفوقها القوى الحيوانية من الحواس الظاهرة والباطنة والشهوة والغضب المانعة للروح الإنسانية عن الانصباب إلى عالم الأمر كالحاسد يمنع المرء عن كماله ويغيره عن حاله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم أراد ذكر مراتب النفس الإنسانية التي هي أشرف درجات الحيوان فقال { برب الناس } إشارة إلى العقل الهيولاني المفتقر إلى مزيد تربية وترشيح حتى يخرج من معدنها ويظهر من حكمها. وقوله { ملك الناس } إشارة إلى العقل بالملكة لأنه ملك العلوم البديهية وحصلت له ملكة الانتقال منها إلى العلوم الكسبية لأن النفس في هذه الحالة أحوج إلى الزجر عن العقائد الباطلة والأخلاق الفاسدة والتأديب في الصغر كالنقش على الحجر. وقوله { إله الناس } إشارة إلى سائر مراتبها من العقل بالفعل والعقل المستفاد، فإن الإنسان إذ ذاك كأنه صار عالماً معقولاً مضاهياً لما عليه الوجود، فعرف المعبود فتوجه إلى عرفانه والعبادة له. وأيضاً اتصف بصفاته وتخلق بأخلاقه كما حكي عن أرسطو أنه قال: أفلاطون: إما إنسان تأله أو إله تأنس. ثم إن العقل والوهم قد يتساعدان على تسليم بعض المقدمّات، ثم إذا آل الأمر إلى النتيجة ساعد العقل عليها دون الوهم فكان الوهم خنس أي رجع عن تسليم المقدّمة فلهذا أمر الله سبحانه بالاستعاذة من شره، وقد ورد مثله في الحديث. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال **" يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته "** وهذا آخر درجات النفس الكاملة الإنسانية فلا جرم وقع ختم الكتاب الكريم والفرقان العظيم عليه. ونحن أيضاً نختم التفسير بهذا التحقيق والله وليّ التوفيق والهادي في العلم والعمل إلى سواء الحق والطريق. قال الضعيف مؤلف الكتاب، أحوج خلق الله إلى رحمته ورضاه، الحسن بن محمد بن الحسين المشتهر بنظام النيسابوري نظم الله أحواله في أولاده وأخراه: هذا أيها المعروف باعتلاء عرائك المجد، المشغوف باقتناء سبائك الحمد، الكامل شوقه إلى فهم غرائب القرآن والقرآن كله غرائب، الباذل طوقه في درك رغائب الفرقان والفرقان بأسره رغائب، عقائل مسائل جهزتها فطنة من مشايد الشدائد خامدة، وفرائد فوائد نظمتها قريحة من صنوف الصروف جامده، وقد نطفت بها عين خرساء بادٍ شحوبها وتحركت بها لأجلي ولاء طالما عقر حوبها، على أنها مع سواد ما سقط من سنها بيضاء الخلال ومع مرارة مذاق ما بين لحييها حلوة المباني مليحة المقال. والذي قد مج فوها عفوصة ما فيها عذبة على العذبات سلسة على الأسلات يبكي ويضحك، ويملك ويهلك، ويفقر ويثري، ويريش ويبري، ويمنع ويعطي، ولولا الله لذكرت أنه يميت ويحيى. وفي رقتها دقة، ومع طلاوتها حلاوة، فإن شئت فيراعة فيها براعة، وأنبوب فيه من الحكم أسلوب وأيّ أسلوب، وكيف لا وقد اشتملت على مطاوي ما رسمه على فحاوى كتاب الله الكريم، واحتوت مباني ما رقمه على معاني الفرقان العظيم، الذي أخرس شقاشق الفصحاء حين أرادوا معارضته لعجزهم لا للخلل في أدمغتهم، وأوقر مسامع أولي العناد من العباد في البلاد بجهلهم لا لصمم في أصمختهم، صحيفة يلوح عنها أثر الحق، ولطيمة يفوح منها عبق الصدق، بضاعة يحملها أهل النهي في سفر الروح إلى مكانها، وتجارة أرباحها جنات النعيم، وأجارة أعواضها الفوز بلقاء رب العرش العظيم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد تضمن كتابي هذا حاصل التفسير الكبير الجامع لأكثر التفاسير جل كتاب الكشاف الذي رزقه له القبول من أساتذة الأطراف والأكناف، واحتوى مع ذلك على النكت المستحسنة الغريبة، والتأويلات المحكمة العجيبة مما لم يوجد في سائر تفاسير الأصحاب، أو وجدت متفرقة الأسباب أو مجموعة طويلة الذيول والأذناب. أما الأحاديث فإما من الكتب المشهورة كجامع الأصول والمصابيح وغيرهما، وإما من كتاب الكشاف والتفسير الكبير ونحوهما إلا الأحاديث الموردة في الكشاف في فضائل السورة فإنا قد أسقطناها لأن النقاد زيفها إلا ما شذ منها. وأما الوقوف فللإمام السجاوندي مع اختصار لبعض تعليلاتها وإثبات للآيات لتوقفها على التوقيف. وأما أسباب النزول فمن كتاب " جامع الأصول والتفسيرين " أو من " تفسير الواحدي ". وأما اللغة فمن " صحاح الجوهري " ومن " التفسيرين " كما نقلا. وأما المعاني والبيان وسائر المسائل الأدبية فمن التفسيرين والمفتاح وسائر الكتب العربية، وأما الأحكام الشرعية فمنهما ومن الكتب المعتبرة في الفقه ولا سيما " شرح الوجيز " للإمام الرافعي. وأما التآويل فأكثرها للشيخ المحقق المتقى المتقن نجم الملة والدين المعروف بداية قدس نفسه وروّح رمسه. وطرف منها مما دار في خلدي وسمحت به ذات يدي غير جازم بأنه المراد من الآية بل خائف من أن يكون ذلك جرأة مني وخوضاً فيما لا يعنيني. وإنما شجعني على ذلك سائر الأمة الذين اشتهروا بالذوق والوجدان وجمعوا بين العرفان والإيمان والإتقان في معنى القرآن الذي هو باب واسع يطمع في تصنيفه كل طامع، فإن أصبت فبها وإن أخطأت فعلى الإمام ماسها والعذر مقبول عند أهل الكرم والنهي والله المستعان لنا ولهم في مظان الخلل والزلل، وعلى رحمته التكلان في محال الخطأ والخطل، فعلى المرء أن يبذل وسعه لإدراك الحق ثم الله معين لإراءة الصواب ومعين لإلهام الصدق. وكذا الكلام في بيان الرباطات والمناسبات بين السور والآيات، وفي أنواع التكريرات وأصناف المشتبهات فإن للخواطر والظنون فيها مجالاً، وللناس الأكياس في استنباط الوجوه والنسب هنالك مقالاً، فعليك أيها المتأمل الفطن والمنصف المتدين أن لا تبادر في أمثال هذه المقامات إلى الاعتراض والإنكار، وتقرّ بأن للمؤلف في إعمال القريحة هنالك أجر الافتكار والابتكار، وتعمل فكرتك الصائبة وفطنتك الثاقبة في إبداء وجه جميل لما قرع سمعك، وتتعب خاطرك اليقظان وذهنك العجيب الشان في إبرار محمل لطيف لما ينافي الحال طبعك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم إن استبان لك حسن ذلك الوجه فأنصف تفلح، وإن غلب على ظنك قبحه فأصلح أو أسجع فإن لكل جواد كبوة ولكل حسام نبوة، وضيق البصر وطغيان القلم موضوعان، والخطأ والنسيان عن هذه الأمة مرفوعان، وإني لم أمل في هذا الإملاء إلاّ إلى مذهب أهل السنة والجماعة فبينت أصولهم ووجوه استدلالاتهم بها وما ورد عليها من الاعتراضات والأجوبة عنها. وأما في الفروع فذكرت استدلال كل طائفة بالآية على مذهبه من غير تعصب ومراء وجدال وهراء، فاختلاف هذه الأمة رحمة، ونظر كل مجتهد على لطيفة وحكمة، جعل الله سعيهم وسعينا مشكوراً، وعملهم وعملنا مبروراً. ولقد وقفت لإتمام هذا الكتاب في مدة خلافة علي رضي الله عنه وكنا نقدر إتمامه في مدة خلافه الخلفاء الراشدين وهي ثلاثون سنة، ولو لم يكن ما اتفق في أثناء التفسير من وجود الأسفار الشاسعة وعدم الأسفار النافعة، ومن غموم لا يعدّ عديدها وهموم لا ينادي وليدها، لكان يمكن إتمامه في مدّة خلافة أبي بكر كما وقع لجار الله العلامة، وكما أنه رأى ذلك ببركة جوار بيت الله الحرام فهذا الضعيف أيضاً يرجو أن يرزقني الله تعالى ببركة إتمام هذا الكتاب زيارة هذا المقام ويشرفني بوضع الخد على عتبة مزار نبيه المصطفى محمد النبي الأمي العربي عليه وآله الصلاة والسلام فاسمع واستجب يا قدير ويا علام.
واعلموا إخواني رحمنا الله وإياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، أن لكل مجتهد نصيباً قل أو أكثر، ولكل نفس عاملة قسطاً نقص أو كمل، وأن الأعمال بالنيات وبها تجلب البركات وترفع الدرجات، وأن المرء بأصغريه وكل عمل ابن آدم سوى الخير كلّ عليه, والذي نفسي بيده وناصيتي بحكمه ومشيئته، عالم بسري ومحيط بنيتي أني لم أقصد في تأليف هذا التفسير مجرد جلب نفع عاجل لأن هذا الغرض عرض زائل ولا يفتخر عاقل بما ليس تحته طائل.
| **سحابة صيف ليس يرجي دوامها** | | |
| --- | --- | --- |
وهل يشرئب إلى الأمور الفانية أو يستلذ بها من وهو من أعضائه عظامها، وكاد يفتر من قواه أكثرها بل تمامها؟ وإنما كان المقصود جمع المتفرق، وضبط المنتشر، وتبيين بعض وجوه الإعجاز الحاصل في كلام رب العالمين، وحل الألفاظ في كتب بعض المفسرين بقدر وسعي وحد علمي، وعلى حسب ما وصل إليه استعدادي وفهمي، والقرآن أجل ما وقف عليه الذهن والخاطر، وأشرف ما صرف إليه الفكر والناظر، وأعمق ما يغاض على درّه ومرجانه، وأعرق ما يكد في تحصيل لحينه، ولو لم تكن العلوم الأدبية بأنواعها، والأصولية بفروعها، والحكمية بجملها وتفاصيلها وسيلة إلى فهم معاني كتاب الله العزيز واستنباط نكتها من معادنها واستخراج خباياها من مكامنها لكنت متأسفاً على ما أزجيت من العمر في بحث تلك القواليب، وأملت من الفكر في تأليف ما ألفت في كل أسلوب من أولئك الأساليب، ولكن لكل حالة آلة، ولك أرب سبب، وطالما أغليت المهور للعقائل وجنبت الوسائل للأصائل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال الشاعر:
| **أمر على الديار ديار ليلى** | | **أقبل ذا الجدار وذا الجدارا** |
| --- | --- | --- |
| **وما حب الديار شغفن قلبي** | | **ولكن حب من سكن الديارا** |
وكان من معاصم المقاصد من إنشاء هذا التفسير أن يكون جليسي مدّة حياتي، وأنيسي في وقت مماتي حين لا أنيس للمرء إلا ما أسلف من بره، ولا ينفع الإنسان إلا ما قدّم من خيره. ولعمري إنه للمبتل المنيب الأوّاه نعم العون على تلاوة كتاب الله العزيز ومحضرة مع القراءة ووجهها إن اشتبه عليه شيء منها، ومع الآي والوقوف إن ذهل عن أماكنها ومظانها، وكذا التفسير بتمامه إن أراد البحث عن الحقائق أوعزب عنه شيء من تلك الدقائق، وكذا التأويل إن كان مائلاً إلى بطون الفرقان وسالكاً سبيل الذوق والعرفان. وإني أرجو من فضل الله العظيم وأتوسل إليه بوجهه الكريم، ثم بنبيه القرشيّ الأبطحيّ، ووليه المعظم العليّ وسائر أهل الغر الكرام وأصحابه الزهر العظام، وبكل من له عنده مكان ولديه قبول وشان، أن يمتعني بتلاوة كتابه في كل حين وأوان من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان على الوجه الذي ذكرت، ولأجل هذا لقيت في تأليفه من عرق الجبين وكد اليمين ما لقيت. وأن يعم النفع به لسائر إخواني في الدين ورفقائي في طلب اليقين، ثم أن يجعله عدّة في ليلة يرجع من قبري العشائر والأهلون، وذخيرة يوم لا ينفع مال ولا بنون والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين خصوصاً على رسوله المصطفى الأمين محمد وأله وصحبه أجمعين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | قوله عز وجل: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }: { ٱلْوَسْوَاسِ }: اسم مِنْ أسماء الشيطانِ، وقولُه: { ٱلْخَنَّاسِ } معناه: الرَّاجِعُ علَىٰ عَقِبِهِ المُسْتَتِرُ أحياناً، فإذَا ذكر العَبْدُ اللَّه تعالى وتعوَّذ، تذكَّر فأبْصَرَ؛ كما قال تعالى:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـٰئِفٌ... }** [الأعراف:201] قال النَّوَوِيُّ: قال بعضُ العلماءِ: يُسْتَحَبُّ قَول: لا إلٰه إلا اللَّهِ لِمَنِ ٱبْتُلِيَ بالوَسْوَسَةِ في الوضوءِ والصلاةِ وشِبْهِهِمَا؛ فإن الشيطان إذا سمع الذِّكرَ، خَنَسَ، أي: تأخَّر وبَعُدَ، و«لا إله إلا اللَّهُ»: رَأْسُ الذِّكْرِ؛ ولذلك ٱختارَ السَّادَةُ الجِلَّةُ مِنْ صَفْوة هذه الأمة أهْلُ تربيةِ السَّالكين وتأدِيبِ المُرِيدِينَ ـــ قَوْلَ «لا إلٰه إلا اللَّه» لأَهْلِ الخَلْوَةِ ـــ، وأمَرُوهم بالمداومة علَيْهَا، وقالوا: أنْفَعُ علاجٍ في دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ علَىٰ ذِكْرِ اللَّه تَعالَىٰ والإكْثَارُ منْه، وقال السَّيِّدُ الجليلُ أحْمَدُ بْنُ أبي الحوارِيِّ: شَكَوْتُ إلَىٰ أبي سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيِّ الوَسْوَاسَ، فقال: إذا أَرَدت أَنْ ينقطعَ عَنْكَ، فَأَيَّ وَقْتٍ أحْسَسْتَ به، فٱفْرَحْ، فإنك إذا فَرِحْتَ به، ٱنقطَعَ عنك؛ لأنه ليْسَ شيءٌ أبْغَضُ إلى الشيطانِ مِنْ سرورِ المؤمن، وإن ٱغْتَمَمْتَ بِه، زَادَكَ، \* ت \*: وهذا مما يؤيِّد ما قاله بَعْضُ الأئمة؛ أنَّ الوسواس إنما يُبْتَلَىٰ به مَنْ كَمُلَ إيمانه؛ فإن اللِّصَّ لا يقصدُ بيتاً خَرباً. انتهى، \* ت \*: ورأيتُ في «مختصر الطبريِّ» نَحْوَ هٰذا.
وقوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } يعني: الشياطينَ، ويظهر أنْ يَكُونَ قولُهُ: { وَٱلنَّاسِ } يراد به: مَنْ يُوَسْوِسُ بخدعة مِنَ الشَّرِّ، ويدعو إلى الباطل، فهو في ذلك كَالشَّيْطان، قال أحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الداوديُّ: وعن ابن جُرَيْجٍ: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } قَالَ: «إنهما وَسْوَاسَانِ، فَوَسْوَاسٌ من الجِنَّة، ووَسْوَاسٌ مِنْ نَفْسِ الإنسان» انتهى، وفي الحديث الصحيحِ، **" أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا آوَىٰ إلَىٰ فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرأَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، و«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ»، و«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا ٱسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأ بِهِما مِنْ رَأْسه وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً ".** يَقُولُ العبدُ الفقيرُ إِلى اللَّه تعالىٰ: عَبْدُ الرحمٰنِ بْنُ مُحَمِّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ لَطَفَ اللَّهُ به في الدارَيْنِ: قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في إِتمام تَِلْخِيصِ هذا المختَصَر؛ وقَدْ أودَعتُهُ بحَوْلِ اللَّهِ جزيلاً من الدُّرَر، قد ٱسْتَوعَبْتُ فيه - بِحَمْدِ اللَّهِ- مُهِمَّاتِ ابْنِ عِطَيَّةَ، وأسقطْتُ كَثيراً من التَّكْرار، وما كان من الشَّواذِّ في غاية الوهي، وزدْتُ من غيره جَوَاهِرَ ونَفَائِسَ لا يُسْتَغْنَىٰ عنها مميزةً معزوَّة لِمَحَالِّها مَنْقُولةً بألفاظِهَا، وتوخَّيْتُ في جميع ذلك الصِّدْقَ والصَّواب، وإلى اللَّه أَرْغَبُ في جَزِيلِ الثواب، وقد نَبَّهْتُ بَعْضَ تَنْبِيهٍ، وعرَّفْتُ بأيام رِحْلَتِي في طَلَبِ العِلْمِ بعْضَ تعريفٍ عِنْدَ خَتْمِي لتفسير سورة الشُّورَىٰ؛ فَلْيَنْظُرْ هُنَاكَ، واللَّهُ المَسْؤُولُ أنْ يجعَلَ هذا السعْيَ منا خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إِلَىٰ مرضاته، ومَنْ وَجَدَ في هذا الكتاب تَصْحِيفاً أو خَلَلاً فَأَرْغَبُ إِلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَهُ مِنَ الأُمِّهاتِ المَنْقُولِ منها متثبِّتاً في ذلك لا برَأْيه وبديهةِ عَقْلِهِ: [من الوافر]
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **فَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحــاً** | | **وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيـــمِ** |
| --- | --- | --- |
وكان الفراغُ من تألِيفه في الخامسَ عَشَرَ مِنْ رَبِيع الأَوَّلِ مِنْ عَامِ ثَلاَثَةٍ وثَلاَثِينَ وَثَمَانِمائَةٍ وَأَنَا أَرْغَبُ إِلى كُلِّ أَخ نَظَرَ فيه أنْ يُخْلِصَ لي وَلَهُ بِدَعْوَةٍ صالحةٍ، وهذا الكتابُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَخْلُوَ عنه مُتَدَيِّنٌ، ومُحِبٌّ لكلامِ رَبِّه، فإِنه يَطَّلِعُ فيه عَلَىٰ فَهْمِ القرآن أجْمَعَ في أَقْرَبِ مُدَّةٍ، وليس الخَبَرُ كَالعِيَانِ، هذا مَعَ مَا خُصَّ بِهِ تَحْقِيقِ كَلامَ الأَئِمَّةِ المحقِّقينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - نَقَلْتُهُ عَنْهُمْ بألفاظِهِمْ متحرِّياً لِلصَّوَابِ، ومِنَ اللَّهِ أَرْتَجِي حُسْنَ المَآب، وصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا محمَّد خاتَمِ النبيِّينَ، وَعَلى آله وصَحْبِهِ أجمعين، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }. قرئ: " قُلَ عُوذُ " بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى اللام، ونظيره: { فَخُذَ أَرْبَعَةً } [البقرة: 260].
وأجمع القراء على تلك الإمالة في " النَّاس " إذا كان في موضع الخفضِ.
ومعنى " رَبّ الناس " مالكهم، ومصلح أمورهم، وإنما ذكر أنه " رَبّ الناس " ، وإن كان رباً لجميع الخلق لأمرين:
أحدهما: لأن الناس معظمون، فأعلم بذكرهم أنه ربٌّ لهم وإن عظموا.
والثاني: لأنه أمر بالاستعاذة من شرِّهم، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم، وإنما قال: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } لأن في الناس ملوكاً فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره، فذكر أنه إلههم، ومعبودهم، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به، ويلجأ إليه دون الملوك، والعظماء.
قوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }. يجوز أن يكونا وصفين لـ " ربّ الناس " وأن يكونا بدلين، وأن يكونا عطف بيان.
قال الزمخشري: فإن قلت: " ملك الناس، إله الناس "؟ ما هما من " رب الناس "؟ قلت: هما عطف بيان، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق، بين بـ { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ثم زيد بياناً بـ { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }؛ لأنه قد يقال لغيره: " رب النَّاس " ، كقوله:**{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ }** [التوبة: 31]، وقد يقال: " ملك النَّاس " ، وأما " إله النَّاس " فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.
واعترض أبو حيَّان: بأن البيان يكون بالجوامد، ويجاب عنه بأن هذا جارٍ مجرى الجوامد وقد تقدم تقريره في " الرحمن الرحيم " أول الفاتحة.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل: " بربِّ النَّاس " مضافاً إليهم خاصة؟.
قلت: لأن الاستعاذة وقعت من شر الوسواس في صدور الناس، فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم.
قال الزمخشري: " فإن قلت: فهلاَّ اكتفي بإظهار المضاف إليه الذي هو النَّاس مرة واحدة؟ لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنةً للإظهار دون الإضمار ".
وكرر لفظ " النَّاس "؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأن التكرار يقتضي مزيد شرف الناس، وأنهم أشرف مخلوقاته.
قال ابن الخطيب: وإنما بدأ بذكر الرب تعالى، وهم اسم لمن قام بتدبيره، وإصلاحه من أوائل نعمه إلى أن رباه، وأعطاه العقل، فحينئذ عرف بالدليل أنه مملوك وأنه ملك، فثنى بذكر الملك، ثم لما علم أن العبادة لازمة له، وعرف أنه معبود مستحق للعبادة وعرفه أنه إله فلهذا ختم به.
قال ابن الخطيب: ولم يقرأ في المشهورة هنا " مالك " بالألف، كما قرئ به في الفاتحة، لأن معنى المالك هو الربُّ، فيلزم التكرار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقرئ به في الفاتحة، لاختلاف المضافين، فلا تكرار.
قوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ }.
قال الزمخشري: " اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر: فوِسْواس - بالكسر " كزِلْزَال " ، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته، وشغله الذي هو عاكف عليه، وأريد ذو الوسواس ". انتهى، وقد مر الكلام معه أن المكسور مصدر، والمفتوح اسم في " الزلزلة "؛ فليراجع.
والوَسْوَسَةُ: حديث النفس، يقال: وسوست إليه نفسه وَسْوَسة ووِسْوَسة - بكسر الواو - قاله القرطبي.
ويقال لهمس الصائد، والكلاب، وأصوات الحليّ: وسواس.
قال ذو الرمة: [البسيط]
| **5372- فَبَـاتَ يُشئِـزُهُ ثَـأَدٌ ويُسهِـرهُ** | | **تَذؤُّبُ الرِّيحِ والوَسْـوَاسُ والهِضَبُ** |
| --- | --- | --- |
وقال الأعشى: [البسيط]
| **5373- تَسْمَعُ للحَلْي وسْوَاساً إذا انصَرفَتْ** | | **كمَا اسْتَعَانَ بِرِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ** |
| --- | --- | --- |
قوله: " الخنَّاس " أي: الرجَّاع؛ لأنه إذا ذكر الله - تعالى - خنس، وهو مثال مبالغة من الخنوس.
يقال: خنس أي تأخر، يقال: خنستة فخنس، أي أخرته فتأخر، وأخنسته أيضاً. وتقدم الكلام على هذه المادة في سورة:**{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ }** [التكوير: 1].
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِس }: يجوز جره نعتاً وبدلاً [وبياناً لجريانه مجرى] الجوامد، ونصبه ورفعه على القطع.
قال القرطبي: " ووصف بالخناس؛ لأنه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى:**{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ }** [التكوير: 15] يعني النجوم لاختفائها بعد ظهورها ".
فصل في الكلام على الشيطان
قال مقاتل: إن الشيطان في سورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه، سلَّطه الله على ذلك، فذلك قوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ، وقال صلى الله عليه وسلم: **" إنَّ الشَّيطَانَ يَجْرِي من ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ "** رواه البخاري ومسلم.
قال القرطبي: " ووسوسته: هو الدعاء إلى طاعته، حتى يصل به إلى القلب، من غير صوت ".
قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ }. فيه أوجه:
أحدها: أنه بدل من " شرّ " بإعادة العامل، أي: من شر الجنة.
الثاني: أنه بدل من ذي الوسواس؛ لأن الموسوس من الجن والإنس.
الثالث: أنه حال من الضمير في " يُوسْوِسُ " حال كونه من هذين الجنسين.
الرابع: أنه بدل من " النَّاس " وجعل " مِنْ " تبييناً، وأطلق على الجن اسم النَّاس؛ لأنهم يتحركون في مراداتهم. قاله أبو البقاء: إلا أنَّ الزمخشري أبطله، فقال بعد أن حكاه: " واستدلوا بنفر ورجال في سورة " الجنِّ " ، وما أحقه لأن الجنَّ سموا حنًّا لاجتنانهم، والناس ناساً لظهورهم من الإيناس، وهو الإبصار، كما سموا بشراً، ولو كلن يقع الناس على القبيلين، وصح ذلك، وثبت لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن، وبعده عن التصنُّع، وأجود منه أن يراد بالنَّاس: الناسي، كقوله:**{ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** [القمر: 6]، ثم يبين بالجنة والناس؛ لأن الثقلين هما النوعان الموصفان بنسيان حق الله عز وجل ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
الخامس: أنه بيان لـ { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } على أنَّ الشيطان ضربان: جني، وإنسي، كما قال:**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112]، وعن أبي ذر، أنه قال لرجل: هلاَّ استعذت من شياطين الإنس.
السادس: أن يتعلق بـ " وسوس " ، و " مِنْ " لابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الإنس، ومن جهة الجن.
السابع: أن " الناس " عطف على " الوسواس " ، أي: من شر الوسواس والناس، ولا يجوز عطفه على " الجنَّة "؛ لأن النَّاس لا يوسوسون في صدور النَّاس، إنما يوسوس الجن، فلما استحال المعنى حمل على العطف على الوسواس، قاله مكي.
الثامن: أن " مِنْ الجنَّةِ "؛ حال من " النَّاس " أي: كائنين من القبيلين، قاله أبو البقاء، ولم يبين أي الناس المتقدم أنه صاحب الحال، وعلى كل تقدير فلا يصح معنى الحالية في شيء منها، لا الأول، ولا ما بعده، ثم قال: " وقيل: هو معطوف على الجنة " ، يريد: " والنَّاس " الأخير معطوف على الجنة، وهذا الكلام يستدعي تقدير شيء قبله وهو أن يكون الناس عطفاً على غير الجنة؛ وفي الجملة فهو كلام يتسامح فيه.
فصل في شياطين الإنس والجن
قال الحسن: هما شيطانان لنا: أما شيطان الجن، فيوسوسُ في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية.
وقال قتادةُ: إن من الجن شياطين، وإنَّ من الإنس شياطين فتعوذ بالله من شياطين الجن والإنس.
وعن أبي ذر: أنه قال لرجل: هل تعوَّذتَ بالله من شياطين الإنس؟.
قال: أو من الإنس شياطين؟ قال: نعم، لقوله تعالى:**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112].
وذهب قوم: أنَّ المراد بالناس هنا الجن، سموا بذلك ناساً كما سموا رجالاً في قوله تعالى:**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]، وكما سموا نفراً في قوله تعالى:**{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الأحقاف: 29].
فعلى هذا يكون " والنَّاس " عطفاً على " الجنَّةِ " ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين.
وقيل: معنى: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } ، أي: الوسوسة التي تكون من الجنة والناس، وهو حديث النفس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" إنَّ اللهَ - عزَّ وجلَّ - تجَاوَزَ لأمَّتِي مَا حدَّثتْ بِهِ أنفُسهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أو تَتَكلَّمْ بِهِ "** والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | لما جاءت سورة الفلق للاستعاذة من شر ما خلق من جميع المضار البدنية وغيرها العامة للإنسان وغيره، وذلك هو جملة الشر الموجود في جميع الأكوان والأزمان، ثم وقع فيها التخصيص بشرور بأعيانها من الفاسق والساحر والحاسد، فكانت الاستعاذة فيها عامة للمصائب الخارجة التي ترجع إلى ظلم الغير، والمعايب الداخلة التي ترجع إلى ظلم النفس ولكنها في المصائب أظهر، وختمت بالحسد فعلم أنه أضر المصائب، وكان أصل ما بين الجن والإنس من العداوة الحسد، جاءت سورة الناس متضمنة للاستعاذة من شر خاص، وهو الوسواس، وهو أخص من مطلق الحاسد، ويرجع إلى المعايب الداخلة اللاحقة للنفوس البشرية التي أصلها كلها الوسوسة، وهي سبب الذنوب والمعاصي كلها، وهي من الجن أمكن وأضر، والشر كله يرجع إلى المصائب والمعايب، فقد تضمنت السورة كالفلق استعاذة ومستعاذاً به ومستعاذاً منه وأمراً بإيجاد ذلك، فالأمر: { قل } والاسعتاذة { أعوذ } والمستعاذ به هو الله سبحانه وتعالى، لكن لما كانت صفة الربوبية من صفات كماله سبحان أليق بالحماية والإعانة والرعاية والخلق والتدبير والتربية والإصلاح، المتضمن للقدرة التامة والرحمة الواسعة، والإحسان الشامل والعلم الكامل، قال تعالى: { برب الناس \* } أي أعتصم به أي أسأله أن يكون عاصماً لي من العدو أن يوقعني في المهالك، قال الملوي: والرب من له ملك الرق وجلب الخيرات من السماء والأرض وإبقاؤها، ودفع الشرور ورفعها، والنقل من النقص إلى الكمال، والتدبير العام العائد بالحفظ والتتميم على المربوب، وخص الإضافة بالمزلزلين المضطربين في الأبدان والأديان من الإنس والجان لخصوص المستعاذ منه، وهو الأضرار التي تعرض للنفوس العاقلة وتخصها، بخلاف ما في الفلق فإنه المضار البدنية التي تعم الإنسان وغيره.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: وجه تأخرها عن شقيقتها عموم الأولى وخصوص الثانية، ألا ترى عموم قوله { من شر ما خلق } وإبهام { ما } وتنكير { غاسق } و { حاسد } والعهد فيها استعيذ من شره في سورة الناس وتعريفه ونعته، فبدأ بالعموم ثم أتبع بالخصوص ليكون أبلغ في تحصيل ما قصدت الاستعاذة منه، وأوفى بالمقصود، ونظير هذا في تقديم المعنى الأعم ثم إتباعه بالأخص بتناول الدقائق والجلائل قوله سبحانه وتعالى { بسم الله الرحمن الرحيم } في معنى الرحمن ومعنى الرحيم واحد لا في عموم الصفة الأولى وكونها للمبالغة، وقد تعرض لبيان ذلك المفسرون ولذلك نظائر - انتهى.
ولما كان الرب الملك متقاربين في المفهوم، وكان الرب أقرب في المفهوم إلى اللطف والتربية، وكان الملك للقهر والاستيلاء وإظهار العدل ألزم، وكان الرب قد لا يكون ملكاً فلا يكون كامل التصرف، اقتضت البلاغة تقديم الأول وإتباعه الثاني، فقال تعالى: { ملك الناس \* } إشارة إلى أن له كمال التصرف ونفوذ القدرة وتمام السلطان، وإليه المفزع وهو المستعان، والمستغاث والملجأ والمعاد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان الملك قد لا يكون إلهاً، وكانت الإلهية خاصة لا تقبل شركاً أصلاً بخلاف غيرها، أنهي الأمر إليها وجعلت غاية البيان فقال: { إله الناس \* } إشارة إلى أنه كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد، فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في إلهيته أحد، وهذه دائماً طريقة القرآن يحتج عليهم بإقرارهم بتوحيدهم له في الربوبية والملك على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة، فمن كان ربهم وملكهم فهم جديرون بأن لا يتألهوا سواه ولا يستعيذوا بغيره كما أن أحدهم إذا دهمه أمر استعاذ بوليه من أبناء جنسه واستغاث به، والإله من ظهر بلطيف صنائعه التي أفادها مفهوم الرب والملك في قلوب العباد فأحبوه واستأنسوا به ولجؤوا إليه في جميع أمورهم، وبطن احتجاباً بكبريائه عن أن يحاط به أو بصفة من صفاته أو شيء من أمره، فهابته العباد ودعاهم الحب إلى الوله شوقاً إلى لقائه، وزجرتهم الهيبة فجزعوا خوفاً من طرده لهم عن فنائه، وكرر الاسم الظاهر دون أن يضمر فيقول مثلاً: { ملكهم } { إلههم } تحقيقاً لهذا المعنى وتقوية له بإعادة اسمهم الدال على شدة الاضطراب المقتضي للحاجة عند كل اسم من أسمائه الدال على الكمال المقتضي للغنى المطلق، ودلالة على أنه حقيق بالإعادة قادر عليها لبيان أنه المتصرف فيهم من جميع الجهات وبياناً لشرف الإنسان ومزيد الاعتماد بمزيد البيان، ولئلا يظن أن شيئاً من هذه الأسماء يتقيد بما أضيف إليه الذي قبله من ذلك الوجه، لأن الضمير إذا أعيد كان المراد به عين ما عاد إليه، فأشير بالإظهار إلى أن كل صفة منها عامة غير مقيدة بشيء أصلاً، واندرج في هذه الاستعاذة جميع وجوه الاستعاذات من جميع وجوه التربية وجميع الوجوه المنسوبة إلى المستعيذ من جهة أنه في قهر الملك بالضم، وجميع الوجوه المنسوبة إلى الإلهية لئلا يقع خلل في وجه من تلك الوجوه تنزيلاً لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعاراً بعظم الآفة المستعاذ منها، ولم يعطف بالواو لما فيها من الإيذان بالمغايرة، والمقصود الاستعاذة بمجموع هذه الصفات الواقعة على ذات واحدة حتى كأنها صفة واحدة، وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب على حد سواء، فلا فعل لأحد إلا وهو خلقه سبحانه وتعالى وهو الباعث عليه، وأخر الإلهية لخصوصها لأن من لم يتقيد بأوامره ونواهيه فقد أخرج نفسه من أن يجعله إلهه وإن كان في الحقيقة لا إله سواه، ووسط صفة الملك لأن الملك هو المتصرف بالأمر والنهي، وملكه لهم تابع لخلقه إياهم فملكه من كمال ربوبيته، وكونه إلههم الحق من كمال ملكه، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته وتقتضيها، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى، فإن الرب هو القادر الخالق إلى غير ذلك مما يتوقف الإصلاح والرحمة والقدرة التي هي معنى الربوبية عليه من أوصاف الجمال، والملك هو الآمر الناهي المعز المذل - إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى العظمة والجلال، وأما الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل فيه جميع الأسماء الحسنى، فلتضمنها جميع معاني الأسماء كان المستعيذ جديراً بأن يعوذ، وقد وقع ترتيبها على الوجه الأكمل الدال على الوحدانية، لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة، علم أن له مربياً، فإذا تغلغل في العروج في درج معارفه سبحانه وتعالى علم أنه غني عن الكل، والكل إليه محتاج، وعن أمره تجري أمورهم، فيعلم أنه ملكهم، ثم يعلم بانفراد بتدبيرهم بعد إبداعهم أنه المستحق للإلهية بلا مشارك له فيها، فقد أجمع القراء في هذه السورة على إسقاط الألف من { ملك } بخلاف الفاتحة كما مضى لأن الملك إذا أضيف إلى { اليوم } أفهم اختصاصه بجميع ما فيه من جوهر وعرض، وأنه لا أمر لأحد معه ولا مشاركة في شيء من ذلك، وهو معنى الملك - بالضم، وأما إضافة المالك إلى الناس فإنها تستلزم أن يكون ملكهم، فلو قرىء به هنا لنقص المعنى، وأطبقوا في آل عمران على إثبات الألف في المضاف وحذفها من المضاف إليه لأن المقصود بالسياق أنه سبحانه وتعالى يعطي الملك من يشاء ويمنعه من يشاء، والملك - بكسر الميم - أليق بهذا المعنى، وأسرار كلام الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تحيط بها العقول، وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه، وأن باديه إلى الخافي يشير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما أكمل الاستعاذة من جميع وجوهها التي مدارها الإحسان أو العظمة أو القهر أو الإذعان والتذلل، ذكر المستعاذ منه فقال: { من شر الوسواس \* } هو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، والمراد بالموسوس، سمي بفعله مبالغة لأنه صفته التي هو غاية الضراوة عليها كما بولغ في العادل بتسميته بالعدل، والوسوسة الكلام الخفي: إلقاء المعاني إلى القلب في خفاء وتكرير، كما أن الكلمة الدالة عليها " وس " مكررة، وأصلها صوت الحلي، وحديث النفس، وهمس الكلاب، ضوعف لفظه مناسبة لمعناه لأن الموسوس يكرر ما ينفثه في القلب ويؤكده في خفاء ليقبل، ومصدره بالكسر كالزلزال كما قال تعالى:**{ وزلزلوا زلزالاً شديداً }** [الأحزاب: 11] وكل مضاعف من الزلزلة والرضرضة معناه متكرر، والموسوس من الجن يجري من ابن آدم مجرى الدم - كما في الصحيح، فهو يوسوس بالذنب سراً ليكون أجلى، ولا يزال يزينه ويثير الشهوة الداعية إليه حتى يواقعه الإنسان، فإذا واقعه وسوس لغيره أن فلاناً فعل كذا حتى يفضحه بذلك، فإذا افتضح ازداد جرأة على أمثال ذلك لأنه يقول: قد وقع ما كنت أحذره من القالة، فلا يكون شيء غير الذي كان، وشره التحبيب إلى الإنسان بما يميل إليه طبعه حتى يشاكله في رذيلة الطبع وظلمة النفس، فينشأ من ذلك شرور لازمة ومتعدية أضرها الكبر والإعجاب اللذان أهلكا الشيطان، فيوقع الإنسان بها فيما أوقع نفسه فيه، وينشأ من الكبر الحقد والحسد يترشح منه بطر الحق - وهو عدم قبوله، ومنه الكفر والفسوق والعصيان، وغمص الناس - وهو احتقارهم المعلوم من قول الشيطان
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ أنا خير منه }** [الأعراف: 12] ومنه تنشأ الاستهانة بأولياء الله تعالى بترك احترامهم ومنع حقوقهم والاعتداء عليهم والظلم لهم، ويترشح من الحقد الذي هو العداوة العظيمة إمساك الخير والإحسان وبسط اللسان واليد بكل سوء وإيذاء، ويترشح من الحسد إفساد ذات البين كما يشير إليه**{ ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة }** [الأعراف: 20] الآية والكذب والمخادعة كما عرف به**{ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور }** [الأعراف: 21] ويترشح عن الإعجاب التسخط للقضاء والقدر كما آذن به**{ قال أأسجد لمن خلقت طيناً }** [الإسراء: 61] ومقابلة الأمر بالعلم بما أشعر به**{ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال }** [الحجر: 33]، واستعمال القياس في مقابلة النص بما هدى إليه**{ أنا خير منه }** [الأعراف: 12] الآية، واستعمال التحسين والتقبيح بما أفهمه { لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون } والإذلال وهو الجرأة على المخالفات فينشأ عن ذلك شرور متعدية، وهي السعي في إفساد العقائد والأخلاق والأعمال والأبدان والأرزاق، ثم لا يزال يتحبب إلى الإنسان بما يميل إليه طبعه من هذه الخبائث وهو يوافقه فيها حتى يصير له أخلاقاً راسخة، فيصير رديء الطبع فلا ينفع فيه العلاج، بل لا يزيده إلا خبثاً كإبليس، ومن كان أصله طيباً واكتسب ما يخالفه بسبب عارض كان ممكن الإزالة كالعلاج كما وقع لآدم عليه الصلاة والسلام.
ولما كان الملك الأعظم سبحانه لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، وكان قد جعل دواء الوسوسة ذكره سبحانه وتعالى، فإنه يطرد الشيطان وينير القلب ويصفيه، وصف سبحانه وتعالى فعل الموسوس عند استعمال الدواء إعلاماً بأنه شديد العداوة للإنسان ليشتد حذره منه وبعده عنه فقال: { الخناس \* } أي الذي عادته أن يخنس أي يتوارى ويتأخر ويختفي بعد ظهوره مرة بعد مرة، كلما كان الذكر خنس، وكلما بطل عاد إلى وسواسه، فالذكر له كالمقامع التي تقمع المفسد، فهو شديد النفور منه، ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلاً كما ورد عن بعض السلف أن المؤمن ينفي شيطانه كما ينفي الرجل بعيره في السقر، قال البغوي: له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، ويقال: رأسه كرأس الحية واضع رأسه على يمين القلب يحدثه، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكر الله رجع ووضع رأسه - خزاه الله تعالى.
ولما ذكر صفة المستعاذ منه، ذكر إبرازه لصفته بالفعل فقال: { الذي يوسوس } أي يلقي المعاني الضارة على وجه الخفاء والتكرير بحيث تصل مفاهيمها من غير سماع، وأشار إلى كثرة وسوسته بذكر الصدر الذي هو ساحة القلب ومسكنه فقال: { في صدور الناس \* } أي المضطربين إذا غفلوا عن ذكر ربهم، فإنها دهاليز القلوب منها تدخل الواردات إليها، وذلك كالقوة الوهمية فإن العقل يساعد في المقدمات الحقة المنتجة للأمر المقطوع به، فإذا وصل الأمر إلى ذلك خنست الواهمة ريثما يفتر العقل عن النتيجة فترة ما، فتأخذ الواهمة في الوسوسة وتقبل منها الطبيعة بما لها بها من مجانسة الظلمة الوهمية، والناس - قال في القاموس: يكون من الإنس ومن الجن، جمع إنس أصله أناس جمع عزيز أدخل عليه أل - انتهى، ولعل إطلاقه على هذين المتقابلين بالنظر إلى النوس الذي أصله الاضطراب والتذبذب فيكون منحوتاً من الأصلين: الانس والنوس، ومن ثالث وهو النسيان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان الذي يعلّم الإنسان الشر تارة من الجن وأخرى من الإنس، قال مبيناً للوسواس تحذيراً من شياطين الإنس كالتحذير من شياطين الجن، مقدماً الأهم الأضر، ويجوز أن يكون بياناً لـ " الناس " ولا تعسف فيه لما علم من نقل القاموس: { من الجنة } أي الجن الذين في غاية الشر والتمرد والخفاء { والناس \* } أي أهل الاضطراب والذبذبة سواء كانوا من الإنس أو الجن، فيكون المعنى أن الجن مسلط بعضهم على بعض كما هم مسلطون على الإنس أو الجن، فيكون المعنى أن الجن مسلط بعضهم على بعض كما هم مسلطون على الإنس، فيدخل شيطان الجن في الجني كما يدخل في الإنسي ويوسوس له - قاله البغوي عن الكلبي، وقال: ذكر عن بعض العرب أنه قال: جاء قوم من الجن فوقفوا فقيل: من أنتم؟ قالوا: أناس من الجن، قال: وهذا معنى قول الفراء.
وقد ختمت السورة بما بدئت به، والمعنى الثاني أوفق برد آخرها على أولها فإنه يكون شرحاً للناس الذين أضيفت لهم الصفات العلى، والخواطر الواردة على الإنسان قد تكون وسوسة، وقد تكون إلهاماً، والإلهام تارة يكون من الله بلا واسطة، وتارة يكون بواسطة الملك، ويكون كل منهما في القلب، والوسوسة تارة من الشيطان، وأخرى من النفس، وكلاهما يكون في الصدر، فإن كان الإنسان مراقباً دفع عن نفسه الضار، وإلا هجمت الواردات عليه وتمكنت منه ويتميز خير الخواطر من شرها بقانون الشرع على أن الأمر مشكل، فإن الشيطان يجتهد في التلبيس، فإن وافق الشرع فلينظر، فإن كان فعله ذلك الحين أولى من غير تفويت لفضيلة أخرى هي أولى منه بادر إليه وإن كان الخاطر دنيوياً وأدى الفكر إلى أنه نافع من غير مخالفة للشرع زاد على شدة تأمله الاستشارة لمن يثق بدينه وعقله، ثم الاستخارة لاحتمال أن تتوافق عليه العقول، ويكون فيه خلل لتقصير وقع في النظر، وقد جعل بعضهم قانون الخاطر الرحماني أن ينشرح له الصدر ويطمئن إليه النفس، والشيطاني والنفسي أن ينقبض عنده الصدر وتقلق النفس بشهادة الحديث النبوي في البر والإثم، ويعرف الشيطاني بالحمل على مطلق المخالفة، فإن الشيطان لا غرض له في مخالفة بعينها، فإن حصل الذكر زال ذلك، والنفساني ملزوم شيء بعينه سواء كان نفعاً أو ضراً، ولا ينصرف عنه بالذكر، وقد يكون الشيطان إنسياً من أزواج وأولاد ومعارف، وربما كان أضر من شيطان الجن، فدواؤه المقاطعة والمجانبة بحسب القدرة، ومن أراد قانوناً عظيماً لمن يصاحب ومن يجانب فعليه بآية الكهف
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً }** [الكهف: 28] وكما رجع مقطعها على مطلعها كذلك كان من المناسبات العظيمة مناسبة معناها للفاتحة ليرجع مقطع القرآن على مطلعه، ويلتحم مبدؤه بمرجعه على أحسن وجه، كما تقدم بيان ذلك من سورة قريش إلى هنا سورة سورة، فنظر هذه السورة إلى الفاتحة والتحامها بها من جهة أن الفاتحة اشتملت على ثلاثة أسماء: الله والرب والملك، وزادت بكونها أم القرآن بالرحمن الرحيم، لاشتمالهما على جميع النعم الظاهرة والباطنة التي تضمنتها صفة الربوبية، وسورة الناس على الرب والملك والإله الذي هو الأصل في اسم الجلالة، واختصت الفاتحة بالاسم الذي لم يقع فيه شركة أصلاً، فلما تقرر في جميع القرآن أنه الإله الحق، وأنه لا شركة لغيره في الإلهية يحق بوجه من الوجوه كما أنه لا شركة في الاسم الأعظم الذي افتتح به القرآن أصلاً بحق ولا بباطل، ختم القرآن الكريم به معبراً عنه بالإله لوضوح الأمر وانتفاء اللبس بالكلية، وصار الاختتام مما كان به الافتتاح على الوجه الأجلى والترتيب الأولي، وبقي الاسمان الآخران على نظمهما، فيصير النظم إذا ألصقت آخر الناس بأول الفاتحة " إله ملك رب الله رب - رحمن رحيم ملك " إعلاماً بأن مسمى الأسم الأعظم هو الإله الحق، وهو الملك الأعظم لأنه له الإبداع وحسن التربية والرحمة والعامة والخاصة، وحاصل سورة الناس الاستعاذة بهذا الرب الموصوف من وسوسة الصدر المثمرة للمراقبة كما أن حاصل سورة الفاتحة فراغ السر من الشواغل المقتضي لقصر الهمم عليه سبحانه وتعالى والبقاء في حضرته الشماء بقصر البقاء عليه والحكم بالفناء على ما سواه، وذلك هو أعلى درجات المراقبة، فإذا أراد الحق إعانة عبد حمله على الاستعانة بالاستعاذة فيسر عليه صدق التوكل، فحينئذ يصير عابداً صادقاً في العبودية فيكون إلهه سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وينبغي أنه كلما زاده سبحانه وتعالى تقريباً ازداد له عبادة حتى ينفك من مكر الشيطان بالموت كما قال تعالى لأقرب خلقه إليه محمد صلى الله عليه وسلم
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }** [الحجر: 99] ومن نقص من الأعمال شيئاً اعتماداً على أنه وصل فقد تزندق، وكان مثله مثل شخص في بيت مظلم أسرج فيه سراجاً فأضاء، فقال: ما أوقدت السراج إلا ليضيء البيت فقد أضاء، فلا حاجة لي الآن إلى السراج، فأطفأه فعاد الظلام كما كان، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى افتتاح القرآن بعد ختمه كما أشار إليه اتصال المعنى بما بينته، وسمي ذلك الحال المرتحل، وكأن القارىء ذكر بالأمر بالاستعاذة إرادة افتتاح قراءته، فكأنه قيل: استعذ يا من ختم القرآن العظيم لتفتتحه، وكأنه لما استعاذ بما أمر به في هذه السورة قيل له: ثم ماذا تفعل؟ فقال: أفتتح، أو أنه لما أمر بالاستعاذة قال: ماذا أفعل؟ فقيل: افتتح بسم الله الرحمن الرحيم الذي تجب مراقبته عند خواتم الأمور وفواتحها، لأنه لا يكون أمر إلا به، أو أن البسملة مقول القول في { قل } على سبيل من { أعوذ } أو بدل من { برب الناس } وكأنه أمر بالتعوذ، والتسمية أمر بالدفع والجلب، وذلك لأنه لما أمر بهذا التعوذ - وكان قد قال سبحانه**{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }** [النحل: 98] علم أن المراد ابتداؤه بالقرآن فنسبتها إلى الفاتحة نسبة المعلول إلى علته، فكأنه قيل: استعذ بهذا الرب الأعظم الذي لا ملك ولا إله غيره لأن له الحمد، وهو الإحاطة بكل شيء، فهو القادر على كل شيء، فهو القاهر لكل شيء في المعاد وهو الملجأ والمفزع لا إله إلا هو، فإن الاسم هو الوصف والمراد به الجنس، فمعنى بسم الله أي بوصفه أو بأوصافه الحسنى، والحمد هو الثناء بالوصف الجميل، فكأنه قيل: أعوذ برب الناس بأوصافه الحسنى لأن له الحمد وهو جميع الأوصاف الحسنى فإن البدء فيه يحتاج إلى قدرة، فله القدرة التامة، أو إلى علم فالعلم صفته، أو كرم فكذلك، والحاصل أنه كأنه قيل: تعوذ به من الشيطان بما له من الاسم الذي لم يسامه فيه أحد لكونه جامعاً لجميع الأسماء الحسنى أي الصفات التي لا يشوبها نقص خصوصاً صفة الرحمة العامة التي شملتني أكنافها، وأقامني إسعافها، ثم الرحمة الخاصة التي أنا أجدر الناس باستمطارها لما عندي من النقص المانع لي منها والمبعد لمن اتبع الحظوظ عنها، فأسأله أن يجعلني من أهلها، ويحملني في الدارين بوصلها، لأكون من أهل رضاه، فلا أعبد إلا إياه، ولك أن تقرر الاتصال والالتحام بوجه آخر ظاهر الكمال بديع النظام فتقول: لما قرب التقاء نهاية الدائرة السورية آخرها بأولها ومفصلها بموصلها اشتد تشاكل الرأسين، فكانت هذه السور الثلاثة الأخيرة مشاكلة للثلاث الأول في المقاصد، وكثرة الفضائل والفوائد: الإخلاص بسورة التوحيد آل عمران، وهو واحد، والفلق للبقرة طباقاً ووفاقاً، فإن الكتاب الذي هو مقصود سورة البقرة خير الأمر، فهي للعون بخير الأمر، والفلق للعوذ من شر الخلق المحصي لكل خير، وفي البقرة
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين }** [البقرة: 67]**{ يعلمون الناس السحر }** [البقرة: 102] - الآيات،**{ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم }** [البقرة: 109] الآية، والناس للفاتحة، فإنه إذا فرغ الصدر الذي هو مسكن القلب الذي هو مركب الروح الذي هو معدن العقل كانت المراقبة، فكان ذلك بمنزلة تقديس النفس بالتوحيد والإخلاص، ثم الاستعاذة من كل شر ظاهر ومن كل سوء باطن للتأهل لتلاوة سورة المراقبة بما دعا إليه الحال المرتحل وما بعدها من الكتاب، على غاية من السداد والصواب، وكأنه اكتفى أولاً بالاستعاذة المعروفة كما يكتفي في أوائل الأمور بأيسر مأمور، فلما ختم الختمة جوزي بتعوذ من القرآن، ترقية إلى مقام الإحسان، فاتصل الآخر بالأول أيّ اتصال بلا ارتياب، واتحد به كل اتحاد - إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب، هذا ما يسره الله من مدلولات نظومها وجملها، بالنسبة إلى مفهوماتها وعللها، وبقي النظر إلى ما يشير إليه أعداد كلماتها، بلطائف رموزها وإشاراتها، فهي عشرون كلمة توازيها إذا حسبت من أول النبوة سنة عمرة القضاء وهي السابعة من الهجرة، بها تبين الأمن مما وسوس به الشيطان سنة عمرة الحديبية من أجل رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لدخول البيت والطواف به، فإذا ضممت إليها الضمائر الثلاث كانت ثلاثاً وعشرين فوازت السنة العاشرة من الهجرة وهي سنة حجة الوداع وهي القاطعة لتأثير وسواس الشيطان الذي كان في أول السنة الحادية عشرة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب بأمر الردة، فأعاذ الله من شره بهمة الصديق رضي الله تعالى عنه حتى رد الناس إلى الدين وأنزل به وسواس الشياطين المفسدين، فانتظمت كلمة المسلمين تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع **" إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب بعد اليوم "** فإذا ضممت إليها كلمات البسملة صارت سبعاً وعشرين توازي سنة استحكام أمر عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه الذي ما سلك فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غيره، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة، هذا بالنظر إلى كلماتها، فإن نظرت إليها من جهة الحروف كانت لها أسرار كبرى من جهة أخرى، منها أن كلماتها مع كلمات الفاتحة انتظمت من ستة وعشرين حرفاً وهي ما عدا الثاء المثلثة والزاء الظاء المعجة من حروف المعجم التسعة والعشرين كل واحدة منهما من اثنين وعشرين حرفاً اشتركتا في ثمانية عشر منها، واختصت كل واحدة منهما بأربعة: الفاتحة بالحاء والطاء المهملتين، والضاد والغين المعجمتين، والناس بالجيم والخاء والشين المعجمتين والفاء، وقال ابن ميلق: سقط من الفاتحة سبعة أحرف " ثج خز شظف " ، انتهى، فلعل في ذلك - والله أعلم - إشارة إلى أن - تكامل نزول القرآن من أوله إلى آخره في عدد الحروف التي اشتمل عليها كل من سورتي أوله وآخره من السنين وذلك اثنان وعشرون، والثالثة والعشرون سنة القدوم على منزله الحي القيوم سبحانه وتعالى ما أعظم شأنه، وأعز سلطانه، وأقوم برهانه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال مؤلفه رحمه الله تعالى: وهذا تمام ما أردته من نظم الدرر من تناسب الآي والسور، ترجمان القرآن مبدي مناسبات الفرقان، التفسير الذي لم تسمع الأعصار بمثله، ولا فاض عليها من التفاسير على كثرة أعدادها كصيب وبله، فرغته في المسودة يوم الثلاثاء سابع شعبان سنة خمس وسبعين وثمانمائة، بمسجدي من رحبة باب العيد بالقاهرة المغرية، وكان ابتدائي فيه في شعبان سنة إحدى وستين، فتلك أربع عشرة سنة كاملة، وفرغته في هذه المبيضة عصر يوم الأحد عاشر شعبان سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة، بمنزلي الملاصق للمدرسة البادرائية من دمشق، فتلك اثنتان وعشرون سنة بعدد سني النبوة الزاهرة الأنيسة العلية الطاهرة المباركة الزكية، ولولا معونة الله أضحى معدوماً، أو ناقصاً مخروماً، فإني بعد ما توغلت فيه واستقامت لي مبانيه، فوصلت إلى قريب من نصفه، فبالغ الفضلاء في وصفه بحسن سبكه وغزارة معانيه وإحكام رصفه، دب داء الحسد في جماعة أولي النكد، والمكر واللدد، يريدون الرئاسة بالباطل، وكل منهم من جوهر العلم عاطل، مدّ ليل الجهل فيهم ظلامه، وأثار نقع السفه على رؤوسهم سواده وقتامه، صوبوا سهام الشرور، والأباطيل وأنواع الزور، فأكثروا التشييع بالتشنيع، والتقبيح والتبشيع، والتخطئة والتضليل، بالنقل من التوراة والإنجيل، فصنفت في ذلك الأقوال القويمة، في حكم النقل من الكتب القديمة، بينت فيه أن ذلك سنة مستقيمة، لتأييد الملة الحنيفية العظيمة، وأخرجت بذلك نص الشافعي، وكلام النووي والرافعي، واستكتبت على الكتاب: العلماء الأنجاب، فكتبوا ما أودعته " مصاعد النظر للاشراف على مقاصد السور " فأطفأ الله نارهم، وأظهر عوارهم، وشهر خزيهم وعارهم، ثم قاموا في بدعة دائم المعروف، فصنفت فيها القول المعروف، وبينت مخالفتهم للكتاب والسنة، ووقوعهم في عين الفتنة، وخرقهم لأعظم الجنة، وصريح نص الشافعي ونقول العلماء، فكانوا كمن ألقم الحجر أو ملىء فمه بالماء، ثم قاموا في فتنة ابن الفارض، وكلهم معاند معارض، وألبوا عليّ رعاع الناس، فاشتد شعاع البأس، فكادوا أن يطبقوا على الانعكاس، وصوبّوا طريق الإلحاد، وبالغوا في الرفع من أهل الاتحاد، ولجوا بالخصام في العناد، وأفتوا بمحض الباطل، وبثوا السم القاتل، إلا ناساً قليلاً كان الله بنصرهم على ضعفهم كفيلاً، فسألتهم سؤالاً، جعلهم ضلالاً جهالاً، فتداولوه فيما بينهم وتناقلوه وعجزوا عن جوابه بعد أن راموه أشد الروم، وحاولوه فظهر لأكثر الناس حالهم، واشتهر بينهم ضلالهم، وغيهم الواضح ومحالهم، وصنفت في ذلك عدة مصنفات، بانت فيها مخازيهم وظهرت المخبآت، منها " صواب الجواب للسائل المرتاب " ومنها " القارض لتكفير ابن الفارض " ومنها " تدمير المعارض في تكفير ابن الفارض " ومنها " تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي " ومنها " تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد " أنفقت فيها عمراً مديداً، وبددوا فيها أوقاتي - بددهم الله تبديداً، وهدد أركانهم وأعضادهم تهديداً، وقرعتهم بالعجز عن الجواب، الكاشف للارتياب، صباحاً ومساءً، وإعادة وإبداء، فحملهم التقريع، والتوبيخ والتبخيع، على كتابة جواب، لم يخل من ارتجاج واضطراب، وشك وارتياب، بينت أن جامعه أخطأ في جميعه الصواب، وكفر في أربعة مواضع كفراً صريحاً، وكذب في ثمانية فصار بذلك جريحاً، بل هالكاً طريحاً، فأطلت بذلك التقريع، والتوبيخ والتبشيع، فذلت أعناقهم، وضعف شقاقهم، وخفي نفاقهم، غير أنه حصل في كل واحدة من هذه الوقائع، من الشرور وعجائب المقدور، ما غطى ظلامه الشموس الطوالع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وطال الأمر في ذلك سنين، وعم الكرب حتى كثر الأنين، والتضرع في الدعاء والحنين، وثبّت الله ورزق الصبر والأناة حتى أكمل هذا الكتاب، على ما تراه من الحسن والصواب.
وقد قلت مادحاً للكتاب المذكور، بما أبان عنه من عجائب المقدور، وغرائب الأمور، شارحاً لحالي، وحالهم وظفر آمالي، وخيبة آمالهم من مجزوء الرجز، وضربه مقطوع، والقافية متواتر مطلق مجرد، مسمياً له بـ " كتاب لمّا " لأن جل مقصوده بيان ارتباط الجمل بعضها ببعض حتى أن كل جملة تكون آخذة بحجزة ما أمامها متصلة بها، وذلك هو المظهر المقصود من الكلام وسره ولبابه، الذي هو للكلام بمنزلة الروح وبيان معاني المفردات، وكل جملة على حيالها بمنزلة الجسد، فالوح هو المقصود الأعظم يدرك ذلك من يذوق ويفهم، ويسري ذهنه في ميادين التراكيب ويعلم، و " لما " طرف يراد بها ثبوت الثاني مما دخل عليه بثبوت الأول على غاية المكنة بمعنى أنها كالشروط تطلب جملتين يلزم لذلك الملزوم، فتم الكتاب في هذا النظم بـ " لما " لأني أكثرت من استعمالها فيه لهذا الغرض:
| **هذا كتاب لما** | | **لم المعاني لما** |
| --- | --- | --- |
| **غدت بحور علمه** | | **تمد مداً جما** |
| **بشرت من يحسده** | | **بأن يموت غما** |
| **فإن قصدي صالح** | | **جاهدت فيه الهما** |
| **فربنا يقبله** | | **كيفية وكما** |
| **فبالذي أردته** | | **لقد أحاط علما** |
| **كابدت فيه زمناً** | | **من حاسدي ما غما** |
| **عدوا سنين عددا** | | **يسقون قلبي السما** |
| **وكم دهوني مرة** | | **وكم رموني سهما** |
| **وأوسقوا قلبي أذى** | | **وأوسعوني ذما** |
| **وكم بغوني عثرة** | | **فما رأوا لي جرما** |
| **وفتروا من قاصدي** | | **همهمة وعزما** |
| **وأوعدوهم بالأذى** | | **وأوهنوهم رجما** |
| **ألقى إذا اشتد لظى** | | **أذى إذا هم رجما** |
| **ألقى إذا الليل دجا** | | **وبالبلا ادلهما** |
| **أذاهم وظلمهم** | | **بدعوة في الظلما** |
| **أستصرخ الله بهم** | | **أقول يا اللهما** |
| **يا رب إني جاهد** | | **فافرج إلهي الغما** |
| **لا ذنب لي عندهم** | | **إلا الكتاب لما** |
| **جرت ينابيع الهدى** | | **منه فصارت يما** |
| **صنعته وفي بحو** | | **رعلمه ما طما** |
| **وقد علا تركيبه** | | **وعاد يحلو نظما** |
| **عملته نصيحة** | | **لمن يحب العلما** |
| **أودعته فرائداً** | | **يرقص منه الفهما** |
| **تجلو العمى من لطفها** | | **وتسمع الأصما** |
| **خص نفيس علمها** | | **وللأناسي عما** |
| **تنطق من تغنى بها** | | **وإن يكونوا بكما** |
| **أفعالها جليلة** | | **أعيذها بالأسما** |
| **سهل ربي أمره** | | **عليّ حتى تما** |
| **في أربع وعشرة** | | **من السنين صما** |
| **قال لسان عدها** | | **دونك بدراً تما** |
| **وليس يلغي ناقصاً** | | **يا صاحبي يوما** |
| **أعيذه بالمصطفى** | | **من شر وغد ذما** |
| **ومن حسود قد غدا** | | **من أجله مهتما** |
| **فليس يبغي ذمه** | | **إلا بغيضاً أعما** |
| **كفاه ربي شرهم** | | **وزان منه الأسما** |
| **وردّ في تدبيرهم** | | **تدميرهم والغرما** |
| **وردّهم بغيظهم** | | **لما ينالوا غلما** |
| **وزاده سعادة** | | **ولازمته النعما** |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال ذلك منشبه أحوج الخلائق إلى عفو الخالق أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي الشافعي رحمه الله تعالى قائلاً: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان الفراغ من هذا الجزء على يد أقل عبيد الله وأحوجهم إلى لطف الله وعفوه عبد الكريم بن علي بن محمد المحولي الشافعي نزيل بلد الله الحرام - غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين -... بمكة المشرفة في يوم السبت المبارك السادس والعشرين من شهر صفر الخير سنة أربع وأربعين وتسعمائة، وقد تجاوز سني الآن خمسة وسبعين عاماً - أسأل الله حسن الخاتمة والثبات على دين الإسلام والوفاة بأحد حرميه بمنه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقال بعض تلامذة المصنف وهو العرس خليل بن موسى المقرىء مادحاً للكتاب المذكور المسمى بـ " لما ":
| **برهان دين الله أضحى موضحاً** | | **أسرار قول الله في القرآن** |
| --- | --- | --- |
| **وأتى بما ترك الورى من بعده** | | **تمشي الورا أبداً مدى الأزمان** |
| **فمن ادعى نسجاً على منواله** | | **فقد ادعى ما ليس في الإمكان** |
| **وإذا المفسر رام يوماً أنه** | | **بمثاله يأتي بلا إذعان** |
| **قلنا له فسر وقايس بعد ذا** | | **ولنا الدليل عليك بالبرهان** |
وكان الفراغ من نسخ هذا النصف الأخير من الكتاب المسمى بـ " لما " مناسبات القرآن العظيم على من أنزل عليه أفضل الصلاة والسلام في الليلة الثالثة عشرة من شهر جمادى الأولى من شهور سنة سبع وتسعين وألف على يد أحقر العباد، وأحوجهم إلى مغفرة ربه الجواد، محمد بن أحمد البدرشيني بلداً، الشافعي مذهباً، مصلياً ومسلماً على أفضل وأكمل وأجمل خلق الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته الطيبين الطاهرين صلاة وسلاماً دائمين متلازمين بدوام ملك الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل آمين آمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **إن تلق عيباً فلا تعجل بسبك لي** | | **إني امرؤ لست معصوماً من الزلل** |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: أنزل بالمدينة { قل أعوذ برب الناس }.
وأخرج ابن مردويه عن الحكم بن عمير الثمالي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" الحذر أيها الناس، وإياكم والوسواس الخناس، فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملاً ".** وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال: أول ما يبدأ الوسواس من الوضوء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مغفل قال: البول في المغتسل يأخذ منه الوسواس.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مرة رضي الله عنه قال: ما وسوسة بأولع ممن يراها تعمل فيه.
وأخرج أبو بكر بن أبي داود في كتاب ذم الوسوسة عن معاوية بن أبي طلحة قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم **": " اللهماعمر قلبي من وسواس ذكرك واطرد عني وسواس الشيطان " ".** وأخرج ابن أبي داود في كتاب ذم الوسوسة عن معاوية في قوله: { الوسواس الخناس } قال: مثل الشيطان كمثل ابن عرس واضع فمه على فم القلب فيوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس، وإن سكت عاد إليه فهو { الوسواس الخناس }.
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى وابن شاهين في الترغيب في الذكر والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه فذلك { الوسواس الخناس } ".** وأخرج ابن شاهين عن أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: **" إن للوسواس خطماً كخطم الطائر فإذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار في أذن القلب يوسوس، فإن ابن آدم ذكر الله نكص وخنس فلذلك سمي { الوسواس الخناس } ".** وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { الوسواس الخناس } قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: ما من مولود يولد إلا على قلبه الوسواس فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس، فلذلك قوله: { الوسواس الخناس }.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: الخناس الذي يوسوس مرة ويخنس مرة من الجن والإِنس، وكان يقال شيطان الإِنس أشد على الناس من شيطان الجن، شيطان الجن يوسوس ولا تراه وهذا يعاينك معاينة.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي كثير قال: إن الوسواس له باب في صدر ابن آدم يوسوس منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابن المنذر عن عروة بن رويم أن عيسى ابن مريم عليهما السلام دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم فجلى له فإذا رأسه مثل رأس الحية واضعاً رأسه على ثمرة القلب، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكره وضع رأسه على ثمرة قلبه فحدثه.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: الوسواس محله على فؤاد الإِنسان وفي عينه وفي ذكره ومحله من المرأة في عينها وفي فرجها إذا أقبلت، وفي دبرها إذا أدبرت هذه مجالسه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: { من الجنة والناس } قال: هما وسواسان فوسواس من الجنة وهو الجن، ووسواس نفس الإِنسان فهو قوله { والناس }.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله: { من الجنة والناس } قال: إن من الناس شياطين فنعوذ بالله من شياطين الإِنس والجن.
ذكر ما ورد في سورة الخلع وسورة الحفد
قال ابن الضريس في فضائله: أخبرنا موسى بن اسمعيل، أنبأنا حماد قال: قرأنا في مصحف أبي بن كعب: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك قال حماد: هذه الآن سورة، وأحسبه قال: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج ابن الضريس عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه قال: صليت خلف عمر بن الخطاب فلما فرغ من السورة الثانية قال: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير كله، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. وفي مصحف ابن عباس قراءة أبيّ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. وفي مصحف حجر: اللهم إنا نستعينك، وفي مصحف ابن عباس قراءة أبيّ وأبي موسى: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نخشى عذابك ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج أبو الحسن القطان في المطوّلات عن أبان بن أبي عياش قال: سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجدّ إن عذابك بالكفار ملحق. قال أنس: والله إن أنزلتا إلا من السماء.
وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس إن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين: اللهم إياك نعبد، واللهم إنا نستعينك.
وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبزى قال: قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر قنت بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد.
وأخرج البيهقي عن خالد بن أبي عمران قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت، فقال يا محمد: إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً، وإنما بعثك رحمة للعالمين، ولم يبعثك عذاباً، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون، ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، إليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، ولك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق. وزعم عبيد أنه بلغه أنهما سورتان من القرآن في مصحف ابن مسعود.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن سويد الكاهلي أن علياً قنت في الفجر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال: في قراءة أبيّ بن كعب: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق.
وأخرج محمد بن نصر عن ابن إسحق قال: قرأت في مصحف أبيّ بن كعب بالكتاب الأول العتيق: بسم الله الرحمن الرحيم { قل هو الله أحد } إلى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم { قل أعوذ برب الفلق } إلى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم { قل أعوذ برب الناس } إلى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم لا تنزع ما تعطي ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وغفرانك وحنانيك إله الحق.
وأخرج محمد بن نصر عن يزيد بن حبيب قال: بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن رزين الغافقي فقال له: والله إني لأراك جافياً، ما أراك تقرأ القرآن؟ قال: بلى، والله إني لأقرأ القرآن، وأقرأ منه ما لا تقرأ به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقال له عبد العزيز: وما الذي لا أقرأ به من القرآن؟ قال: القنوت. حدثني علي بن أبي طالب أنه من القرآن.
وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال: كان أبو عبد الرحمن يقرئنا: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكفار ملحق. وزعم أبو عبد الرحمن أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم إياها.
وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال: قرأت، أو حدثني من قرأ في بعض مصاحف أبيّ بن كعب هاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك. والأخرى بينهما بسم الله الرحمن الرحيم قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من المفصل.
وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال: كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد.
وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال: يقرأ في الوتر السورتين اللهم إياك نعبد، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك.
وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال: سألت عطاء بن أبي رباح أي شيء أقول في القنوت قال: هاتين السورتين اللتين في قراءة أبيّ: اللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد.
وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال: نبدأ في القنوت بالسورتين، ثم ندعو على الكفار، ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات.
وأخرج البخاري في تاريخه عن الحارث بن معاقب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في صلاة من الصلوات: **" بسم الله الرحمن الرحيم غفار غفر الله لها، واسلم سالمها الله، وشيء من جهينة وشيء من مزينة وعصية عصت الله ورسوله، ورعل وذكوان ما أنا قلته الله قاله "** قال الحارث فاختصم ناس من أسلم وغفار فقال الأسلميون بدأ باسلم، وقال غفار بدأ بغفار قال الحارث: فسألت أبا هريرة فقال بدأ بغفار.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن خفاف بن ايماء بن رحضة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فلما رفع رأسه من الركعة الآخرة قال: **" لعن الله لحياناً ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله أسلم سالمها الله، غفار غفر الله لها، ثم خر ساجداً. فلما قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه فقال: أيها الناس إني لست قلت هذا، ولكن الله قاله ".** ذكر دعاء ختم القرآن
أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ختم القرآن دعا قائماً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير مكانه ".** وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أبي جعفر قال: كان علي بن حسين يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ختم القرآن حمد الله بمحامده وهو قائم، ثم يقول: **" الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، لا إله إلا الله، وكذب العادلون بالله، وضلوا ضلالاً بعيداً، لا إله إلا الله، وكذب المشركون بالله من العرب والمجوس واليهود والنصارى والصابئين ومن دعا لله ولداً أو صاحبة أو نداً أو شبيهاً أو مثلاً أو سمياً أو عدلاً، فأنت ربنا أعظم من أن تتخذ شريكاً فيما خلقت، والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً الله الله الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب إلى قوله إلا كذباً. الحمد الله الذي له ما في السموات وما في الأرض الآيتين: الحمد لله فاطر السموات والأرض الآيتين، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، آلله خير أما يشركون بل الله خير وأبقى وأحكم وأكرم وأعظم مما يشركون، فالحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون، صدق الله وبلغت رسله، وأنا على ذلك من الشاهدين، اللهم صلّ على جميع الملائكة والمرسلين وارحم عبادك المؤمنين من أهل السموات والأرضين، واختم لنا بخير، وافتح لنا بخير، وبارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بالآيات والذكر الحكيم. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ".** وأخرج ابن الضريس عن عبد الله بن مسعود قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة.
وأخرج ابن مردويه عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال: جميع سور القرآن مائة وثلاث عشرة سورة المكية خمس وثمانون سورة، والمدنية ثمانية وعشرون سورة، وجميع آي القرآن ستة آلاف آية وست عشرة آية، وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وأحد وسبعون حرفاً.
وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابراً محتسباً فله بكل حرف زوجة من الحور العين "** قال بعض العلماء هذا العدد باعتبار ما كان قرآناً ونسخ رسمه، وإلا فالموجود الآن لا يبلغ هذه العدة. قال الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في أول كتابه أسباب النزول وسماه العجاب في بيان الأسباب: الذين اعتنوا بجمع التفسير المسند من طبقة الأئمة الستة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ويليه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم بن إدريس الرازي، ومن طبقة شيوخهم عبد بن حميد بن نصر الكشي، فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين، وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها كاستيعاب القراءات والإِعراب والكلام في أكثر الآيات على المعاني والتصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض، وكل من صنف بعده لم يجتمع له ما اجتمع فيه لأنه في هذه الأمور في مرتبة متقاربة وغيره يغلب عليه فن من الفنون فيمتاز فيه ويقصر فى غيره، والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما وفيهم ثقات وضعفاء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فمن الثقات مجاهد وابن جبير، ويروى التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية، ومنهم عكرمة ويروي التفسير عنه من طريق الحسن بن واقد عن يزيد النحوي عنه، ومن طريق محمد بن إسحق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير، هكذا بالشك، ولا يضر لكونه عن ثقة، ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس لكنه إنما جمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة، ومن طريق ابن جريج رضي الله عنه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس لكن فيما يتعلق بالبقرة وآل عمران وما عدا ذلك يكون عطاء رضي الله عنه هو الخراساني، وهو لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما فيكون منقطعاً إلا أن صرح ابن جريج بأنه عطاء بن أبي رباح ومن روايات الضعفاء عن ابن عباس رضي الله عنهما التفسير المنسوب لأبي النصر محمد بن السائب الكلبي فإنه يرويه عن أبي صالح، وهو مولى أم هانىء عن ابن عباس، والكلبي اتهموه بالكذب، وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه: كل شيء حدثتكم عن أبي صالح كذب، ومع ضعف الكلبي قد روي عنه تفسير مثله أو أشد ضعفاً وهو محمد بن مروان السدي الصغير، ورواه عن محمد بن مروان مثله، أو أشد ضعفاً وهو صالح بن محمد الترمذي، وممن روى التفسير عن الكلبي من الثقات سفيان الثوري ومحمد بن فضيل بن غزوان. ومن الضعفاء من قبل الحفظ جبان بكسر المهملة وتثقيل الموحدة وهو ابن علي العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي منقوطة، ومنهم جويبر بن سعيد وهو واه روى التفسير عن الضحاك بن مزاحم وهو صدوق عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يسمع منه شيئاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وممن روى التفسير عن الضحاك علي بن الحكم وهو ثقة، وعلي بن سليمان وهو صدوق، وأبو روق عطية بن الحرث وهو لا بأس به. ومنهم عثمان بن عطاء الخراساني رضي الله عنه يروي التفسير عن أبيه عن ابن عباس. ولم يسمع أبوه من ابن عباس. ومنهم إسمعيل بن عبد الرحمن السدي بضم المهملة وتشديد الدال، وهو كوفي صدوق، ولكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم وخلط روايات الجميع فلم تتميز روايات الثقة من الضعيف. ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك وربما التبس بالسدي الصغير الذي تقدم ذكره. ومنهم إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني وهو ضعيف يروي التفسير عن أبيه عن عكرمة، وإنما ضعفوه لأنه وصل كثيراً من الأحاديث بذكر ابن عباس، وقد روى عنه تفسيره عبد بن حميد. ومنهم إسمعيل بن أبي زياد الشامي وهو ضعيف جمع تفسيراً كثيراً فيه الصحيح والسقيم، وهو في عصر أتباع التابعين. ومنهم عطاء بن دينار رضي الله عنه وفيه لين يروي التفسير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير رواه عنه ابن لهيعة وهو ضعيف. ومن تفاسير التابعين ما يروى عن قتادة رضي الله عنه وهو من طرق منها رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ورواية آدم بن أبي إياس وغيره عن شيبان عنه، ورواية يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة، ومن تفاسيرهم تفسير الربيع بن أنس عن أبي العالية واسمه رفيع بالتصغير الرياحي بالمثناة التحتية والحاء المهملة وبعضه لا يسمى الربيع فوقه أحداً وهو يروي من طرق منها رواية أبي عبيد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عنه، ومنها تفاسير مقاتل بن حيان من طريق محمد بن مزاحم بن بكير بن معروف عنه، ومقاتل هذا صدوق، وهو غير مقاتل بن سليمان الآتي ذكره، ومن تفاسير ضعفاء التابعين فمن بعدهم تفسير زيد بن أسلم من رواية ابنه عبد الرحمن عنه، وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب وغيره عن عبد الرحمن عن أبيه وعن غير أبيه، وفيه أشياء كثيرة لا يسندها لأحد وعبد الرحمن من الضعفاء وأبوه من الثقات، ومنها تفسير مقاتل بن سليمان وقد نسبوه إلى الكذب. وقال الشافعي رضي الله عنه: مقاتل قاتله الله تعالى. وإنما قال الشافعي رضي الله عنه فيه ذلك لأنه اشتهر عنه القول بالتجسيم، وروى تفسير مقاتل هذا عنه أبو عصمة نوح بن أبي مريم الجامع وقد نسبوه إلى الكذب، ورواه أيضاً عن مقاتل الحكم بن هذيل وهو ضعيف، لكنه أصلح حالاً من أبي عصمة ومنها تفسير يحيى بن سلام المغربي وهو كبير في نحو ستة أسفار أكثر فيه النقل عن التابعين وغيرهم، وهو لين الحديث، وفيما يرويه مناكير كثيرة، وشيوخه مثل سعيد بن أبي عروبة ومالك والثوري، ويقرب منه تفسير سنيد بمهملة ونون مصغر واسمه الحسين بن داود، وهو من طبقة شيوخ الأئمة الستة، يروي عن حجاج بن محمد المصيصي كثيراً وعن انظاره، وفيه لين، وتفسيره نحو تفسير يحيى بن سلام، وقد أكثر ابن جريج التخريج منه ومن التفاسير الواهية لوهاء رواتها التفسير الذي جمعه موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني، وهو قدر مجلدين يسنده إلى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد نسب ابن حبان موسى هذا إلى وضع الحديث ورواه عن موسى عبد الغني بن سعيد الثقفي وهو ضعيف، وقد يوجد كثير من أسباب النزول في كتب المغازي، فما كان منها من رواية معتمر بن سليمان عن أبيه أو من رواية اسمعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة، فهو أصلح مما فيها من كتاب محمد بن إسحق، وما كان من رواية ابن إسحق أمثل مما فيها من رواية الواقدي انتهى. قال مؤلفه رضي الله عنه وتقبل الله منه صنيعه: فرغت من تبييضه يوم عيد الفطر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بعونه تعالى تم المجلد السادس وبتمامه تم كتاب الدر المنثور في التفسير المأثور
للإِمام السيوطي رحمه الله
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } إذا غفلوا عن ذكره تعالى ومحل الموصول إما الجر على الوصف وإما الرفع أو النصب على الذم { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس على أنه ضربان جنيَّ وإنسيَّ كما قال عز وجل**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [سورة الأنعام، الآية 112] أو متعلق بيوسوس أى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن ومن جهة الإنس وقد جوز أن يكون بياناً للناس على أنه يطلق على الجن أيضاً حسب إطلاق النفر والرجال عليهم ولا تعويل عليه، وأقرب منه أن يراد بالناس الناسى ويجعل سقوط الياء كسقوطها في قوله تعالى**{ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** [سورة القمر، الآية 6] ثم يبين بالجنة والناس فإن كل فرد من أفراد الفريقين مبتلى بنسيان حق الله تعالى إلا من تداركه شوافع عصمته وتناوله واسع رحمته عصمنا الله تعالى من الغفلة عن ذكره ووفقنا لأداء حقوق شكره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | كما قال: { يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [5-6] يعني في صدور الجن والإنس جميعاً، ووسوسة النفس في القلب. قال الله تعالى:**{ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ }** [ق:16] وإن معرفة النفس أخفى من معرفة العدو، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا، وأسر العدو معرفته، فإذا عرفته فقد أسرته، وإن لم تعرف أنه العدو وأسرك فإنما مثل العبد والعدو والدنيا كمثل الصياد والطير والحبوب، فالصياد إبليس، والطير العبد، والحبوب الدنيا، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع، فإن كنت صائماً فأردت أن تفطر قال لك: ما يقول الناس، أنت قد عُرفت بالصوم تركت الصيام. فإن قلت: ما لي وللناس. قال لك: صدقت أفطر، فإنهم سيضعون أمرك على الحسبة والإخلاص في فطرك، وإن كنت عرفت بالعزلة فخرجت. قال: ما يقول الناس، تركت العزلة. فإن قلت: ما لي وللناس. قال: صدقت اخرج فإنهم سيضعون أمرك على الإخلاص والحسبة. وكذلك في كل شيء من أمرك، يردك إلى الناس حتى كأنه ليأمرك بالتواضع للشهرة عند الناس. ولقد حكي أن رجلاً من العباد كان لا يغضب، فأتاه الشيطان وقال: إنك إن تغضب وتصبر كان أعظم لأجرك. ففطن به العابد فقال: وكيف يجيء الغضب؟ قال: آتيك بشيء فأقول: لمن هو؟ فقل: هو لي، فأقول: بل هو لي. فأتاه بشيء وقال العابد: هو لي، فقال الشيطان: لا بل هو لي. فقال العابد: إن كان لك فاذهب به، ولم يغضب، فرجع الشيطان خائباً حزيناً، أراد أن يشغل قلبه حتى يصيب منه حاجته، فعرفه واتقى غرورة.
ثم قال سهل: عليك بالإخلاص تسلم من الوسوسة، وإياك والتدبير فإنه داء النفس، وعليك بالاقتداء فإنه أساس العمل، وإياك والعجب فإن أدنى باب منه لم تستتمه حتى تدخل النار، وعليك بالقنوع والرضا، فإن العيش فيهما، وإياك والائتمار على غيرك، فإنه لينسيك نفسك، وعليك بالصمت، فأنت تعرف الأحوال فيه، وعليك بترك الشهوات تنقطع به عن الدنيا، وعليك بسهر الليل تموت نفسك من ميلة طبعك وتحيي قلبك، وإذا صليت فاجعلها وداعاً، وخف الله يؤمنك وارجهُ يؤملك، واتكل عليه يَكفِك، وعليك بالخلوة تنقطع الآفات عنك. ولقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: لولا مخافة الوسواس لرحلت إلى بلاد لا أنيس بها، وهل يفسد الناس إلا الناس.
ثم قال سهل: مخالطة الولي بالناس ذل، وتفرده عزّ، وما رأيت أولياء الله تعالى إلا منفردين، إن عبد الله بن صالح رحمه الله كان رجلاً له سابقة جليلة وموهبة جزيلة، وكان يفرّ من بلد إلى بلد، حتى يأتي مكة، فطال بها مقامه، فقلت له: لقد طال مقامك بها. فقال: ولم لا أقيم بها، ولم أر بقعة ينزل فيها من الرحمة والبركة مثلها يطوف الملائكة حول البيت غدواً وعشية على صور شتى، لا يقطعون ذلك، وإن فيها عجائب كثيرة، ولو قلت كلما رأيت لصغرت عنه قلوب أقوام ليسوا بمؤمنين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
فقلت: أسألك بحق الحق أن تخبرني بشيء من ذلك. فقال: ما من ولي لله تعالى صحّت ولايته إلا وهو يحضر في هذه البلد في كل ليلة جمعة، ولقد رأيت رجلاً يقال له مالك بن القاسم الجبلي رحمه الله تعالى ليلة هاهنا ورايت على يده غمراً فقلت: إنك لقريب العهد بالأكل. فقال: أستغفر الله فإني منذ أسبوع لم أطعم شيئاً، ولكني أطعمت والدتي وأسرعت لأدرك صلاة الفجر هاهنا جماعة، وبين مكة وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ، فهل أنت مؤمن بذلك؟ فقلت: بلى. فقال: الحمد لله الذي أراني مؤمناً مؤمناً.
وقال ابن سالم: كنت عند سهل رحمه الله تعالى، فأتاه رجلان بعد صلاة العصر، وجعلا يحدثانه، فقلت في نفسي: لقد أبطأا عنده، وما أراهما يرجعان في هذا الوقت، وذهبت إلى منزلي لأهيئ لهما عشاء، فلما رجعت إليه لم أر عنده أحداً، فسألت عن حالهما، فقال: إن أحدهما يصلي المغرب بالمشرق، والآخر بالمغرب، وإنما أتياني زائرين.
ولقد دخل سهل على رجل من عباد البصرة، فرأى عنده بلبلة في قفص، فقال: لمن هذه البلبلة؟ فقال: لهذا الصبي، كان ابناً له، قال: فأخرج سهل من كمه دينار فقال: بني أيما أحب إليك الدينار أم البلبلة؟ فقال: الدينار. فدفع إليه الدينار وأطلق البلبلة. قال: فقعد البلبل على حائط الدار حتى خرج سهل، فجعل يرفرف فوق رأسه، حتى دخل سهل داره، وكان في داره سدرة فسكنت البلبلة السدرة، فلم تزل فيها حتى مات، فلما رفعوا جنازته جعلت ترفرف فوق جنازته والناس يبكون، حتى جاؤوا بها إلى قبره، فوقفت في ناحية حتى دفن وتفرق الناس عن قبره، فلم تزل تضطرب على قبره حتى ماتت، فدفنت بجنبه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }.
أعتصِمْ بربِّ الناسِ خالقِهِم وسيَّدِهم.
{ مَلِكِ ٱلنَّاسِ }.
أي مالكهم جميعهم.
{ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }.
القادِر على إيجادهم.
{ مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }.
من حديثِ النَّفْسِ بما هو كالصوتِ الخفيِّ.
ويقال: مِنْ شرِّ الوسواس.
ويقال: من شرِّ الوسوسة التي تكون بين الجِنَّةِ والناس.
" والخنَّاس " الذي يغيب ويخنس عن ذِكْرِ الله. وهو من أوصاف الشيطان.
{ ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }.
قيل: " الناس " يقع لفظها على الجنِّ والإنْسِ جميعاً - كما قال تعالى:**{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الأحقاف: 29] فسمَّاهم نفراً، وكما قال:**{ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6] فسمَّاهم رجالاً.. فعلى هذا استعاذ من الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس، والشيطانُ الذي له تسلُّطٌ على الناسِ كالوسواس؛ فللنَّفْس من قِبَلِ العبد هواجسُ، وهواجِسُ النَّفْسِ ووساوسُ الشيطانِ يتقاربان؛ إذ إن يدعو إلى متابعة الشهوة أو الضلالة في الدين أو إلى ارتكاب المعصية، أو إلى الخصال الذميمة - فهو نتيجة الوساوس والهواجس.
وبالعلم يُمَيَّزُ بين الإلهام وبين الخواطِر الصحيحة وبين الوساوس.
(ومما تجب معرفته) أن الشيطان إذا دعا إلى محظورٍ فإن خالَفْتَه يَدَعْ ذلك (ثم) يدعوك إلى معصيةٍ أخرى؛ إذ لا غََرَضَ له إلا الإقامة على دعائك (...) غير مختلفة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ | * تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) | { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } الوسوسة مراتب الاولى هواجس النفس الامارة والثانية وسوسة الشيطان والثالثة وسوسة جنود القهريات وموضع هذه الوساوس الصدر لان القلب موضع العقل والروح اللطيفة والتجلى والخطاب والمشاهدة وهو مصون برعاية الحق فاما وسوسة النفس فيكون فى طلب الشهوات والحظوظ وأما وسوسة الشيطان فيكون فى الكفر والطغيان والبدع وأما وسوسة القهر فبذر وسوسة النفس والشيطان ألقاه الحق فى أرض الصدور لامتحان عباده وغيره الأزل منعهم بهذه الوساوس عن مشاهدة الكل فإذا أراد بلطفه وصولهم إليه عظمّه فيهبّ في صحارى قلوبهم شمال جماله فيكشف عن قلوبهم وصدورهم عن الوساوس وظلمة النفس ذلك قوله { ٱلْخَنَّاسِ \* ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } ثم بين أن الوسوسة تاتى من الشيطان تارة بارزة واسعة، وهو ان يوسوس فى صدره من غلبة نور التوفيق والمشاهدة وظهارة الكفر وصفاء الذكر وعار عليه فى مقامه غراه بعض شياطين الانس ويدعوه بلسانه الى بعض الشهوات او البدع والاهواء فيوقعه الى الحجاب فامر الله حيبيه ان يستعيذ به من وسوسة شياطين الانس والجن الذى وصفهم الله بقوله شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا واحذر يا صاحبى من هذه الوساوس واعرف شانها واصلها وفرعها فان الوساوس تاتيك فى جميع المقامات وفى بعض المواجيد والاحوال فينبغى ان تعرف مكائده واسلحته ومواقعه ووساوسه واستعن بالله فى جوابه وعلاجه حتى تبلغ إلى مقام مشاهدة الخلق بالحق ويفنى عنك بشريتك واوصافها ويكون نورا بنوره مقدسا بقدسه عن كل خاطر وعارض فان عرفت حقيقة ما ذكرتك فصرت اماما للمتقدين وسراجا للمتقبسين قال عمر المكي الوساوس من وجهين من النفس والعدو فوساوس النفس المعاصى الذى يوسوس فيها العدو كلها غير طبعي فان النفس لا يوسوس بهما احدهما التشكيك والآخر بقول على الله بغير علم قال الله فى وصف الشيطان إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون وقال يحيى بن معاذ الوسوسة بذر الشيطان فان لم يقصد ارضا وماء ضاع بذره وان اعطيته الارض والماء بذر فيها فسئل ما الارض والماء اشبع ارضه والنوم مائه وقال يحيى انما هو جسم وروح وقلب وصدر وشغاف وفواد فالجسم بحر الشهوات قال الله ان النفس لأمارة بالسوء والروح بحر المناجاة والصدر بحر الوساوس قال الله تعالى الذى يوسوس فى صدور الناس والشغاف بحر المحبة قال الله تعالى قد شغفها حباً والفواد بحر الرؤية قال الله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى وتقلب بحر العمل وقال سهل الوسوسة ذكر الطبع وقال اذا كان القلب مشغولاً بالله لم يصل اليه الوسواس بحال وقال عبد العزيز المكى يوسوس فى فواد العامة وقلوب الخواص لو دنا منها إبليس لاحترق صدق الشيخ فيما قال ولكن فى سر السر وغيب الغيب ونور النور وسنا السنا ولطف اللطف وشهود الشهود ودنو الدنو ووصال الوصال وبقاء البقاء وعيان العيان يكون قلوب العارفين والموحدين والمحبين والمريدين والمؤمنين فى قبض العزة منقلبة بين اصابع الصفة التى هى انوار ازال الازال واباد الاباد طالبة يوصل الوصل وعرفان العرفان وحقيقة الحقيقة كالفراش حول الشمع كمال شوقها الاحتراق بنيرانه كذلك قلوبهم محترقة هناك بنيران الكبرياء فانية فى سطوات الجلال باقية بسبحات الجمال مصونة عن ذل الحجاب محروسة عن طريان العذاب كيف يخللها قتام الوسواس فهواجس النفس وحديث الناس سبحان من صفاهم بصفاته عن كل كدور وبراهم بقدسه عن كل علة الوسواس فى الصدور والقلوب وفى الحضور والنور والسرور كيف يصل حركات الانسانية الى من استغرق فى بحار الوحدانية لا باس بان طوى على الصدور وسواس وهواجس من محل الامتحان فان الارواح فى يمين الرحمن والقلوب بين أصبعين من اصابع الرحمن والحمد لله الذى رد امره الى الوسوسة الا ترى كيف شكا عنه خواص الصحابة الى حبيب الله وصفيه صلوات الله وسلامه عليه فقالوا انا نجد فى انفسنا ما يتعاظم احدنا ان نتكلم به فقال " او قد وجدتموه " قالوا نعم قال " ذلك صريح الايمان " وقال ابو عمرو والبخارى اصل الوسوسة نتيجتها من عشرة اشياء اولها الحرص فقاتله بالتوكل والقناعة والثانية الامل فاكسره بمناجاة الاجل والثالثة التمتع بشهوات الدنيا فقاتله بزوال النعمة وطول الحساب والرابعة الحسد فاكسره برؤية العدل والخامسة البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافى والسادسة الكبر فاكسره بالتواضع والسابعة الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيم حرمتهم والثامنة حب الدنيا والمحمدة من الناس فاكسره بالاخلاص والتاسعة طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع والعاشرة المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء والحمد لله حمداً لا انقطاع له ولا انتهاء والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم الانبياء وعلى آله وصحبه وسائر الاولياء ما دامت الارض والسماء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { قل أعوذ بربّ الناس } ربّ الناس هو الذات مع جميع الصفات لأن الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود ربّه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع الأسماء بحسب البداية المعبر عنها بالله، ولهذا قال تعالى:**{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }** [ص، الآية:75] بالمتقابلين من الصفات كاللطف والقهر والجمال والجلال الشاملين لجميعها تعوّذ بوجهه بعدما تعوّذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه السورة عن المعوّذة الأولى إذ فيها تعوّذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته. ثم بيّن ربّ الناس بملك الناس على أنه عطف بيان لأن الملك هو الذي يملك رقابهم وأمورهم باعتبار حال فنائهم فيه من قوله:**{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }** [غافر، الآية:16] فالملك بالحقيقة هو الواحد القهار الذي قهر كل شيء بظهوره ثم عطف عليه { إله الناس } لبيان حال بقائهم بعد الفناء لأن الإله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات باعتبار النهاية. استعاذ بجنابه المطلق ففني فيه فظهر كونه ملكاً ثم ردّه إلى الوجود لمقام العبودية فكان معبوداً دائماً فتم استعاذته به. { من شرّ الوسواس } لأن الوسوسة تقتضي محلاً وجودياً كما قال: { الذي يوسوس في صدور الناس } ولا وجود في حال الفناء فلا صدور ولا وسواس ولا موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجود الأنائية فقل: أعوذ بك منك، فلما صار معبوداً بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان أولاً موجوداً بوجوده. والوسواس اسم للوسوسة سمي به الموسوس لدوام وسوسته كأن نفسه وسواس، وإنما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما في السورة الأولى لأن الشيطان هو الذي يقابل الرحمن ويستولي على الصورة الجمعية الإنسانية ويظهر في صور جميع الأسماء ويتمثل بها إلا بالله، فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوّذ من الاحتجاب والضلالة تعوّذ بربّ الفلق وها هنا تعوّذ بربّ الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام: **" من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثّل بي "** الخناس، أي: الرجّاع لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة وكلما تنبه العبد وذكر الله خنس فالخنوس عادة له كالوسواس. عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربّه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل وسوس إليه. قوله: { من الجنة والناس } بيان للذي يوسوس، فإن الموسوس من الشيطان جنسان: جني غير محسوس كالوهم، وإنسي محسوس كالمضلين من أفراد الإنسان أما في صورة الهادي كقوله تعالى:**{ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ }** [الصافات، الآية:28] وأما في صورة غيره من صور الأسماء فلا يتم أيضاً الاستعاذة منه إلا بالله، والله العاصم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { من الجنة والناس } الجنة بالكسر جماعة الجن ومن بيان للذى يوسوس على انه ضربان جنى وانسى كما قال تعالى شياطين الانس والجن والموسوس اليه نوع واحد وهو الانس فكما ان شيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس اخرى فشيطان الانس يكون كذلك وذلك لانه يلقى الاباطيل ويرى نفسه فى صورة الناصح المشفق فان زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وان قبل السامع كلامه بالغ فيه قال فى الاسئلة المقحمة من دعا غيره الى الباطل فان تصوره فى قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه فاذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فان حقيقة الوسواس لا تختلف باختلاف الاشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية اى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن انهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفى الجنة اشارة الى القوى الباطنة المستجنة المستورة اذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفى الناس الى القوى الظاهرة اذ الناس من الايناس وهو الظهور كما قال آنست نارا وفى هذا المقام لطيفة بالغة وهى ان المستعاذ به فى السورة الاولى مذكور بصفة واحدة وهى انه رب الفلق والمستعاد منه ثلاثة انواع من الآفات وهى الغاسق والنفاثات والحاسد واما فى هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة اوصاف وهى الرب والملك والاله والمستعاذ منه آفة واحدة وهى الوسوسة ومن المعلوم ان المطلوب كلما كان اهم والرعية فيه اتم واكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه اكثر وأوفر والمطلوب فى السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفى هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا ان فى نظم السورتين الكريمتين تنبيها على ان سلامة الدين من وسوسة الشيطان وان كانت امرا واحدا الا انها اعظم مراد وأهم مطلوب وان سلامة البدن من تلك الآفات وان كانت امورا متعددة ليست بتلك المثابة فى الاهتمام وفى آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذى هو سبب الذنوب والمعاصى كلها وهو الشر الداخل فى الانسان الذى هو منشأ العقوبات فى الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذى هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الاول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لانه ليس من كسبه والشر الثانى يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهى وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اوى الى فراشه كل ليلة جمع كفية فنفث فيهما وقرأ قل هو الله احد وقل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه وما اقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات وفى قوت القلوب للشيخ ابى طالب المكى قدس سره وليجعل العبد مفتاح درسه ان يقول
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك رب ان يحضرون "** وليقرأ قل اعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق الله تعالى وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم انفعنا وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين واستغفر الله الحى القيوم. وفى اسئلة عبد الله بن سلام اخبرنى يا محمد ما ابتدآء القرءآن وما ختمه قال ابتدآؤه بسم الله الرحمن الرحيم وختمه صدق الله العظيم قال صدقت وفى خريدة العجائب يعنى ينبغى ان يقول القارئ ذلك عند الختم والا فختم القرءآن سورة الناس وفى الابتدآء بالباء والاختتام بالسين اشارة الى لفظ بس. يعنى حسب اى حسبك من الكونين ما اعطيناك بين الحرفين كما قال الحكيم سنانى رحمه الله
| **اول وآخر قرآن زجه باآمد وسين يعنى اندرره دين رهبرتو قرآن بس** | | |
| --- | --- | --- |
يقول الفقير ايده الله القدير ان الله تعالى انما بدأ القرءآن ببسم الله وختمه بالناس اشارة الى ان الانسان آخر المراتب الكونية كما ان الكلام آخر المراتب الآلهية وذلك لان ابتدآء المراتب الكونية هو العقل الاول وانتهاؤها الانسان ومجموعها عدد حروف التهجى واول المراتب الآلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان اول ما يظهر من المولود الحياة هو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لان الله تعالى خلق آدم على صورته فكان اول الكلام القرءآنى اسم الله لانه المبدأ الاول وآخره الناس لان الانس هو المظهر الآخر والمبتدئ يعرج تعلما الى ان ينتهى الى المبدأ الاول واسمه العالى والمنتهى ينزل تلاوة الى ان ينتهى الى ذكر الانس السافل وحقيقته أن الله تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الاول بلا بداية والآخر بلا نهاية روى عن ابن كثير رحمه الله انه كان اذا انتهى فى آخر الختمة الى قل اعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد لله رب العالمين وخمس آيات من اول سورة البقرة على عدد الكوفى وهوالى واولئك هم المفلحون لان هذا يسمى حال المرتحل ومعناه انه حل فى قرآءته آخر الختمة وارتحل الى ختمة اخرى ارغاما للشيطان وصار العمل على هذا فى امصار المسلمين فى قرآءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الامام احمد بن حنبل رحمه الله ان من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب ان يصل ختمه بقرآءة شئ وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن مشايخ العراق قرآءة سورة الاخلاص ثلاثا عند ختم القرءآن الا ان يكون الختم فى المكتوبة فلا يكررها وفى الحديث
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" من شهد خاتمة القرءآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرءآن كان كمن شهد فتحا فى سبيل الله تعالى "** وعن الامام البخارى رحمه الله انه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة واذا ختم الرجل القرءآن قبل الملك بين عينيه ومن شك فى غفرانه عند الختم فليس له غفران ونص الامام احد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما احب مستقبل القبلة رافعا يديه خاضعا لله موقنا بالاجابة ولا يتكلف السجع فى الدعاء بل يجتنبه ويثنى على الله تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلى على النبى عليه السلام ويمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء وعنه عليه السلام انه امر على بن ابى طالب رضى الله عنه ان يدعو عند ختم القرءآن بهذا الدعاء وهو **" اللهم انى اسألك اخبات المخبتين واخلاص الموقنين ومرافقة الابرار واستحقاق حقائق الايمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار "** وفى شرح الجزرى لابن المصنف ينبغى ان يلح فى الدعاء وان يدعو بالامور المهمة والكلمات الجامعة وان يكون معظم ذلك او كله فى امور الآخر وامور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة امورهم فى توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على اعداء الدين وسائر المخالفين وبما كان يقول النبى عليه السلام عند ختم القرءآن **" اللهم ارحمنى بالقرءآن العظيم واجعله لى اماما ونورا وهدى ورحمة اللهم ذكرنى منه ما نسيت وعلمنى منه ما جهلت وارزقنى تلاوته آناء الليل واطراف النهار واجعله حجة لى يا رب العالمين "** وكان ابو القاسم الشاطبى رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرءآن اللهم انا عبيدك وأبناء عبيدك وابناء امائك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او نزلته فى شئ من كتباك او استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرءآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء احزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا اليك والى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا ارحم الرحمين. يقول الفقير رافعا يديه الى الرب القدير اللهم انى اعوذ بمعافاتك من عقوبتك واعوذ برضاك من سخطك واعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك فقد انجزت لى ما وعدتنى انك لا تخلف الميعاد وجعلت رؤياى حقا واحسنت بى اذ أخرجتنى من سجن الهم وخاطبتنى عند ذلك بقولك سل تعط فجعلت منتهى سؤلى رضاك وبشرتنى بقبول خدمتى هذه حيث قلت فتقبلها ربها بقبول حسن وكنت ادعوك باتمام النعمة واكمال المنة فلم اكن بدعائك رب شقيا فأنعم على فيما بقى من عمرى القليل باضعاف ما عودتنى به قبل هذا من انواع آلآئك واصناف نعمائك واختم لى بخير وهدى ونور.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وبكل بر وسعادة وسرور وصل على نبيك النبيه الذى هو مفتاح الخيرات. ومصباح السائرين الى منازل القربات فى جنح الاوقات. وعلى آله واصحابه القاده. ومن تبعهم من السادة. وهذا وقد تم تحرير روح البيان. فى تفسير القرءآن. فى مدة الوحى تقريبا لما ان قسى الاقدار رمتنى الى اقاصى اقطار الارض. وايدى الاسفار النائية تداولتنى من طول الى عرض. حتى اقامنى الله مقام الاتمام. فجاء باذن الله التمام. يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور
| **سنة سبع عشرة ومائة ألف من هجرة من يرى من قدام وخلف وقلت فى تاريخه نظما ان من من جناب ذى المنن ختم تفسير الكتاب المستطاب قال فى تاريخه حقى الفقير حامدا لله قد تم الكتاب وقلت بحساب الحروف المنقوط وقع الختم بجود البارى** | | |
| --- | --- | --- |
وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | يقول الحق جلّ جلاله: { قل أعوذُ بربِّ الناس } مربّيهم ومُصلحهم، { مَلِكِ الناس } مالكهم ومدبر أمورهم. وهو عطف بيان جيء به لبيان أنَّ تربيته تعالى ليست بطريق تربية سائر المُلاك لِما تحت أيديهم من ممالكهم، بل بطريق المُلك الكامل، والتصرُّف التام، والسلطان القاهر. وكذا قوله تعالى: { إِلهِ الناس } فإنه لبيان أنَّ مُلكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم، والقيام بتدبير أمور سياستهم، والمتولِّي لترتيب مبادىء حِفظهم وحمايتهم، كما هو قصارى أمر الملوك، بل هو بطريق العبودية، المؤسَّسة على الألوهية، المقتضية للقدرة التامة على التصرُّف الكلي فيهم، إحياءً وإماتةً، وإيجاداً وإعداماً. وتخصيص الإضافة إلى الناس مع انتظام جميع العالَمين في سلك ربوبيته تعالى وملكوته وألوهيته للإرشاد إلى مناهج الاستعاذة المرضية عنده تعالى، الحقيقة بالإعاذة، فإنَّ توسل العبد بربه، وانتسابه إليه تعالى بالمربوبية والملكية والمعبودية، في ضمن جنس هو فرد من أفراده، من دواعي الرحمة والرأفة. أمره تعالى بذلك من دلائل الوعد الكريم بالإعاذة لا محالة، ولأنَّ المستعاذ منه شر الشيطان، المعروف بعداوتهم، مع التنصيص على انتظامه في سلك عبوديته تعالى وملكوته، رمز إلى إنجائهم من ملكة الشيطان وتسلُّطه عليهم، حسبما ينطق به قوله تعالى:**{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }** [الإسراء:65] فمَن جعل مدارَ تخصيص الإضافة مجرد كون الاستعاذة من المضار المختصة بالنفوس البشرية فقد قصر في توفية المقام حقه. وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير والتشريف. قاله أبو السعود. والآية من باب الترقِّي، وذلك أنَّ الرب قد يُطلق على كثير من الناس، فتقول: فلان رب الدار، وشبه ذلك، فبدأ به لاشتراك معناه وأمَّا المَلك فلا يُوصف به إلاَّ آحاد من الناس، وهم الملوك، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جيء به بعد الرب، وأمَّا الإله فهوأعلى من المَلك، ولذلك لا يَدَّعي الملوكُ أنهم آلهة، وإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير قاله ابن جزي. { من شَرَّ الوسواس } أي: الموسوس، فالوسواس مصدر، كالزلزال، بمعنى اسم الفاعل، أو سمي به الشيطان مبالغةً، كأنه نفس الوسوسة، و { الخناس } الذي عادته أن يخنس، أي: يتأخر عند ذكر الإنسان ربَّه، { الذي يُوَسْوِسُ في صدور الناس } إذا غفلوا عن ذكر الله، ولم يقل: في قلوب الناس لأنَّ الشيطان محله الصدور، ويمدّ منقاره إلى القلب، وأمّا القلب فهو بيت الرب، وهو محل الإيمان، فلا يتمكن منه كل التمكُّن، وإنما يحوم في الصدر حول القلب، فلو تمكّن منه لأفسد على الناس كلهم إيمانهم. قال ابن جزي: وسوسة الشيطان بأنواع كثيرة، منها: فساد الإيمان والتشكيك في العقائد، فإن لم يقدر على ذلك ثبّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل الرياء في الطاعات ليُحبطها، فإن سَلِمَ من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه، واستكثار عمله، ومن ذلك: أنه يُوقد في القلب نار الحسد والحقد والغضب، حتى يقود الإنسان إلى سوء الأعمال وأقبح الأحوال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء، وهي: الإكثار من ذكر الله والإكثار من الاستعاذة منه، ومن أنفع شيءٍ في ذلك: قراءة سورة الناس. هـ. قلت: لا يقلع الوسوسة من القلب بالكلية إلاّ صُحبة العارفين، أهل التربية، حتى يُدخلوه مقامَ الفناء، وإلاَّ فالخواطر لا تنقطع عن العبد. ثم بَيّن الموسوِس بقوله: { مِن الجِنة } أي: الجن { والناس } ووسواس النار أعظم لأنَّ وسواس الجن يذهب بالتعوُّذ، بخلاف وسوسة الناس، والمراد بوسوسة الناس: ما يُدخلون عليك من الشُبه في الدين وخوض في الباطن، أو سوء اعتقاد في الناس، أو غير ذلك. قال ابن جزي: فإن قلت: لِمَ ختم القرآن بالمعوذتين، وما الحكمة في ذلك؟ فالجواب من ثلاثة أوجه، الأول: قال شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لمَّا كان القرأنُ من أعظم نِعم الله على عباده، والنعمة مظنة الحسد، ختم بما يُطفىء الحسد، من الاستعاذة بالله. الثاني: يَظهر لي أنَّ المعوذتين ختم بهما لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما: **" أنزلت علي آيات لم يُر مثلهن قط "** كما قال في فاتحة الكتاب: **" لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها "** فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها، واختتم بسورتين لم يرَ مثلهما للجمع بين حسن الافتتاح والاختتام. ألا ترى أن الخُطب والرسائل والقصائد، وغير ذلك من أنواع الكلام، يُنظر فيها إلى حسن افتتاحها واختتامها. والوجه الثالث: أنه لمّا أمر القارىء أن يفتح قراءته بالتعوُّذ من الشيطان الرجيم، ختم القرآن بالمعوذتين ليحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة وعند آخر ما يقرأ من القرآن، فتكون الاستعاذة قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء، فيكون القارىء محفوظاً بحفظ الله، الذي استعاذ به مِن أول أمره إلى آخره. هـ. الإشارة: لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتيه، حتى يمتلىء القلب بالله فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر:
| **إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي** | | |
| --- | --- | --- |
وبالله التوفيق. وهو الهادي إلى سواء الطريق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلّم تسليماً. كَمِل " البحر المديد في تفسير القرآن المجيد " بحول الله وقوته. نسأل الله سبحانه أن يكسوه جلباب القبول ويُبلغ به كل مَن طالعه أو حصّله القصدَ والمأمول، بجاه سيد الأولين والآخرين، سيدنا ومولانا محمد، خاتم النبيين وإمام المرسلين. وعُمْدَتنا فيه: تفسير البيضاوي وأبي السعود، وحاشية شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي، وشيء من تفسير ابن جزي والثعلبي والقشيري. وكان الفراغ من تبييضه زوال يوم الأحد، سادس ربيع النبوي، عام واحد وعشرين ومائتين وألف، على يد جامعه العبد الضعيف، الفقير إلى مولاه أحمد بن محمد بن عجيبة الحَسَنِي، لطف الله به في الدارين. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) | أخبر أنه من الجن والإِنس فقال عز وجل: { من الجنة والناس } يريد من الجن والإِنس، حدثنا علي عن الحسين عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي قال: قالت لأبي جعفر عليه السلام: إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف فقال عليه السلام: كان أبي يقول إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهما من القرآن.
وعنه عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي: يا علي القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي عليه السلام فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه في بيته وقال: لا أرتدي حتى أجمعه فانه كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه، قال: وقال رسول الله: لو أن الناس قرأوا القرآن كما أنزل الله ما اختلف اثنان، حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم قال: حدثنا محمد بن علي القرشي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن إلا وصي محمد صلى الله عليه وآله، حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة عن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنة ويزجر عن النار وفيه محكم ومتشابه فأما المحكم فيؤمن به ويعمل به (ويدبر به ك) وأما المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به وهو قول الله: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وآل محمد عليهم السلام الراسخون في العلم.
حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن تبيان كل شيء حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج العباد إليه إلا بينه للناس حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا نزل في القرآن إلا وقد أنزل الله تبارك وتعالى فيه (تم الكتاب).
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | كان الكسائي فى رواية أبي عمير يميل { الناس } لكسرة السين، وهو حسن الباقون يتركون الامالة، وهو الأصل.
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ويدخل فيه المكلفون، يأمرهم أن يستعيذوا { برب الناس } وخالقهم الذي هو { ملك الناس } ومدبرهم وإلههم { من شر الوسواس } وأن يقولوا هذا القول الذي هو { أعوذ برب الناس... } إلى آخرها و { رب الناس } هو الذي خلقهم ودبرهم على حسب ما اقتضته الحكمة وقوله { ملك الناس } إنما خص بأنه ملك الناس مع أنه ملك الخلق أجمعين لبيان أن مدبر جميع الناس قادر أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتعظيم من ملوك الناس.
والفرق بين { ملك } و { مالك } حتى جازا جميعا فى فاتحة الكتاب ولم يجز - ها هنا - إلا ملك، لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير، وليس كذلك مالك، لأنه يجوز أن يقال: مالك الثوب، ولا يجوز ملك الثوب، ويجوز أن يقال: ملك الروم، ولا يجوز مالك الروم، فجرت - في فاتحة الكتاب - على معنى الملك فى يوم الجزاء، ومالك الجزاء، وجرت فى سورة الناس على { ملك } تدبير من يعقل التدبير، فكأن هذا أحسن وأولى.
وقوله { إله الناس } معناه أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه، لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره { من شر الوسواس } حديث النفس بما هو كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الاعشى:
| **تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت** | | **كما استعان بريح عشرق زجل** |
| --- | --- | --- |
وقال روبة:
| **وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق** | | **سراً وقد أوّن تأوين العقق** |
| --- | --- | --- |
والوسوسة كالهمهمة ومنه قولهم: فلان موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة لما يعتريه من المرة. وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة وتوسوس توسوساً. وفى معنى قوله { من شر الوسواس } ثلاثة أقوال:
احدها - من شر الوسوسة التي تكون من الجنة والناس، فأمر بالتعوذ من شر الجن والانس.
الثاني - من شر ذي الوسواس وهو الشيطان، كما قال في الاثر: انه يوسوس فاذا ذكر العبد ربه خنس، فيكون قوله { من الجنة والناس } بيان انه منهم، كما قال**{ إلا ابليس كان من الجن }** فأما { والناس } فعطف عليه كأنه قيل من الشيطان الذي هذه صفته والناس الذين هذه صفتهم. الثالث - من شر ذي الوسواس الخناس على العموم، ثم يفسر بقوله - عز وجل - من { الجنة والناس } كما يقال: نعوذ بالله من كل مارد: من الجن والانس وقوله { الخناس } معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور، خنس يخنس خنوساً، ومنه قوله**{ فلا أقسم بالخنس }** أي بالنجوم التي تخفى بعدما تظهر بتصريف الحكيم الذي أجراها على حق حسن التدبير، ومنه الخنس في الانف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتوئه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قال مجاهد: إذا ذكر العبد ربه خنس، فاذا غفل وسوس اليه وقوله { الذي يوسوس في صدور الناس } قيل: ان الشيطان يعتري الانسان بكلام خفي بفعله يصل مفهومه إلى قلبه من غير سماع صوته، كانسان يتكلم من وراء حجاب بكلام يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع الصوت، وهذه حالة معقولة تقع عليها الوسوسة وأما الانسان فانما يوسوس غيره بأن يدعوه إلى الفساد ويحسن ذلك ويغويه به ويسوفه التوبة ويمنيه العفو. وقوله { من الجنة والناس } بيان لمن يكون منه الوسوسة وقد بين الله تعالى أنه يكون من قبيل الجن ومن قبيل الانس. والناس أصله من الاناس، فحذفت الهمزة التي هي فاء ويدل على ذلك الانس والاناس. واما في تحقيره نويس، فان الالف لما كانت ثانية زائدة اشبهت الف فاعل فلما قلبت واواً شبهة بألف فاعل كذلك جازت الامالة في المواضع التي اميل الاسم فيها لذلك، ومن سأل عن قوله { قل أعوذ برب. وقل يا أيها الكافرون. وسبح اسم ربك } وما اشبه ذلك من الاوامر المتوجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: كيف جاز من النبي صلى الله عليه وآله أن يقول: قل للأمة؟ ولو جاز ذلك لجاز أن يقول الانسان لغلامه قل لزيد كذا فيقول غلامه لزيد: قل كذا. وهذا خلاف الغرض.
قلنا عنه جوابان:
احدهما - ان الامر وإن كان متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد به أمته معه، فكانه خاطب الجميع بان يقولوا ذلك وأن يسبحوا وغير ذلك، فلا سؤال على هذا.
والثاني - ان الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وآله بأن يفعل الذي أمره وامره أيضاً بتلاوة كلامه، فلما كان قوله { قل، وسبح } من كلام الله وجب عليه أن يتلوه على وجهه ولو كان مأموراً بالفعل دون التلاوة لما وجب أن يأتي بلفظة { قل } في هذه المواضع كلها وجميع أي القرآن في البصري ست آلاف ومئتان وأربع آيات.
وفي المدني الاول ست آلاف ومئتان وسبع عشرة آية.
وفي الكوفي ست آلاف ومئتان وست وثلاثون آية.
وفي المدني الاخير ست آلاف ومئتان واربع عشرة آية.
وجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة لا خلاف في ذلك.
وبالمدينة تسع وعشرون سورة لا خلاف في ذلك.
فذلك مئة وأربع عشرة سورة.
وعلى ما رويناه على أصحابنا وعن جماعة متقدمين مئة واثنتا عشرة سورة.
وعدد جميع كلمات القرآن تسع وسبعون ألفاً ومئتان وسبع وسبعون كلمة. ويقال سبع وثمانون كلمة. ويقال تسع وثلاثون كلمة.
وجميع حروفه ثلثمائة الف حرف وثلاثة وعشرون الفاً وخمسة عشر الفاً.
وعدد نقطه مئة الف وست وخمسون الفاً وإحدي وثمانون نقطة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }.
{ (2) مَلِكِ النَّاسِ }.
{ (3) إِلَهِ النَّاسِ }.
{ (4) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ } يعني الموسوس عبّر عنه بالوسواس مبالغة { الْخَنَّاسِ } الذي عادته ان يخنس اي يتأخّر اذا ذكر الانسان ربّه القمّي الخنّاس اسم الشيطان.
{ (5) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } اذا غفلوا عن ذكر ربّهم.
{ (6) مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ } بيان للوسواس.
في الكافي والعيّاشي عن الصادق عليه السلام قال ما من مؤمن الاّ ولقلبه اذنان في جوفه اذن ينفث الوسواس الخنّاس واذن ينفث فيها الملك فيؤيّد الله المؤمن بالملك فذلك قوله وايّدهم بروح منه والقمّي عنه عليه السلام ما من قلب الاّ وله اذنان على احدهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن هذا يأمره وذلك يزجره كذلك من النّاس شيطان يحمل النّاس على المعاصي كما حمل الشيطان من الجنّ وقد مضى تفسير شياطين الانس في سورة الانعام وسبق سبب نزول السورة وثواب تلاوتها في تفسير اختها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } من تبعيضيّته او بيانيّة، والظّرف حال من الوسواس على ان يكون الوسواس بمعنى الموسوس، او ابتدائية والظّرف ايضاً حال على ان يكون بمعنى المصدر، او ابتدائيّة والظّرف متعلّق بيوسوس اى يوسوس من جهة الجنّة والنّاس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) | قال: حدثنا أبو الخير المقداد بن علي الحجازي المدني قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان العلوي الحسني قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني [ب: ثنا] جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي قال: حدثنا محمد بن مروان! عن الكلبي عن أبي صالح:
عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى { قل أعوذ برب الناس } يقول: يا محمد قل أعوذ برب الناس (يعني بخالق) [ر، أ: فخالق] الناس { ملك الناس إله الناس } لا شريك له ومعه { من شر الوسواس } يعني الشيطان { الخناس } يقول: يوسوس على قلب ابن آدم فإذا ذكر [أ: ركن] ابن آدم الله [أ: لله] خنس من [أ: في] قلبه فذهب ثم قال { الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس } يدخلون في صور الجن فيوسوسون [أ، ر: فيوسوس] على قلبه كما يوسوس على قلب ابن آدم ويدخل من الجني كما يدخل من الإنسي وهاتان السورتان نزلتا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سحر وأمر أن يتعوذ بهما. صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله النبي الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين ولآلاء ربنا حامدين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خير خلقه وآله وآهل بيته وعترته وذريته أجمعين
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | { قل } يا محمد امتنع واعتصم { برب الناس } خالقهم ومدبرهم { ملك الناس اله الناس } ، قيل: الذي تحق له العبادة، وقيل المدبر للخلق على وجه الحكمة { من شر الوسواس } وهو الشيطان كما جاء في الخبر أنه يوسوس فإذا ذكر العبد ربه خنس، وقيل: الوسواس بكثرة الوسوسة عن أبي علي وهو من الجنة، والناس الذي يوسوس فاذا ذكر الله خنس أي هرب واختفى، وقيل: الشيطان صياد حاذق والدنيا له والمكلف صيد عاقل، فمن اجتهد نجا من الهلكة والاسقام والا وقع في الشبكة فهذا وصفه بالخناس مبالغة في الزجر والتحذير، وقوله: { الذي يوسوس في صدور الناس } أي يدعوهم الى المعاصي { من الجنّة والناس } يعني الوسواس يكون من الجنة والناس قال جار الله: في قوله تعالى: { من الجنة والناس } بيان الذي يوسوس على أن الشيطان ضربان جني وانسي كما قال تعالى:**{ الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا }** [الأنعام: 112] وتدل الآية على ان التحذير من شياطين الجن والانس واجب لكن من الجن يجب أن يكون أشد لأنه لا يرى، وكذلك اليهود في أمر الدين والدنيا، ومن الفريقين الجن والانس، قيل: حد فيه رؤساء الضلال وعلماء السوء وأهل البدع إذ لا ضرر أعظم من ضررهم، ومتى قيل: كيف يوسوس الجن في الصدر؟ قلنا: يكلمه بكلام خفي حتى يصل الى قلبه، وقيل: له إلَهٌ وطريق الى توصل الكلام الى قلبه، فأما من يقول يدخل القلب إذ له خرطوم فبعيد، وروي من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من سورة الحشر وكّل الله به سبعون ألف ملك يصلّون عليه حتى يمسي، فإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي فذلك، وفيه من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتى يرتحل منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة الناس، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } ذكر بعضهم قال: إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس.
قال تعالى: { الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ }. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به رجل ومعه امرأة من نسائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يا فلان، هذه فلانة. فقال الرجل: يا رسول الله، أفأظن بك هذا؟ أو كما قال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".** قوله عز وجل: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } أي: من شر شياطين الجن والإِنس. ذكروا أن أبا ذر قام إلى الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يا أبا ذر، تعوّذ من شياطين الجن والإِنس. فقال أبو ذر: يا رسول الله، أو للإِنس شياطين كشياطين الجن؟ قال: نعم "** قال بعضهم: بلغنا أن الشياطين توسوس إلى الجن من غير الشياطين كما توسوس إلى الناس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ } بيان للوسواس أي من شر الوسواس وهو الجن والإنس أو بيان للذي أو متعلق بيوسوس أي من جهة الجن والإنس أو للناس في قوله في صدور الناس على أن المراد بالناس فيه ما يعم الجن والإنس كما يعمهم النفر والرجل والقوم وهو ضعيف لا يناسب فصاحة القرآن والجنة الجن سموا لاجتنابهم أي استئتارهم وسمي الناس ناسا لظورهم من إنس بمعنى أبصر وعلى البيان للوسواس فالمراد أن الناس يوسوسون كالشياطين الى الشر وقام أبو ذر رضي الله عنه إلى الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الجن والإنس فقال أو للإنس شياطين كشياطين الجن قال نعم كما قال الله عز وجل { شياطين الإنس والجن } وقال أبو ذر لرجل هل تعوذت بالله من شياطين الإنس ويجوز أن يراد بالناس في قوله { في صدور الناس } اسم فاعل نسي حذفت الياء كحذفها في بعض القراءات من الداعي في قوله يوم يدع الداعي والمراد به الجنس فيكون من الجنة والناس بيانا أو تبعيضا له فإن نسيان حقوق الله يعم الجنة والناس فهو يوسوس في صدور الناسبين لها. وعن بعضهم وسواس من الجن ووسواس من نفسك فعلى البيانية للناس بمعنى الإنس والجن أو الناسبين فقد قال بعضهم أن الشيطان يوسوس الجن كما يوسوس الإنس. وعنه صلى الله عليه وسلم **" لا حسد إلا في إثنين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به أثناء الليل وأطراف النهار ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه أثناء الليل وأطراف النهار "** والمراد بهذا الحسد الاغتياط. **" وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلي فقال الحال المرتحل "** وهو الذي يضرب من أول القرآن إلى أخره كلما حل ارتحل رواه الترمذي. اللّهم ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبركة السورة أخز النصارى وأهنهم واكسر شوكتهم وغلب المسلمين والموحدين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | يتعلق بمحدوف حال من الوسواس أو من المستتر فيه، ومن للتبعيض فالوسواس يعم من وسوس من الجن ومن يوسوس من الإنس، فكأنه قيل من الوسواس الذى هو من الجن والذى هو من الإنس، وأجيز أن يتعلق بيوسوس على أنه من للابتداءِ أى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن بأَن الجن يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس بأَن المنجم أو الكاهن يعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلاَّ الله، وقيل من للبيان من الناس أى فى صدور الناس الذين هم الجن والإنس وهو ضعيف إذ هو بصورة تقسيم الشىءِ إلى نفسه وإلى غيره وذلك جعل قسم الشىءِ قسيماً لشىءِ وإطلاق الناس على الجن قليل كما ورد فى بعض الأخبار ناس من الجن قال بعض العرب لجن من أنتم قالوا ناس من الجن، الله لا إله إلاَّ هو الحى القيوم ذو الجلال والإكرام يا رب اكف عنا شر الدنيا والآخرة واغننا بخير الدنيا والدين والآخرة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | بيان للذي يوسوس، على أنه ضربان جني وإنسي كما قال تعالى:**{ شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ }** [الأنعام: 112] أو متعلق بيوسوس و(مِن) لابتداء الغاية أي يوسوس في صدورهم من جهة الجن مثل أن يلقي في قلب المرء من جهتهم أنهم ينفعون ويضرون ومن جهة الناس مثل أن يلقي في قلبه من جهة المنجمين والكهان أنهم يعلمون الغيب وجوز فيه الحالية من ضمير { يُوَسْوِسُ } والبدلية من قوله تعالى:**{ مِن شَرِّ }** [الناس: 4] بإعادة الجار وتقدير المضاف والبدلية من { ٱلْوَسْوَاسِ } على أن { من } تبعيضية.
وقال الفراء وجماعة هو بيان للناس بناء على أنه يطلق على الجن أيضاً فيقال كما نقل عن الكلبـي ناس من الجن كما يقال نفر ورجال منهم وفيه أن المعروف عند الناس خلافه مع ما في ذلك من شبه جعل قسم الشيء قسيماً له ومثله لا يناسب بلاغة القرآن وإن سلم صحته وتعقب أيضاً بأنه يلزم عليه القول بأن الشيطان يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الإنس ولم يقم دليل عليه ولا يجوز جعل الآية دليلاً لما لا يخفى.
وأقرب منه على ما قيل أن يراد بالناس الناسي بالياء مثله في قراءة بعضهم**{ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ }** [البقرة: 199] بالكسر ويجعل سقوط الياء كسقوطها في قوله تعالى:**{ يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ }** [القمر: 6] ثم يبين بالجنة والناس فإن كان كل فرد من أفراد الفريقين مبتلى بنسيان حق الله تعالى إلا من تداركه شوافع عصمته وتناوله واسع رحمته جعلنا الله ممن نال من عصمته الحظ الأوفى وكال له مولاه من رحمته فأوفى.
ثم إنه قيل أن حروف هذه السورة غير المكرر اثنان وعشرون حرفاً وكذا حروف الفاتحة وذلك بعدد السنين التي أنزل فيها القرآن فليراجع وبعد أن يوجد الأمر كما ذكر لا يخفى أن كون سني النزول اثنتين وعشرين سنة قول لبعضهم والمشهور أنها ثلاث وعشرون اهـ ومثل هذا الرمز ما قيل إن أول حروفه الباء وآخرها السين فكأنه قيل بس أي حسب ففيه إشارة إلى أنه كاف عما سواه ورمز إلى قوله تعالى:**{ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ }** [الأنعام: 38] وقد نظم ذلك بعض الفرس فقال:
| **/ أول وآخر قرآن زجه با آمد وسين** | | **يعني اندرد وجهان رهبر ما قرآن بس** |
| --- | --- | --- |
ومثله من الرموز كثير لكن قيل لا ينبغي أن يقال إنه مراد الله عز وجل. نعم قد أرشد عز وجل في هذه السورة إلى الاستعانة به، تعالى شأنه كما أرشد جل وعلا إليها في الفاتحة بل لا يبعد أن يكون مراده تعالى على القول بأن ترتيب السور بوحيه سبحانه من ختم كتابه الكريم بالاستعاذة به تعالى من شر الوسواس الإشارة كما في الفاتحة إلى جلالة شأن التقوى والرمز إلى أنها ملاك الأمر كله وبها يحصل حسن الخاتمة فسبحانه مِنْ مَلِك جليل ما أجل كلمته ولله در التنزيل ما أحسن فاتحته وخاتمته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | شابهت فاتحتها فاتحة سورة الفلق إلا أن سورة الفلق تعوُّذ من شرور المخلوقات من حيوان وناس، وسورة الناس تعوّذ من شرور مخلوقات خفيّة وهي الشياطين. والقول في الأمر بالقول، وفي المقول، وفي أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمقصود شموله أمته، كالقول في نظيره من سورة الفلق سواء. وعُرِّف { رب } بإضافته إلى { الناس } دون غيرهم من المربوبين لأن الاستعاذة من شر يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيَضِلُّون ويُضلون، فالشر المستعاذ منه مصبه إلى الناس، فناسب أن يُستحضر المستعاذُ إليه بعنوان أنه رب من يُلْقون الشر ومن يُلْقَى إليهم ليصرف هؤلاء ويدفع عن الآخرين كما يقال لمَولى العبد يا مولَى فلان كُف عني عبدك. وقد رتبت أوصاف الله بالنسبة إلى الناس ترتيباً مدرَّجاً فإن الله خالقهم، ثم هم غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف في شؤونهم، ثم زيد بياناً بوصف إلٰهيته لهم ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم ليست كربوبية بعضهم بعضاً وحاكمية بعضهم في بعض. وفي هذا الترتيب إشعار أيضاً بمراتب النظر في معرفة الله تعالى فإن الناظر يعلم بادىء ذي بدء بأن له رباً يسبب ما يشعُر به من وجود نفسه، ونعمة تركيبه، ثم يتغلغل في النظر فيَشعر بأن ربه هو المَلِكُ الحقُّ الغني عن الخلق، ثم يعلم أنه المستحق للعبادة فهو إلٰه الناس كلهم. و { ملك الناس } عطف بيان من { رب الناس } وكذلك { إله الناس } فتكرير لفظ { الناس } دون اكتفاء بضميره لأن عطف البيان يقتضي الإِظهار ليكون الاسم المبيِّن بكسر الياء مستقلاً بنفسه لأن عطف البيان بمنزلة علَم للاسم المبيَّن بالفتح. و { الناس } اسم جمع للبشر جميعهم أو طائفة منهم ولا يطلق على غيرهم على التحقيق. و { الوسواس } المتكلم بالوسوسة، وهي الكلام الخفيّ، قال رُؤبة يصف صائداً في قُتْرتِه
| **وَسْوَسَ يَدْعُو مُخلصاً ربَّ الفَلَقْ** | | |
| --- | --- | --- |
فالوسواس اسم فاعل ويطلق الوسواس بفتح الواو مجازاً على ما يخطر بنفس المرء من الخواطر التي يتوهمها مثل كلام يكلم به نفسه قال عُروة بن أذينة
| **وإذا وجَدْت لها وسَاوِسَ سَلوَةٍ شفَع الفؤادُ إلى الضمير فسَلَّها** | | |
| --- | --- | --- |
والتعريف في { الوسواس } تعريف الجنس وإطلاق { الوسواس } على معنييه المجازي والحقيقي يشمل الشياطين التي تلقي في أنفُس الناس الخواطر الشريرة، قال تعالى**{ فوسوس إليه الشيطان }** طه 120، ويشمل الوسواسُ كل من يتكلم كلاماً خفياً من الناس وهم أصحاب المكائد والمؤامرات المقصود منها إلحاق الأذى من اغتيال نفوس أو سرقة أموال أو إغراءٍ بالضلال والإِعراض عن الهدى، لأن شأن مذاكرة هؤلاء بعضهم مع بعض أن تكون سِراً لئلا يطلع عليها من يريدون الإِيقاعَ به، وهم الذين يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الدوائر ويغرون الناس بأذِيَّتِهِ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
و { الخناس } الشديد الخنْس والكثيرُه. والمراد أنه صار عادة له. والخنس والخنوس الاختفاء. والشيطان يلقب بــــ { الخناس } لأنه يتصل بعقل الإِنسان وعزمه من غير شعور منه فكأنَّه خنس فيه، وأهل المكر والكيد والتختل خنّاسون لأنهم يتحينون غفلات الناس ويتسترون بأنواع الحيل لكيلا يشعر الناس بهم. فالتعريف في { الخناس } على وزانِ تعريف موصوفه، ولأن خواطر الشر يهم بها صاحبها فيطرق ويتردد ويخاف تبعاتها وتزجره النفس اللّوامة، أو يزَعه وازع الدين أو الحياء أو خوف العقاب عند الله أو عند الناس ثم تعاوده حتى يطمئن لها ويرتاض بها فيصمم على فعلها فيقترفها، فكأنَّ الشيطان يبدو له ثم يختفي، ثم يبدو ثم يختفي حتى يتمكن من تدليته بغرور. ووُصِفَ { الوسواس الخناس } بــــ { الذي يوسوس في صدور الناس } لتقريب تصوير الوسوسة كي يتقيها المرء إذا اعترته لخفائها، وذلك بأن بُيِّنَ أنَّ مكان إلقاء الوسوسة هو صدور الناس وبواطنهم فعبّر بها عن الإِحساس النفسي كما قال تعالى**{ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }** الحج 46 وقال تعالى**{ إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه }** غافر 56. وقال النبي صلى الله عليه وسلم **" الإثم ما حاك في الصدر وتردَّد في القلب "** ، فغاية الوسواس من وسوسته بثّها في نفس المغرور والمشبوكِ في فخّه، فوسوسة الشياطين اتصالاتُ جاذبيه النفوس نحو دَاعية الشياطين. وقد قرَّبها النبي صلى الله عليه وسلم في آثار كثيرة بأنواع من التقريب منها «أنها كالخراطيم يمدها الشيطان إلى قلب الإِنسان» وشبهها مرة بالنفث، ومرة بالإِبْسَاس. وفي الحديث **" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما "** وإطلاق فعل { يوسوس } على هذا العمل الشيطاني مجاز إذ ليس للشيطان كلام في باطن الإِنسان. وأما إطلاقه على تسويل الإِنسان لغيره عملَ السوء فهو حقيقة. وتعلّق المجرور من قوله { في صدور الناس } بفعل { يوسوس } بالنسبة لوسوسة الشيطان تعلق حقيقي، وأما بالنسبة لوسوسة الناس فهو مجاز عقلي لأن وسوسة الناس سبب لوقوع أثرها في الصدور فكان في كلِّ من فعل { يوسوس } ومتعلِّقه استعمال اللفظين في الحقيقة والمجاز. و { مِن } في قوله { من الجنة والناس } بيانية بينَتْ { الذي يوسوس في صدور الناس } بأنه جنس ينحلّ باعتبار إرادة حقيقته، ومجازه إلى صنفين صنف من الجنّة وهو أصله، وصنف من الناس وما هو إلا تبع وولي للصنف الأول، وجمَع الله هذين الصنفين في قوله**{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً }** الأنعام 112. ووجه الحاجة إلى هذا البيان خفاءُ ما ينجرّ من وسوسة نوع الإِنسان، لأن الأمم اعتادوا أن يحذرهم المصلحون من وسوسة الشيطان، وربما لا يخطر بالبال أن من الوسواس ما هو شر من وسواس الشياطين، وهو وسوسة أهل نوعهم وهو أشد خطراً وهم بالتعوذ منهم أجدر، لأنهم منهم أقرب وهو عليهم أخطر، وأنهم في وسائل الضر أدخل وأقدر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ولا يستقيم أن يكون { من } بياناً للناس إذ لا يطلق اسم { الناس } على ما يشمل الجن ومن زعم ذلك فقد أبْعَدَ. وقُدم { الجنة } على { الناس } هنا لأنهم أصل الوسواس كما علمت بخلاف تقديم الإنس على الجن في قوله تعالى**{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن }** الأنعام 112 لأن خُبثاء الناس أشد مُخالطة للأنبياء من الشياطين، لأن الله عصم أنبياءه من تسلط الشياطين على نفوسهم قال تعالى**{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين }** الحجر 42 فإن الله أراد إبلاغ وحيه لأنبيائه فزكّى نفوسهم من خبث وسوسة الشياطين، ولم يعصمهم من لحاق ضر الناس بهم والكيد لهم لضعف خطره، قال تعالى**{ وإذْ يمكر بك الذين كفروا ليُثبِتُوك أو يقتلوك أو يُخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }** الأنفال 30 ولكنه ضمن لرسله النجاة من كل ما يقطع إبلاغ الرسالة إلى أن يتم مراد الله. والجنة اسم جمع جني بياء النسب إلى نوع الجن، فالجني الواحد من نوع الجن كما يقال إنسيّ للواحد من الإِنس. وتكرير كلمة { الناس } في هذه الآيات المرتين الأوليين باعتبار معنى واحد إظهارٌ في مقام الإِضمار لقصد تأكيد ربوبية الله تعالى ومِلكه وإلٰهيته للناس كلهم كقوله تعالى**{ يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب }** آل عمران 78. وأما تكريره المرة الثالثة بقوله { في صدور الناس } فهو إظهار لأجل بُعد المعاد. وأما تكريره المرة الرابعة بقوله { من الجنة والناس } فلأنه بيان لأحد صنفي الذي يوسوس في صدور الناس، وذلك غير ما صَدْق كلمة { الناس } في المرّات السابقة. والله يكفينا شر الفريقين، وينفعنا بصالح الثقلين. تم تفسير «سورة الناس» وبه تم تفسير القرآن العظيم. يقول محمد الطاهر ابن عاشور قد وفيتُ بما نويت، وحقق الله ما ارتجيتُ فجئتُ بما سمح به الجُهد من بيان معاني القرآن ودقائق نظامه وخصائص بلاغته، مما اقتَبس الذهنُ من أقوال الأيمة، واقتدح من زَنْد لإِنارة الفكر وإلهاب الهمّة، وقد جئتُ بما أرجو أن أكون وُفِّقْتُ فيه للإِبانة عن حقائقَ مغفولٍ عنها، ودقائق ربما جَلَتْ وجوهاً ولم تَجْلُ كُنْهاً، فإن هذا مَنَال لا يبلغ العقلُ البشري إلى تمامه، ومن رام ذلك فقد رام والجوزاءُ دون مَرامِهْ. وإن كلام رب الناس، حقيق بأن يُخدم سَعياً على الرأس، وما أدَّى هذا الحقَّ إلاّ قلَم المفسر يسعَى على القرطاس، وإن قلمي طالما استَنَّ بشوط فسيح، وكم زُجر عند الكَلاَلِ والإِعْيَاءِ زَجْر المَنيح، وإذ قد أتى على التمام فقد حَقَّ له أن يستريح.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ النَّاسِ | Meccan | ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ | * تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) | اختلف في الظرف هنا، هل هو ظرف للوسواس حينما يوسوس، فيكون موجوداً في الصدور، ويوسوس للقلب، أو هو ظرف للوسوسة. ويكون المراد بالصدور القلوب، لكونها حالة في الصدور من باب إطلاق المحل، وإرادة الحال على ما هو جار في الأساليب البلاغية.
وعلى حد قوله تعالى:**{ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }** [العلق: 17]، أطلق النادي، وأراد من يحل فيه من القوم.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث تعدية الوسوسة تارة بإلى وتارة باللام، ففي سورة الأعراف**{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ }** [الأعراف: 20]، وفي طه:**{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ }** [طه: 120].
وحاصل ما ذكره في الجمع بينهما أحد أمرين: إما أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، وذكر شواهده، وإما أن يكون وسوس له، أي لأجله ووسوس إليه أي أنهى إليه الوسوسة، ولكن هنا قال: { فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ، ولم يقل: إلى صدور الناس، فهل هو من باب نيابة حروف الجر بعضها عن بعض أيضاً؟ أم هي ظرف محض؟
والظاهر أنها ظرف، ولكن هل هو الظرف للوسواس، أو ظرف للوسوسة نفسها؟
وبالنظر إلى كلام المفسرين، فإن كلام ابن جرير يحتمل اعتبار المعنيين بدون تعيين.
وأما القرطبي، والألوسي، فصرحا بما ظهر لهما ووصلا إليه.
فقال القرطبي: قال مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير يجري من مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وذكر الحديث **" إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه ".** وقال: إن أبا ثعلبة الخشني قال: سألت ربي أن يريني الشيطان، ومكانه من ابن آدم، فرأيته يداه في يديه ورجلاه في رجليه ومشاعيه في جسده، غير أن له خطماً كخطم الكلب؟ فإذا ذكر الله خنس، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه.
أما الألوسي فقد صرح بالتقسيم الذي أوردناه، فقال: الذي يوسوس في صدور الناس.
قيل: أريد قلوبهم مجازاً.
وقال بعضهم:إن الشيطان يدخل الصدر الذي هو بمنزلة الدهليز، فيلقي منه ما يريد إلقاءه إلى القلب ويوصله إليه، ولا مانع عقلاً من دخوله في جوف إنسان. وساق الحديث أيضاً **" إن الشيطان يجري "** إلى آخره.
ومراده بالمجاز ما قدمنا من إطلاق المحل وإرادة الحال.
وذكر ابن كثير عن ابن عباس ومجاهد أن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس.
والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن الصدر ظرف للوسواس، وأنه يوقع الوسوسة في القلب. على ما قاله ابن عباس ومجاهد رحمهم الله.
وفي لفظ الناس هنا المضاف إليه الصدور: اختلاف في المراد منه، فقيل: الإنس الظاهر الاستعمال.
وقيل: الثقلان: الإنس والجن.
وإن إطلاق الناس على الجن مسموع، كما حكاه القرطبي. قال عن بعض العرب:
إنه كان يحدث فجاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم: فقالوا: ناس من الجن، وهذا معنى قول الفراء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
واستدل صاحب هذا القول بطريق القياس باستعمال لفظي رجال ونفر في قوله تعالى:**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]، وقوله:**{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الأحقاف: 29].
وعليه يكون الوسواس المستعاذ منه يوسوس في صدور الجن والإنس.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوجه: ولكنه رده وضعفه، لأن لفظ الناس أظهر وأشهر في الإنس، وهو المعروف في استعمال القرآن، ولأنه على هذا يكون قسم الشيء قسماً منه، لأنه يجعل الناس قسيم الجن، ويجعل الجن نوعاً من الناس اهـ. ملخصاً.
وعلى كل، فإن منهج الأضواء أن ما كان محتملاً وكان أكثر استعمالات القرآن لأحد الاحتمالين، فإن كثرة استعماله إياه مرجحاً، وجميع استعمالات القرآن للفظ الناس إنما هو في خصوص الإنس فقط، ولم تستعمل ولا مرة واحدة في حق الجن مع مراعاة استعمالها في هذه السورة وحدها خمس مرات، حتى سميت سورة الناس.
أما القياس على لفظتي رجل ونفر، فقد رده شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً بأنهما وردا مقيدين رجال من الجن، نفراً من الجن.
أما على الإطلاق فلم يردا، وهكذا لفظ الناس فلا مانع من استعماله مقيداً ناس من الجن. أما على الإطلاق فلا.
وعليه، فحيث ورد لفظ الناس هنا مطلقاً فلا يصح حمله على الجن والإنس معاً، بل يكون خاصاً بالإنس فقط، ويكون في صدور الناس أي في صدور الإنس.
وقد ذكر أبو السعود معنى آخر في لفظ الناس: وهو أن الناسي عن النسيان، حذفت الياء تخفيفاً لأن الوسواس لا يوسوس إلا في حين النسيان والغفلة.
وعليه، يكون حذف الياء كحذفها من الداع في قوله:**{ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** [القمر: 6] ونحوه.
ولكن يبقى على هذا القول بيان من المراد بالناسي، أهو من الإنس أم من الجن، فلم يخرج الاحتمالين السابقين، مع أن هذا القول من لوازم معنى الوسواس الخناس.
ويرد على هذا القول جمع الصدور وإفراد الناس، والجمع لا يضاف إلى جمع، أي جمع الصدور، لأن الفرد ليس له جمع من الصدور، فيقابل الجمع بجمع، أو يكتفي بالمفرد بمفرد.
وقد جاء في إضافة الجمع إلى المثنى في قوله:**{ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }** [التحريم: 4].
قال أبو حيان: وحسنه أن المثنى جمع في المعنى، والجمع في مثل هذا أكثر استعمالاً من المثنى والتثنية دون الجمع.
كما قال الشاعر:
| **فتخالسا نفسيهما بنوافذ** | | **كنوافذ العيط التي لا ترفع** |
| --- | --- | --- |
وهذا كان القياس وذلك أن المعبر عن المثنى بالمثنى، لكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع بأن التثنية جمع في المعنى والإفراد، لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر.
كقوله:
| **حمامة بطن الواديين ترنمي** | | |
| --- | --- | --- |
يريد بطني، وغلط ابن مالك في التسهيل إذ قال: ونختار الإفراد على لفظ التثنية، فتراه غلط ابن مالك في اختياره جواز إضافة الجمع إلى المفرد، كما أنه قال: ولا يجوز ذلك إلا في الشعر، وأنه مع المثنى لكراهية اجتماع التثنيتين، فظهر بطلان قول أبي السعود.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
أما الراجح في الوجهين في معنى الناس المتقدم ذكرهما. فهو الوجه الأول، وهو أنهم الإنس، وأن قوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } ، بيان لمن يقوم بالوسوسة، أي بيان للوسواس الخناس وأنه من كل من وسواس الجنة ووسواس الناس.
ويظهر ذلك في أمور:
منها: أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته تبعاً له فهو في حق الناس أظهر.
ومنها: أننا لو جعلنا الناس الأولى عامة لمن يوسوس إليه كان من الجنة، والناس مصدر الوسوسة، فيكون من وسواس الناس من يوسوس في صدور الجن. وهذا بعيد.
ومنها: أنه لو كان لفظ الناس يشمل الجن والإنس، لما احتيج إلى هذا التقسيم الجنة والناس، واكتفى في الثانية بما اكتفى به في الأولى، وكان يكون الذي يوسوس في صدور الناس، ولكن جاء بيان محل الوسوسة صدور الناس، ثم جاء مصدر الوسوسة الجنة والناس، والله تعالى أعلم.
تنبيه
ذكر أبو حيان في آخر تفسيره مقارنة لطيفة بين سورتي المعوذتين، فقال: ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث، الرب، والملك، والإله، وإن اتحد المطلوب.
وفي الاستعاذة من ثلاث: الغاسق، والنفاثات، والحاسد، بصفة واحدة وهي الرب، وإن تكثر الذي يستعاذ منه.
وهذه الأخرى لفتة كريمة، طالما كنت تطلعت إليها في وجهتي نظر، إحداهما: بين السورتين، والأخرى بين سورة الناس ونسق المصحف الشريف، سيأتي إيرادهما إن شاء الله.
إلا أنه على وجهة نظر أبي حيان، وهي أنه تعالى في سورة الفلق جاء في الاستعاذة بصفة واحدة وهي رب الفلق.
وفي سورة الناس جاء في الاستعاذة بثلاث صفات، مع أن المستعاذ منه في الأولى ثلاثة أمور، والمستعاذ منه في الثانية أمر واحد، فلخطر الأمر الواحد جاءت الصفات الثلاث.
ويقال أيضاً من جهة أخرى: إن المستعاذ منه في السورة الأولى أمور تأتي من خارج الإنسان، وتأتيه اعتداء عليه من غيره، وقد تكون شروراً ظاهرة، ومثل ذلك قد يمكن التحرز منه أو اتقاؤه قبل وقوعه، وتجنبه إذا علم به. بينما الشر الواحد في الثانية يأتيه من داخليته وقد تكون هواجس النفس وما لا يقدر على دفعه، إذ الشيطان يرانا ولا نراه، كما في قوله:**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** [الأعراف: 27].
وقد يثر عليه خلجات نفسه ونوازع فكره، فلا يجد له خلاصاً إلا بالاستعاذة واللجوء إلى رب الناس ملك الناس إله الناس.
أما الوجهتان اللتان نوهنا عنهما، فالأولى بين السورتين وهي مما أورده أبو حيان: إذ في سورة الفلق قال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }** [الفلق: 1]، ورب الفلق تعادل قوله:**{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }** [الفاتحة: 2].
لأنه ما من موجود في هذا الكون إلا وهو مفلوق عن غيره.
ففي الزرع:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95].
وفي الزمن:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96].
وفي الحيوانات:**{ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً }** [النساء: 1].
وفي الجمادات يشير إلى قوله تعالى:**{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ }** [الأنبياء: 30-31].
فرب الفلق تعادل رب العالمين، فقابلها في الاستعاذة بعموم المستعاذ منه، من شر ما خلق.
ثم جاء ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به، وهو من شر غاسق إذا وقب، والنفاثات في العقد، وحاسد إذا حسد.
فالمستعاذ به صفة واحدة، والمستعاذ منه عموم ما خلق جملة وتفصيلاً، بينما في السورة الثانية جاء بالمستعاذ به ثلاث صفات العظمة لله تعالى: الرب والملك والإله.
فقابل المستعاذ منه وهو شيء واحد فقط، وهو الوسواس الخناس، وهذا يدل على شدة خطورة المستعاذ منه.
وهو كذلك، لأننا لو نظرنا في واقع الأمر لوجدنا مبعث كل فتنة ومنطلق كل شر عاجلاً أو آجلاً، لوجدناه بسبب الوسواس الخناس. وهو مرتبط بتاريخ وجود الإنسان.
وأول جناية وقعت على الإنسان الأول، إنما هي من هذا الوسواس الخناس، وذلك أن الله تعالى لما كرَّم آدم، فخلقه بيده وأسجد الملائكة له وأسكنه الجنة هو وزوجه لا يجوع فيها ولا يعرى، ولا يظمأ فيها ولا يضحى، يأكلان منها رغداً حيث ما شاءا، إلا من الشجرة الممنوعة، فوسوس إليهما الشيطان حتى أكلا منها ودلاهما بغرور، حتى أهبطوا منها جميعاً بعضهم لبعض عدو.
وبعد سكناهما الأرض أتى ابنيهما قابيل وهابيل فلاحقهما أيضاً بالوسوسة، حتى طوَّعت نفس أحدهما قتل أخيه فأصبح من النادمين.
وهكذا بسائر الإنسان في حياته بالوسوسة حتى يربكه في الدنيا، ويهلكه في الآخرة، ولقد اتخذ من المرأة جسراً لكل ما يريد. وها هو يعيد الكرة في نزع اللباس عن أبوينا في الجنة، فينتزعه عنهما في ظل بيت الله الحرام في طوافهم قبل البعثة ولا يزال يغويه، وعن طريق المرأة في كل زمان ومكان ليخرجه عن الاستقامة كما أخرج أبويه من الجنة.
ولا يزال يجلب على الإنسان بخيله ورجله باراً بقسمه بين يدي الله بعزته ليغوينهم أجمعين.
وإن أخطر أبواب الفساد في المجتمعات لهي عن المال أو الدم أو العرض، كما في الحديث في حجة الوداع: **" أن إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا "** إلى آخره.
وهل وجدت جناية على واحد منها، إلا من تأثير الوسواس الخناس. اللَّهم لا.
وهكذا في الآخرة.
وقد بين تعالى الموقف جلياً في مقالة الشيطان البليغة الصريحة:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ }** [إبراهيم: 22] الآية.
ولقد علم عدو المسلمين أن أخطر سلاح على الإنسان، هو الشك ولا طريق إليه إلا بالوسوسة، فأخذ عن إبليس مهمته وراح يوسوس للمسلمين في دينهم وفي دنياهم، ويشككهم في قدرتهم على الحياة الكريمة مستقلين عنه، ويشككهم في قدرتهم على التقدم والاستغلال الحقيقي، بل وفي استطاعتهم على الإبداع والاختراع، ليظلوا في فلكه ودائرة نفوذه، فيبقى المسلمون يدورون في حلقة مفرغة، يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى.
والمتشكك في نتيجة عمل لا يقدم عليه أبداً، بل ما يبنيه اليوم يهدمه غداً، وقد أعلن عن هذه النتيجة الخطيرة رئيس مؤتمر المستشرقين في الشرق الأوسط، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حينما انعقد المؤتمر في [بيروت] لعرض نتائج أعمالهم ودراسة وأساليب تبشيرهم.
فتشكى المؤتمرون من أن لهم زهاء أربعين سنة من عملهم المتواصل، ولم يستطيعوا أن ينصِّروا مسلماً، واحداً، فقال رئيس المؤتمر إذا لم نستطع أن ننصِّر مسلماً، ولكن استطعنا أن نوجد ذبذبة في الرأي، فقد نجحنا في عملنا.
وهكذا منهج العدو، تشكيك في قضايا الإسلام ليوجد ذبذبة في عقيدة المسلمين، فعن طريق الميراث تارة، وعن طريق تعدد الزوجات أخرى، وعن دوافع القتال، وعن استرقاق الرقيق، وعن وعن.
حتى وجد من أبناء المسلمين من يتخطى حدود الشك إلى التصديق، وأخذ يدعو إلى ما يدعو إليه العدو، وما ذاك كله إلا حصاد ونتائج الوسواس الخناس.
فلا غرو إذا أن تجمع الصفات الجليلة الثلاث: رب الناس، ملك الناس، إله الناس.هذه وجهة النظر الأولى بين سورتي الفلق والناس.
أما الوجهة الثانية وهي بين سورة الناس ونسق المصحف الشريف، بقوله تعالى:**{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }** [الفاتحة: 2-7].
وفي هذه البداية الكريمة بث الطمأنينة في القلب المعبر عنها بالحمد، عنوان الرضى والسعادة والإقرار لله بالربوبية، ثم الإيمان بالبعث والإقرار لله بملك يوم الدين، ثم الالتزام بالعبادة لله وحده والالتجاء إليه مستعيناً به، مستهدياً الصراط المستقيم، سائلاً صحبة الذين أنعم عليهم.
ثم يأتي بعدها مباشرة في أول سورة البقرة**{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }** [البقرة: 2]، أي أن الهدى الذي تنشده إلى الصراط المستقيم، فهو في هذا الكتاب لا ريب فيه، ثم بين المتقين الذي أنعم الله عليهم بقوله:**{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }** [البقرة: 3-4].
ومرة أخرى للتأكيد: أولئك لا سواهم على هدى من ربك وأولئك هم المفلحون.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم تترسل السورة في تقسيم الناس إلى الأقسام الثلاثة: مؤمنين وكافرين ومذبذبين بين بين وهم المنافقون.
ثم يأتي النداء الصريح وهو أول نداء في المصحف لعموم الناس**{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ }** [البقرة: 21]، ويقيم البراهين على استحقاقه للعبادة وعلى إمكان البعث بقوله:**{ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }** [البقرة: 21-22].
وبعد تقرير الأصل وهي العقيدة، تمضي السورة في ذكر فروع الإسلام، فتشتمل على أركان الإسلام كلها وعلى كثير من مسائل المعاملات والجهاد، وقلَّ من أبواب الفقه إلا وله ذكر في هذه السورة، ويأتي ما بعدها مبيناً لما أجمل فيها أو لما يذكر ضمنها.
وهكذا حتى ينتهي القرآن بكمال الشريعة وتمام الدين.
ولما جاء في وصف المتقين المهتدين في أول المصحف، أنهم يؤمنون بالغيب ومنه الإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وعقاب وثواب، أمور الغيب تستلزم اليقين، لترتب الجزاء عليه ثواباً أو عقاباً.
والثواب: والعقاب هما نتيجة الفعل والترك.
والفعل والترك: هما مناط التكليف، لأن الإنسان يمتثل الأمر رجاء الثواب، ويكف عن متعلق النهي مخافة العقاب.
فلكأن نسق المصحف يشير إلى ضرورة ما يجب الانتباه إليه، من أن القرآن بدأ بالحمد ثناءً على الله بما أنعم على الإنسان بإنزاله، وإرسال الرسول صاحبه به، ثم نقله من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، وهو الأعظم قدراً وخطراً، ثم رسم له الطريق الذي سلكه المهتدون أهل الإنعام والرضى، ثم أوقفه عليه ليسلك سبيلهم.
وهكذا إلى أن جاء به بعد كمال البيان والإرشاد والهداية، جاء به إلى نهاية هذا الصراط المستقيم، فاستوقفه ليقول له إذا اطمأننت لهذا الدين، وآمنت بالله رب العالمين، واعتقدت مجيء يوم الدين، وعرفت طريق المهتدين ورأيت أقسام الناس الثلاث مؤمنين وكافرين ومنافقين، ونهاية كل منهم، فالزم هذا الكتاب، وسر على هذا الصراط ورافق أهل الإنعام، وجانب المغضوب عليهم والضالين، واحذر من مسلك المنافقين المتشككين، وحاذر كل الحذر من موجب ذلك كله، وهو الوسواس الخناس، أن يشكك في متعلقات الإيمان، أو في استواء طريقك واستقامته أو في عصمة كتابك وكماله، وكن على يقين مما أنت عليه، ولا تنس خطره على أبويك من قبل، إذ هما في الجنة دار السلام ولم يسلما منه، ودلاَّلهما بغرور فحاذر منه ولُذْ بي كلما ألمَّ بك أو مسَّك طائف منه، وكن كسلفك الصالح إذا مسَّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون.
وقد علمت عداوته لك من بعد، وعداوته ناشئة عن الحسد.
ولكأن ارتباط السورتين ليشير إلى منشأ تلك العداوة وارتباطها بها التحذير، إذ في الأولى: ومن شر حاسد إذا حسد، فحسد الشيطان آدم على إكرام الله إياه كما أسلفنا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والعدو الحاسد لا يرضيه إلا زوال النعمة عن المحسود، ولئن كانت توبة آدم هي سبيل نجاته، كما في قوله تعالى:**{ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ }** [البقرة: 37].
فنجاتك أيضاً في كلمات تستعيذ بها من عدوك: برب الناس ملك الناس إله الناس، لأن الرب هو الذي يرحم عباده، وملك الناس هو الذي يحميهم ويحفظهم ويحرسهم. وإله الناس الذي يتألهون إليه ويتضرعون ويلوذون به سبحانه.
تنبيه
إذا كان هذا كله خطر الوسواس الخناس من الجنة والناس، وهما عدو مشترك ومتربص حاقد حاسد، فما طريق النجاة منه؟
الذي يظهر، والله تعالى أعلم: أن طريق النجاة تعتمد على أمرين:
الأول: يؤخذ من عمومات الكتاب والسنة.
والثاني: سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه.
أما الأول فهو: إذا كانت مهمة الوسوسة التشكيك والذبذبة والتردد، فإن عمومات التكليف تلزم المسلم بالعزم واليقين والمضي دون تردد كما في قوله:**{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ }** [آل عمران: 159]، وامتدح بعض الرسل بالعزم وأمر بالاقتداء بهم**{ فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ }** [الأحقاف: 35].
وقال: صلى الله عليه وسلم: **" دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ".** والقاعدة الفقيهة **" اليقين لا يرفع بشك ".** والحديث: **" يأتي الشيطان لأحدكم وهو في الصلاة فينفخ في مقعدته، فيتخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث، فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً ".** ومن هنا كانت التكاليف كلها على اليقين، فالعقائد لا بد فيها من اليقين.
والفروع في العبادات لا بد فيها من النية **" إنما الأعمال بالنيات ".** والشرط في النية الجزم واليقين، فلو نوى الصلاة على أنه إن حضر فلان تركها، لا تنعقد نيته، ولو نوى صوماً أنه إن شاء أفطر، لا ينعقد صومه.
ونص مالك في الموطإ، أنه نوى ليوم الشك في ليلته الصوم غداً، على أنه إن صح من رمضان فهو لرمضان، وإلا فهو نافلة، لا ينعقد صومه لا فرضاً ولا نفلاً حتى لو جاء رمضان لا يعتبر له منه، وعليه قضاؤه لعدم الجزم بالنية.
والحج: لو نواه لزمه ولزمه المضي فيه، ولا يملك الخروج منه باختياره.
وهكذا المعاملات في جميع العقود مبناها على الجزم حتى في المزح واللعب، يؤاخذ في البعض كالنكاح والطلاق والعتاق.
فمن هذا كله، كانت دوافع العزيمة مستقاة من التكاليف، مما يقضي على نوازع الشك والتردد، ولم يبق في قلب المؤمن جال لشك ولا محل لوسوسة.
وقد كان الشيطان يفر من طريق عمر رضي الله عنه.
أما الذي كنت سمعته من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه فقوله: لقد علمنا الله كيفية اتقاء العدو من الإنس ومن الجن.
أما العدو من الإنس ففي قوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }** [فصلت: 34].
فدل على أن مقابلة إساءة العدو بالإحسان إليه تذهب عداوته، وتكسب صداقته، كما قال تعالى: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } السيئة.
وأما عدو الجن ففي قوله تعالى:**{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }** [فصلت: 36].
وهو ما يدل عليه ما تقدم من الآثار من أن الشيطان يخنس إذا سمع ذكر الله.
وعلى قوله رحمه الله: فإن شيطان الجن يندفع بالاستعاذة منه بالله، ويكفيه ذلك، لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً.
أما شيطان الإنس فهو في حاجة إلى مصانعة ومدافعة والصبر عليه، كما يرشد إليه قوله تعالى:**{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }** [فصلت: 35].
رزقنا الله تعالى وجميع المسلمين حظاً عظيماً في الدنيا والآخرة، إنه المسؤول، وخير مأمول.
روى ابن كثير حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يتعوذ من أعين الجن والإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروي **" عن عبد الله الأسلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال: " قل ": فلم أدر ما أقول.** **ثم قال لي: " قل ". فقلت: هو الله أحد، ثم قال لي: قل. قلت: أعوذ برب الفلق من شر ما خلق حتى فرغت منها، ثم قال لي قل. قلت: أعوذ برب الناس حتى فرغت منها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هكذا فتعوّذ. وما تعوَّذ المتعوذون بمثلهن قط " ".** والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على أفضل خلقه وأكرمهم عليه، من اصطفاه لرسالته وشرفنا ببعثته، وختم به رسله وكرَّمنا به وهدانا لاتباعه، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين. إنه سميع مجيب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|